الحرية– مركزان الخليل:
ما يحدث اليوم في السوق المحلية من تقلبات سعرية، يشكل الهاجس الأكبر لدى شريحة واسعة من السوريين، كذلك عدم استقرار أسعار الصرف، وحال المنتج المحلي، وما آل اليه من واقع صعب، في ظل انفتاح الأسواق ودخول المهربات، وتخفيضات جمركية بصورة مباشرة، جعلته في مواجهة لم تكن في حساب أصغر منتج في السوق، فكيف هو الحال لدى المنتجين الكبار، الأمر الذي ولد حالة من القلق الجميع يعيشه، كل حسب موقعه، والقلق الأكبر” تذبذب أسعار الصرف” يثير قلق قطاع الإنتاج في العام والخاص، مع ملاحظة يمكن تسجيلها، علماً أنها فرضت نفسها وبقوة على أرض الواقع والتي تكمن في تراجع الإنتاجية المحلية وغيابها، أمام هذا الكم الهائل من السلع المنتشرة على الأرصفة العامة، دون استئذان من أحد..؟!
والسؤال هنا ما هو السبيل لإزالة هذا القلق الكبير الذي يعيش فينا خوفاً على صناعتنا الوطنية، ومنتجاتها التي تجاوز انتشارها أسواق عشرات الدول…؟!
الحماية أولاً
بالطبع الجواب يتفق عليه الجميع وهو الحماية بكل مكوناتها، وهذه مسألة حتمية، لكن الدخول إلى الحل من أهل الخبرة والاختصاص له أهمية عبر عنها الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش معتبرأ أولى خطوات المعالجة ” تكمن في أسعار الصرف” حيث يعتبر سعر الصرف أحد المؤشرات الهامة لتقييم الأداء الاقتصادي، إذ يلعب دوراً مهماً في النشاطات الاقتصادية الداخلية والخارجية للدولة، سواء كان ذلك النشاط تجارياً أم استثمارياً، كما يلعب دوراً محورياً في السياسة النقدية، كونه يستخدم كهدف أو كأداة أو ببساطة، كمؤشر على تنافسية الدولة، من خلال تأثيره على مكونات النمو الاقتصادي مثل الاستثمار، درجة الانفتاح على التجارة الدولية والاقتصاد العالمي، التدفقات الرأسمالية وتطور القطاع المالي.
وتعكس تحركات سعر الصرف في معظم الحالات، مدى جودة الأداء الاقتصادي الداخلي والخارجي معاً.
ولكن القاعدة الأساسية هي أن أي تغير كبير وفجائي في سعر الصرف هبوطاً أو صعوداً، يشير إلى خلل كبير في السياسة النقدية والمالية ويشكل أثراً سلبياً على مجمل النشاط الاقتصادي، كونه بهذه الحالة لا يعبر عن متغيرات ودوافع اقتصادية، بل يكون استجابة لمتغيرات أخرى وأخطرها المضاربة.
تحسن مؤقت
وبذلك يمكن الاستنتاج، أن التغيرات الكبيرة والسريعة لقيم سعر الصرف، والتي رافقت المرحلة الأخيرة من سقوط النظام إلى اليوم، لم تكن نتاج متغيرات اقتصادية ساهمت في تحسن سعر صرف الليرة، وبالتالي يمكن اعتبار هذا التحسن مؤقتاً وغير مستقر، وهذا يعزز قلق قطاع الأعمال ويزيد من مخاطر التمويل ويدفع للمزيد من التحوط وأحياناً يشجع على المضاربة، ترافق ذلك مع تدفق كبير للكثير من السلع غير المحلية وبأسعار منافسة.
وبرأي ” عياش” أن هذا الأمر دفع قطاع الأعمال لزيادة المعروض السلعي، خوفاً من تراجع أكبر في الأسعار، وبذلك زاد العرض المتاح في الأسواق ولا سيما من السلع الاستهلاكية مع أسعار أقل، وتحسن في القوة الشرائية لليرة السورية.
ورغم ذلك نلاحظ حالة ركود عامة في الأسواق، ومردها إلى قلة السيولة أي المعروض النقدي، وذلك نتيجة التأخر في صرف الرواتب والأجور وتجميد وتقييد السيولة في المصارف، إذا تراجع الطلب بشكل كبير، وهذا يؤدي إلى تراجع الإنتاج، بالإضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالتكاليف، ولا سيما حوامل الطاقة وتوقف الاستيراد وخصوصاً المواد الأولية، مع استمرار المعوقات الخارجية ولا سيما العقوبات والحصار الجائر.
سياسة نقدية واضحة
وبالتالي كل ذلك يتطلب حلولاً سريعة لإنقاذ الإنتاجية الوطنية يراها “عياش” في جملة أمور في مقدمتها: يجب على الإدارة الجديدة سرعة التحرك لاعتماد سياسة نقدية واضحة، يمكن من خلالها تحقيق توازن واستقرار سعر الصرف، وتحديد قيمه بشكل واقعي، ويعبر عن توازنات العرض والطلب على النقد، وهذا مرهون بمدى توفر الأدوات اللازمة للمركزي، وقد يكون اقتراح إنشاء منصة لتداول القطع مفيداً لتحديد توازنات العرض والطلب.
والجانب المهم في الحل أيضاً، أن تكون الأولوية المطلقة هي لمحاولة إلغاء أو تخفيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية وحتى العربية مع السعي لتأسيس صندوق سيادي للودائع الوطنية مع إنشاء بنك استثمار لتمويل الاستثمارات الإنتاجية كأولوية استثمارية في المرحلة الحالية.
وهذا بالتوازي مع زيادة الدبلوماسية الاقتصادية تجاه البلدان الصديقة والمنظمات الدولية لزيادة المنح والودائع والمساعدات التي تساعد في تعزير قدرة البنك المركزي في تحقيق استقرار أسعار الصرف، فهذا شرط أساسي لجذب الاستثمارات الخارجية والتي تلعب دوراً أساسياً في زيادة التكوين الرأسمالي في البلد، من دون ان ننسى إجراء لايقل أهمية عما سبق يكمن في ضرورة توفير السيولة الكافية لتأمين متطلبات العرض الكافي وتحريك الطلب الفعال في الأسواق..