ملف «الحرية».. خريطة طريق لـ«إنتاج سوريا الجديدة»..استغلال إمكانات التكنولوجيا الناشئة وتحسين توزيع المواد وتوفير بيئات للمنشآت الإنتاجية

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرّية- هبا علي أحمد:

حفّز المصطلح الذي أطلقه وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور نضال الشعار حول إعادة «اختراع سوريا الجديدة» مؤخراً التفكير والبحث والتساؤلات، حول ترجمة ذلك، بمعنى؛ كيف يُمكن إعادة «إنتاج سوريا الجديدة» اقتصادياً و إنتاجياً؟ ما المطلوب من الحكومة توفيره لتفعيل الحلقات الإنتاجية واستثمارها لإنعاش الاقتصاد؟.. ولعلّ أفضل السبل لزيادة الإنتاجية والمسار إلى المستقبل تحسين توزيع الموارد واعتماد التكنولوجيا.
ولفهم كيف يُمكن إنتاج أو اختراع سوريا الجديدة، لا بدّ من تسليط الضوء على النمو الاقتصادي في مختلف القطاعات بما يعكس الأهمية البالغة لزيادة الإنتاجية، حيث يوضح الخبير الاقتصادي فاخر القربي أنّ منافع النمو الاقتصادي لا تخفى على أحد، فالنمو يقود إلى تحسين مستويات المعيشة، وتحقيق المزيد من الإيرادات الضريبية من أجل الخدمات العامة، وزيادة الاستثمار في التكنولوجيات ومنشآت الأعمال الجديدة، بما في ذلك الاستثمار المطلوب لمكافحة تغير المناخ والتحول إلى استخدام الطاقة المتجددة، وهذا ما يفسر الأهمية البالغة لزيادة الإنتاجية.

النمو الاقتصادي يقود إلى تحسين مستويات المعيشة وتحقيق المزيد من الإيرادات الضريبية وزيادة الاستثمار في التكنولوجيات ومنشآت الأعمال الجديدة

وفي السنوات الأخيرة، شهد نمو الإنتاجية تباطؤاً كبيراً، بما يشكل أكثر من نصف التراجع في النمو، وشهدت اقتصادات الأسواق الصاعدة انخفاضاً من 2,5% خلال الفترة 2001-2007 إلى 0,8%، ويبدو الوضع أكثر قتامة للبلدان منخفضة الدخل، حيث سجل نمو الإنتاجية هبوطاً حاداً حتى 2%.

العوامل الدافعة للإنتاجية
ويرى القربي في تصريح لصحيفة «الحرّية» أنّ زيادة الإنتاجية تعني مزيداً من الناتج من نفس الكم من المدخلات، ويوجد عاملان رئيسان يدفعان نمو الإنتاجية هما التحسينات داخل الشركات، وكفاءة توزيع الموارد على مستوى الاقتصاد.
وقال الخبير الاقتصادي: تتحقق مكاسب الإنتاجية داخل الشركات عن طريق استخدام تكنولوجيا أفضل، وتحسين ممارسات الإدارة، والعمليات الابتكارية، فالشركات التي تعتمد أحدث التكنولوجيات وتجذب أفضل المواهب يمكنها زيادة الإنتاجية إلى حدٍّ كبير، لافتاً إلى أنه في الواقع تتمثل المشكلة في أن عائد الاستثمار في البحوث والتطوير آخذ في التناقص، و لهذا يتعين النظر في استخدام مصادر أخرى لزيادة الإنتاجية للحفاظ على النمو الاقتصادي.
ويقودنا هذا الأمر، حسب القربي، إلى العنصر الرئيس الثاني في دفع نمو الإنتاجية، ألا وهو كفاءة توزيع الموارد، وتتعلق كفاءة توزيع الموارد على نطاق الاقتصاد بأكمله بمدى جودة توزيع موارد الاقتصاد على مختلف منشآت الأعمال من أجل أكثر استخداماتها إنتاجية.
ويشرح الخبير، لنتخيل الاقتصاد كمزرعة كبيرة، فإذا استُخدمت أجود الأراضي لزراعة أعلى المحاصيل قيمة، فستحقق المزرعة إنتاجية أعلى بشكل عام وعلى المنوال نفسه، إذا تدفقت موارد الاقتصاد إلى أكثر الشركات ابتكاراً وأعلاها كفاءة، فإن بمقدورها أن تنمو وأن تدفع التقدم الاقتصادي قدماً، وتضمن هذه العملية ازدهار أفضل منشآت الأعمال، في حين تخرج المنشآت الأقل كفاءة من السوق.
ويُبيّن القربي مكامن الخلل التي تحول دون زيادة الإنتاجية، لافتاً إلى أنّ سوء توزيع رأس المال والعمالة على مستوى الشركات داخل القطاعات المختلفة قد زاد بالفعل، ولا يزال سوء توزيع الموارد هذا يؤدي إلى تراجع نمو الإنتاجية بمقدار 0,6 نقطة مئوية في المتوسط سنوياً، ولولا هذه الزيادة في سوء توزيع الموارد، لكان نمو الإنتاجية أعلى بنسبة 50%.

التحسينات داخل الشركات وكفاءة توزيع الموارد على مستوى الاقتصاد عاملان رئيسان يدفعان نمو الإنتاجية

وحسب الخبير الاقتصادي، تُعزى هذه الزيادة بصفة أساسية إلى عدم تكافؤ نمو الإنتاجية بين الشركات، الذي يعوقه الاحتكاك الاقتصادي في كثير من البلدان ما يحُول دون إعادة توزيع الموارد بكفاءة، والاحتكاكات الهيكلية، مثل الحواجز التنظيمية، وجمود أسواق العمل، والقيود على التمويل، وعدم الانفتاح التجاري، عادة ما ترتبط بمستويات أعلى من سوء توزيع الموارد، وبذلك نجد أنّ سوء توزيع الموارد يُعزى إلى قضايا هيكلية مستمرة، ويوضح هذا الأمر أنّ التدخلات الموجهة على مستوى السياسات، التي تعالج أوجه عدم الكفاءة هذه، يمكن أن تدفع الإنتاجية وتزيد النمو بشكل كبير

سياسات دعم نمو الإنتاجية
وتتمثل إحدى السياسات التي تدعم تحقيق هذا الهدف في الحد من حواجز الدخول إلى الأسواق وزيادة المنافسة، ويتمثل منهج آخر فعال في تحرير الأسواق المالية، وهو ما يمكِّن منشآت الأعمال من الحصول على التمويل الذي تحتاجه لتحقيق النمو والابتكار، ويتيح هذا الأمر للشركات ذات الإمكانات الإنتاجية العالية الحصول على رأس المال الضروري للتوسع، بدلاً من أن تعوق القيود المالية عملها، وفقاً للقربي.
وتابع القربي: على القدر نفسه من الأهمية يأتي الحد من أوجه جمود سوق العمل لتشجيع وجود قوة عاملة تتسم بالديناميكية ولديها القدرة على التكيف، ففي البرازيل، على سبيل المثال، أدت صرامة القواعد المنظمة لسوق العمل في الماضي إلى زيادة التكاليف على كاهل أصحاب العمل في القطاع الرسمي، وهو ما نتجت عنه نسبة كبيرة من التوظيف في القطاع غير الرسمي الأقل إنتاجية، وبتيسير انتقال العمالة إلى الأماكن التي هي في أمس الحاجة إليهم، يمكن للبلدان زيادة الاتساق بين عرض العمالة والطلب عليها، وبالتالي تعزيز الإنتاجية الكلية.

إذا تدفقت موارد الاقتصاد إلى أكثر الشركات ابتكاراً وأعلاها كفاءة بمقدورها أن تنمو وأن تدفع التقدم الاقتصادي قدماً

ومعالجة الحواجز المؤسسية الأخرى التي تقف حجر عثرة أمام كفاءة توزيع الموارد ذات أهمية بالغة للنمو على المدى الطويل، ويجب أيضاً التصدي لمسائل مثل الفساد وضعف حقوق الملكية عن طريق حوكمة وإصلاحات مؤسسية فعالة، ويمكن لتحسين الإطار التنظيمي وضمان شفافية ممارسات السوق وعدالتها خلق مشهد اقتصادي أكثر ديناميكية وإنتاجية.

التكنولوجيا الناشئة
بالإضافة إلى ذلك، أشار القربي إلى أنّ التكنولوجيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية لأجهزة الكمبيوتر فائقة الأداء، والتكنولوجيا الحيوية، والتكنولوجيات الخضراء، لديها الإمكانية لزيادة الإنتاجية وتعزيز النمو الاقتصادي حيث يمكن للذكاء الاصطناعي الارتقاء بسلاسل الإمداد إلى المستوى الأمثل، وتقليل تكاليف التشغيل، وتحسين مستوى خدمة العملاء، التي تسهم جميعها في تحقيق إنتاجية أعلى.
وفي مجال الرعاية الصحية، تُحدث تقنيات التشخيص باستخدام الذكاء الاصطناعي والطب المشخصن، ثورة في رعاية المرضى، ما يجعلها أكثر كفاءة وفعالية، بالمثل، في الصناعات التحويلية، يزيد التشغيل الآلي المدعوم بالذكاء الاصطناعي سرعة الإنتاج ويقلل الأخطاء، وهو ما يؤدي إلى وفورات كبيرة في التكلفة وقدر كبير من مكاسب الإنتاجية.

التكنولوجيات الناشئة لديها الإمكانية لزيادة الإنتاجية حيث يمكن للذكاء الاصطناعي الارتقاء بسلاسل الإمداد وتقليل تكاليف التشغيل بما يسهم في تحقيق إنتاجية أعلى

ولفت إلى أنه ينبغي للحكومات تشجيع منظومة للابتكار والاعتماد تدعم الإبداع وتخفض الاحتكاكات في إعادة توزيع موارد البحوث إلى أدنى حدٍّ، ولأوجه التقدم التكنولوجي دور محوري في زيادة الإنتاجية لأنها تتيح للشركات العمل بكفاءة أكبر والمنافسة بفعالية في الأسواق العالمية، كما باستطاعة كل بلد سد فجوات السياسات بينه وبين أفضل الاقتصادات أداءً من حيث مرونة سوق العمل، وتحرير السوق المالية، وتحرير التجارة، وتنظيم أسواق منتجات معينة.
ويتطلب المسار إلى المستقبل عملاً حاسماً لزيادة الإنتاجية عن طريق تحسين توزيع الموارد واعتماد التكنولوجيا، وتتقارب الدروس التي نستخلصها من التاريخ وكثير من التحليلات عند النقطة نفسها، وهي أنه يمكن للتدخلات الفعالة على مستوى السياسات وقف اتجاه النمو الآخذ في التراجع، وعكس مساره، ومن خلال خلق بيئات يمكن فيها لأكثر منشآت الأعمال إنتاجية الازدهار، واستغلال إمكانات التكنولوجيات الناشئة، يمكن للبلدان تهيئة الظروف لحقبة جديدة من الرخاء الاقتصادي.

اقرأ أيضاً:

ملف «الحرية».. “الخاصرة الرخوة” للمصرف المركزي.. حكايات لا تنتهي مع المضاربة على الليرة وعملات مزورة

Leave a Comment
آخر الأخبار