خصخصة القطاع العام السوري : الفرص والمخاطر و أهمية الحفاظ على الصناعات السيادية

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية ـ مركزان الخليل:
يكثر الحديث في هذه الأيام عن “الاستثمار الخاص” وهذا يحمل الكثير من إشارات الاستفهام في الوسط الاقتصادي، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بعقارات حكومية، وشركات صناعية وإنتاجية، تحت مظلة القطاع العام، والتي اعتادها المواطن لعقود من الزمن كحالة اقتصادية واجتماعية، الاقتراب منها “خط أحمر” لأنها عنصر التوازن في الأسواق المحلية، وقبلها ضمانة لبقاء قوة الاقتصاد الحكومي، وهذه مسألة، لا يمكن تجاهلها، لأن عمرها الزمني يمتد لعشرات السنين، شكلت بتواجدها حالة اجتماعية كبيرة، حققت الكثير من حالات الاستقرار لملايين الأسر السورية، عبر مراحل مختلفة، إلى جانب عائديتها الاقتصادية والاجتماعية الواسعة..

ضرورة الحفاظ على صناعات فيها سلسلة قيم مضافة كبيرة وعالية، تعتمد على الموارد المحلية في إنتاجيتها، مع وجوب عدم خروجها من جعبة الدولة..

غايات تنموية

لهذا السبب تأتي أهمية القطاع العام الصناعي “المحور الأهم لاتجاهات رأس المال الخاص” والذي كان يلعب دوراً مهماً في التوظيف الاجتماعي، حيث يستوعب أعداداً كبيرة من قوة العمل الوافدة إلى السوق، وإن كان على حساب الشركة ذاتها، لأن الغاية اجتماعية تنموية بأبعادها المختلفة، وبالتالي الدخول إلى عالم الخصخصة تصبح غالبية قوة العمل خارج المعادلة، سواء عن طريق التسريح بحجج مختلفة، أو بفعل التقاعد المبكر، وهذا الأمر لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار، وخاصة أن هناك تجارب للكثير من الدول التي خصخصت شركاتها وخاصة الخاسرة، ووضعت شروطاً على الشركاء، أو المستثمرين للحفاظ على عمالتها.. لكن هل ينطبق الأمر على الحالة السورية، وسط ظروف تختلف إلى حد بعيد عن ظروف تلك الدول، رغم اتفاقها في كثير من التفاصيل؟، لكن بطبيعة الحال إمكانية الاستفادة من التجارب، مشروط بما يتناسب مع توجهاتنا الاقتصادية لهذه المرحلة..؟

ليست مجدية

وبالتالي هناك مقاربة لهذا الواقع حددها الخبير الاقتصادي المهندس أسعد وردة لتوضيح بعض الأفكار التي تطول “شركات القطاع العام الخاسرة والرابحة منها” وتوجه رأس المال الخاص لتبديل حالتها الإنتاجية والاستثمارية، حيث أكد في تصريحه لصحيفة “الحرية” أن المفهوم العام للخصخصة ينطوي على مخاطر كثيرة، أهمها وجود شركات رائدة في القطاع الصناعي، تحتوي على قيمة مضافة حقيقية، ولها تاريخ عريق تعتمد على موارد محلية، لا يملكها القطاع الخاص، بمعنى المحافظة على صناعات فيها سلسلة قيم مضافة كبيرة وعالية، يجب ألا تخرج من جعبة الدولة، كالصناعات النسيجية بدءاً من حلج الخيط وانتهاءً باللباس الجاهز، وهذه السلسة التي تتكون من 22 حلقة يجب عدم التفريط بها، حيث يوجد بنية تحتية ومقومات صناعات ناجحة تحتاج بعض الهندسة والتطوير، وفكرة خصخصتها ليست مجدية على العكس نراها مدمرة لإيرادات كثيرة مهمة لخزينة الدولة، نذكر على سبيل المثال القطن “الذهب البيض” لأن إيراداته كانت تفوق إيرادات النفط ..
ومن جانب آخر يوجد صناعات مثل البتروكيماوية هذه الصناعات يجب أن تكون تحت إشراف الدولة لأنها “صناعات سيادية” داعمة وتترجم توجهات الحكومة والدولة في الاكتفاء ببعض المنتجات التي نستغني عن استيرادها وبالتالي تعزز فاتورة التصدير، وتقلص فاتورة الاستيراد، وهذا الشيء يجب العمل عليه، وخاصة أنه لدينا مكامن طبيعية وثروات باطنية، لذا يتوجب التركيز عليها بدل طرحها للخصخصة..

خبير اقتصادي يدعو لبقاء الصناعات “السيادية” بيد الدولة بعيداً عن أي استثمار لأنها تترجم توجهات الحكومة وتحقق الاكتفاء من الأساسيات..

عباءة الدولة الأفضل

أما ما يتعلق بالصناعات البسيطة والتحويلية، كصناعة الأدوات المنزلية والكهربائية، والألبان والاجبان، والمحارم وغيرها، فهي لا تستطيع المنافسة مع القطاع الخاص، وبالتالي الاستغناء عنها أمر وارد وطبيعي، ونرى بيع أصولها أو خصخصتها يخدم الصناعات الأخرى التي ذكرناها سابقاً، من حيث تعزيزها وتطويرها، وتعظيم القيمة المضافة فيها واستثمارها بشكل أفضل..
من هنا نجد أن الصناعات الثقيلة كالتعدين يجب ألا تخرج من تحت عباءة الدولة لأنها صناعات حكومية بامتياز بغض النظر عن ربحيتها فمثلاً “معمل حديد حماة” الذي ينتج أصنافاً من المعادن بمختلف الأشكال والألوان، وتكون أساساً لصناعات هندسية وثقيلة..
وبرأي “وردة” فإنه ضد فكرة السماح للقطاع الخاص أن يستأثر بالخردة بكل أنحاء سورية، وشركة حديد حماة مصممة على استيعابها كاملاً، وبطاقة تقدر بنحو 285 ألف طن سنوياً، وهذا يعني أننا قادرون على أن نستوعب كل الخردة، ونحولها إلى منتجات خامية بالحد الأدنى، وفي العموم فإن الخصخصة وخاصة الشركات الرابحة والسيادية جريمة بحق الاقتصاد الوطني، لذلك يجب أن تبقى الصناعات الثقيلة في الدولة، وترك المنتجات الاستهلاكية للقطاع الخاص لأنه الأكثر نشاطاً فيها..

ليست عصا سحرية

رغم كل ذلك فإننا نجد ” خصخصة القطاع العام ” ليست عصا سحرية، ولا دواء شافياً لكل الأمراض المتوارثة عن عهد النظام البائد، ينقذ الشركات من الخسارة، بل يجب أن يكون حلاً من جملة حلول ينبغي التفاضل فيما بينها، وخاصة أن القطاع الخاص لا يسعى للدخول في شراكات مع شركات خاسرة، بل عينه على الشركات الرابحة، ولنا في ذلك تجارب سابقة حيث أعلنت الحكومات البائدة الكثير من الشركات للاستثمار لكن دون جدوى تذكر، ولا حتى شجاعة استثمارية من القطاع الخاص لاستثمارها بالصورة التي تحقق تشاركية مصلحة حكومية وخاصة، وهذا ما كان موضوع خلاف طيلة السنوات السابقة..
واليوم اتجاه الحكومة نحو استثمار فعلي وفق آليات جديدة تحمل ضمانة نجاح يستفيد منها الجميع، وتحقيق عائد مادي يعود بالنفع لصالح الخزينة العامة والمستثمر على السواء، فهل تنجح هذه الخطوات وتثمر كما نريد، هذا ما ستفرج عنه الأيام القادمة..

Leave a Comment
آخر الأخبار