الحرية: مها يوسف:
شكّل خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حدثاً استثنائياً طال انتظاره، إذ التقى السوريون لأول مرة منذ ما يقارب ستة عقود برئيسهم يخاطب العالم من على منبر المنظمة الدولية.
وقد عكس التفاعل الشعبي مع هذه اللحظة التاريخية حجم أهميتها، حيث تجمهر أبناء الجالية السورية طوعاً أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك، معبّرين عن توقهم لرؤية رئيسهم يعرض قصة وطنهم أمام المجتمع الدولي.
وقد رأى الكاتب السياسي درويش خليفة أن هذا التفاعل الشعبي لم يكن مجرد احتفاء برمزية الحدث، بل هو تعبير عن تطلع السوريين إلى طي صفحة الماضي والانطلاق نحو مرحلة جديدة.
ففي خمس دقائق مكثفة، قدّم الرئيس الشرع للعالم حكاية السوريين، بكلمات واضحة ومباشرة رسمت ملامح التحول من حقبة الاستبداد إلى أفق الحرية والعدالة.
استهل الرئيس كلمته بمقدمة مقتضبة حول الصراع الأزلي بين الحق والباطل، مؤكداً أن الحق انتصر أخيراً بعد سنوات من الظلم والمعاناة، ثم انتقل إلى استعراض ممارسات النظام البائد، مسلطاً الضوء على جرائم القتل والاعتقال والقمع ومصادرة الحريات التي عانى منها السوريون لعقود طويلة، ليضع المجتمع الدولي أمام حقيقة ما عاشه الشعب.
وأكد الشرع أن انتصار السوريين لم يكن ليتحقق لولا تعاضدهم ووحدتهم في معركة التحرير، مشدداً على أن هذا الانتصار هو ثمرة دماء الشهداء وصمود الشعب وتضحياته، وتعهد بمحاسبة كل من انتهك حقوق السوريين وتقديمه إلى العدالة، مؤكداً أن العدالة ستشكّل الركيزة الأساسية في بناء سوريا الجديدة، وأن مآسي الماضي لن تتكرر.
ولم يقتصر الخطاب على الشأن الداخلي، بل تناول أيضاً القضايا الإقليمية والدولية، إذ أشار الشرع إلى الانتهاكات المتكررة للسيادة السورية من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو، مؤكداً أن دمشق لن تتنازل عن حقها في الدفاع عن أرضها وكرامتها بكافة الوسائل المشروعة.
كما وجّه الشكر والعرفان للدول التي دعمت بلاده في أصعب الظروف، وفي مقدمتها قطر وتركيا والسعودية، معتبراً أن هذه المواقف الأخوية عزّزت صمود السوريين وساندتهم في معركتهم من أجل التحرير.
ولم يغفل الرئيس السوري الإشارة إلى معاناة الفلسطينيين في غزة، متوقفاً عند ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من انتهاكات غير مسبوقة في التاريخ الحديث، مؤكداً تضامن سوريا الثابت مع قضيتهم العادلة وحقهم المشروع في الحرية والكرامة.
ويخلص الكاتب درويش خليفة إلى أن خطاب الرئيس أحمد الشرع لم يكن مجرد كلمة سياسية بروتوكولية، بل كان إعلاناً عن ولادة سوريا جديدة، سوريا الحرية والعدالة، سوريا التي تنشد السلام والاستقرار، وسوريا التي تعود إلى مكانها الطبيعي بين الأمم بعد عقود من العزلة والمعاناة، مشيرا إلى أن هذه الكلمة مثّلت لحظة تاريخية فاصلة، أعادت تعريف صورة سوريا أمام العالم، وأكدت أن الشعب السوري قد بدأ فعلاً كتابة صفحة جديدة من تاريخه.