الحرية – إلهام عثمان:
“حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين”، مقولة لم تـُحك عبثاً، بل هي حكمة بالغة تشير إلى خط رفيع يفصل بين التمتع بالحقوق والفوضى العارمة، وفي هذا السياق، نتساءل عن ماهية الحرية ذات الحدين والتي نشهدها في الفترات الأخيرة في ساحاتنا العامة، فبينما يرى البعض في هذه المساحات متنفساً للتعبير عن الفرح والاحتفال وربما السبب قلة المال، يرى آخرون أنها تحولت إلى ساحة لـ “الفوضى” التي تثير الجدل والاستياء، فهل باتت ساحاتنا مرآة تعكس قيمنا الحقيقية، أم إن الصورة قد تشوهت بفعل تصرفات “فردية” لا تمت للمسؤولية بصلة؟
الساحة ملك خاص
تشير الخبيرة الاجتماعية سمية معلا من خلال حوارها مع صحيفتنا “الحرية”، إلى أن بعض الأفراد قد يسيئون فهم هذا المفهوم النبيل، فيتصورون أن الحرية المطلقة قد تبيح لهم التصرف كيفما شاؤوا، وكأن الساحة العامة امتداد لساحة منزلهم الخلفية! فليس من المقبول أن تتحول النوافير إلى “برك سباحة أولمبية” ارتجالية، أو أن تقام حفلات الشواء التي تطلق سحباً من الدخان وكأنها إشارة استغاثة في ساحة الأمويين، وأن يتحول قطار الحجاز لمسرح للدبكة على أنغام اللامبالاة، ومسابح للأطفال وغيرهم مثل ساحة السبع بحرات و دوار القاعة.
وكأنهم في عرض مسرحي خاص بهم، متناسين أن هذا الفضاء ملك للجميع، عدا عن افتراض تعرض أحدهم لحادث مفاجئ نتيجة العبث غير المسؤول، وتعرضه لحادث سير أو غيره.. بينما يرغب آخرون في قسط من الهدوء أو حتى مجرد المرور بسلام.
سلامة الأطفال
لكن الأمر لا يتوقف عند حدود الإزعاج البصري والسمعي؛ هذا ما بينته معلا، ففي غمرة هذه “الحريات الفردية” غير المنظمة، قد يغفل الأهل عن مراقبة أطفالهم لجزء من الثانية، ما قد يعرضهم لخطر الدهس من قبل المركبات العابرة في المناطق المفتوحة والدوارات، وفي مثل هذه الحالات، قد لا تقع المسؤولية كاملة على عاتق السائق المسكين وحده، بل تتوزع على من تسبب في خلق بيئة غير آمنة وغير متوقعة.
مضيفة: إن هذه الممارسات، التي قد تبدو بسيطة في ظاهرها، هي في حقيقتها تعدٍ على حقوق الآخرين في الاستمتاع بالفضاء العام بشكل حضاري، وتجاهل المسؤولية الحفاظ على سلامة الجميع.
الفرق بين الفنان والمتجاوز
وتضرب معلا مثالاً حياً نلحظه جميعاً على هذا التباين في فهم الحرية، فمثلاً ظاهرة الباعة المتجولين، ففي حين يتحلى بعضهم بالمسؤولية والذوق الرفيع، بختار لبسطته مكاناً لا يعيق حركة المارة أو المركبات، ويقدم بضاعته بكل احترام وبشكل لائق ودون إزعاج الغير، نرى آخرين يتجاهلون سلامة الغير، فيضعون بسطاتهم في منتصف الأرصفة وعلى جنبات الطرقات، وكأنهم يمتلكون صك ملكية للشارع! وعند مواجهتهم، قد يحتجون بأنهم “أحرار” ويسعون للرزق، وهنا تؤكد معلا أن الرزق الحلال لا ينبغي أن يكون على حساب راحة المجتمع ونظامه، فالحرية لا تعني الفوضى، بل هي نظام يبدأ من ذاتنا.
حلول بنكهة الذوق
وهنا أوضحت معلا، أنه في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، قد يلجأ البعض خاصة من الطبقات محدودة الدخل أو الفقيرة، إلى الساحات العامة وغيرها من الأماكن المتاحة لتفريغ الكبت وتغيير الأجواء نتيجة ضيق الحال الاقتصادي، فمثلاً عندما نرغب بسيران “منمنم”، يمكن أن نزور الحدائق العامة كتشرين لا ساحة الأمويين، واللتان تفصل بينهما عشرات الأمتار القليلة، وتشدد على أن “السعادة لا تشترى بالمال، بل هي حالة نفسية يمكن تحقيقها من خلال ممارسات بسيطة وغير مكلفة إلا أنها يجب أن تكون مسؤولة.
وتضيف: إن هذه الطبقة تستحق أن تعيش بسعادة وأن تجد متنفساً لتجاوز الأزمة، ولكن بطريقة تحترم حقوق الغير.
حلول ممكنة
و هنا تقترح معلا الحلول التي يمكن أن تناسب البعض، بتوفير فعاليات وأنشطة مجانية أو بأسعار رمزية، في الحدائق العامة والتي تساهم في تنمية المواهب وتفريغ الطاقات السلبية، كما يمكن تشجيع المبادرات الفردية والجماعية والتي تهدف إلى تحسين جودة الحياة في الأحياء، مثل تنظيف الشوارع وتزيين الحدائق، هذا بالإضافة لإمكانية استغلال المساحات المتاحة بشكل إيجابي بتحويل الحدائق أو الساحات إلى أماكن للعب الأطفال ومقاعد للاسترخاء، وتنظيم فعاليات متنوعة تعزيز الروابط الاجتماعية من خلال تنظيم الأعمال الخيرية.
الحرية الفردية
وفي الختام، تؤكد معلا على نقطة جوهرية قد يغفل عنها البعض في غمرة “حريتهم المطلقة”، أنه في حال كان هناك تصرف فردي والذي قد يكون عفوياً ربما في الفضاء العام، هنا لا تقع المسؤولية على الدولة، وإنما على الشخص ذاته فالإنسان يجب أن يتمتع بحقوقه وحريته لكن..
بما لا يسيء للمظهر العام ودون تسبب فوضى قد تنم عن اللامبالاة أحياناً، لذا الفرد دائماً يمثل نفسه فقط لا المجتمع ككل لذا يجب أن نكون مرآة تنم عن تصرفاتنا الفردية الإيجابية وليس العكس.