الحرية ـ أنطوان بصمه جي :
شهدت مدينة حلب في الأيام السابقة جلسات حوارية عديدة ضمت أهالي المدينة وأعضاء من الهيئات الناخبة ومرشحين لعضوية مجلس الشعب، ضمن تلك الجلسات علت أصوات التغيير.
اليوم، وفي وقت تشتد فيه الحاجة إلى إعادة تعريف مفهوم الوطن والمواطنة، تعود إلى الواجهة في سوريا أصواتٌ تطالب بمراجعة جذرية للكثير من الثوابت التي ظلت حبيسة الأدراج، إرادة حقيقية يدفع بها ناشطون ومجتمع مدني نحو إصلاح يشمل القوانين التي تمس حياة الملايين، من المشاركة الفعلية في الشأن العام إلى حماية الهوية وصولاً إلى قضايا تمس كرامة المرأة والمواطن، فهل تكون هذه الدعوات بدايةً لمرحلة جديدة تُفتح فيها الأبواب المغلقة، أم ستظل حبراً على ورق؟
في ظلّ المشهد السوري المعقّد، تتجدّد الدعوات من داخل المجتمع المدني لإعادة النظر في جملة من المفاهيم والقوانين التي تُعتبر حجر الأساس في بناء الدولة العادلة والمجتمع المتوازن، وجاءت هذه المطالبات على لسان عدد من الناشطين، من بينهم عائشة زين جبيلي، رئيسة مجلس إدارة جمعية “فسحة أمل للتنمية المجتمعية”، والناشط المدني محمد خليلو، الذين أكّدوا على ضرورة أن تشمل عملية الإصلاح قضايا جوهرية مثل المشاركة في الشأن العام، وحماية الهوية، والمساواة في الحقوق.
مشاركة شاملة.. ليست حكراً على فئة محددة
وشدّدت عائشة زين جبيلي خلال حديثها لصحيفتنا “الحرية” على أن أي كيان يحمل اسم الشعب يجب أن يكون مفتوحاً أمام جميع أبنائه دون استثناء، معتبرةً أن المشاركة في الشأن العام ليست امتيازاً لفئة دون أخرى، بل حق أصيل لكل من يرى في نفسه الكفاءة والرغبة في المساهمة.
وأضافت جبيلي إن التنوع داخل الهيئات التمثيلية هو الضمانة الحقيقية لصياغة مستقبل متوازن، حيث يلتقي المحامي والطبيب والعامل والأكاديمي لإغناء العملية الانتخابية بقدراتهم وخبراتهم المتباينة.
كما أشارت رئيسة مجلس إدارة جمعية “فسحة أمل للتنمية المجتمعية” إلى أهمية إشراك المواطنين العاديين إلى جانب المتخصصين في مناقشة القوانين والتشريعات، لأنهم الأكثر قدرة على تقييم انعكاساتها على حياتهم اليومية، وبالتالي إضفاء بعدٍ واقعي على العملية التشريعية.
ضرورة حماية التراث المحلي
ولفتت جبيلي الإشارة إلى قضية حماية الصناعات التقليدية التي تُشكل جزءاً من الهوية الوطنية السورية، داعيةً إلى وضع قوانين واضحة تمنع استغلال أسماء المنتجات التراثية إلا ضمن شروط محددة. واستشهدت بتجارب ناجحة في عدد من الدول الأوروبية، مؤكدةً أن صابون الغار الحلبي والصناعات النسيجية ليست مجرد منتجات، بل هي تعبير عن تاريخ وهوية وثقافة ينبغي الحفاظ عليها.
قضية الجنسية..معاناة الأم السورية أنموذجاً
وفي إطار أولويات الإصلاح القانوني، وضعت جبيلي قضية منح المرأة السورية جنسيتها لأبنائها في المقدمة، معتبرةً أن حرمان الأم من هذا الحق يمس شريحة واسعة من النساء ويقوّض مبدأ المساواة، وروت جبيلي عن معاناتها الشخصية جراء عدم قدرتها على منح أبنائها الجنسية السورية، قائلة: هذه القضية يجب أن تكون أولوية في أي إصلاح قادم.
مجلس الشعب.. العقل التشريعي للدولة
من جهته، تناول الناشط المدني محمد خليلو دور مجلس الشعب، واصفاً إياه خلال حديثه لصحيفتنا “الحرية” بأنه ليس مجرد مؤسسة تمثيلية، بل هو العقل التشريعي للدولة، ومن خلاله تُبنى الأسس القانونية التي تنظم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح الناشط خليلو أن أي تطور سياسي لا يمكن أن يتحقق دون مجلس شعب فاعل وقادر على ممارسة صلاحياته كاملة، كما أشار إلى العلاقة الوثيقة بين الاستقرار القانوني والاقتصادي، مؤكداً أن كل قانون جديد يصدر عن المجلس هو رسالة ثقة للمستثمرين بأن الدولة جادة في الإصلاح وتهيئة المناخ الاقتصادي الآمن.
دور الخبراء.. رفد النقاش البرلماني بالمعرفة
ودعا الناشط خليلو إلى ضرورة أن يحيط أعضاء مجلس الشعب أنفسهم بفِرق متخصصة في القانون والاقتصاد والإدارة، تقدّم لهم الدراسات والتحليلات اللازمة، ما يسهم في رفع مستوى النقاش داخل البرلمان ويجعل منه ساحة حقيقية لصناعة القرار الوطني.
واختتم بالتأكيد على أن النقاش المستفيض تحت قبة البرلمان ليس ترفاً ديمقراطياً، بل هو جوهر العملية التشريعية.
عقد اجتماعي جديد
تبقى هذه الدعوات ضمن الجلسات الحوارية في حلب جزءاً من جهود متواصلة لتأسيس عقد اجتماعي جديد في سوريا، يعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، ويضع مصلحة الشعب وسيادة القانون في صلب أولوياته. والسؤال الذي يظل مطروحاً: هل ستجد هذه الأصوات من يستمع؟
تصوير : صهيب عمراية