الحرية – رشا عيسى:
بعد عام على التحرير وانطلاق سوريا الجديدة، تبذل الحكومة جهوداً حثيثة لدفع عجلة الاقتصاد نحو التعافي في ظل ظروف بالغة التعقيد، فبينما يتوقع البنك الدولي نمواً بنسبة 1% عام 2025، وهو تحسن طفيف بعد سنوات من التدهور والحرب، لا تزال البلاد تواجه تحديات أمنية وأزمة سيولة.
ويبدو المناخ الإقليمي والدولي متاحاً لإحراز تقدم مع تواصل الجهود الدبلوماسية السورية على الصعد السياسية والاقتصادية، بما يوفر لسوريا الجديدة فضاءات واسعة لإعادة إحياء بلد أنهكته الحرب ودمّرت مقدراته.
مؤشرات إيجابية
يتحدث الدكتور سعد بساطة، مستشار غرفة صناعة حلب، لـ«الحرية» عن التطورات الاقتصادية التي تشير إلى بداية مسار التعافي مع ولادة سوريا الجديدة، ومنها: تحسن سعر الصرف وتقليص التضخم، حيث انخفض معدل التضخم السنوي إلى 21% في الربع الثاني من عام 2025 بعد أن بلغ مستويات قياسية وصلت إلى 118.9% في الفترة نفسها من عام 2024.
كما تمت زيادة رواتب القطاع العام بنسبة 200% لتحسين مستوى المعيشة، إلى جانب جهود نشطة لجذب الاستثمارات الخارجية، كان أبرزها اتفاقية بقيمة 7 مليارات دولار مع شركة «UCC» القطرية في مجال الطاقة.
تحديات هيكلية
على الرغم من هذه المؤشرات، يواجه الاقتصاد تحديات بنيوية تعوق التعافي المستدام، يحددها الدكتور بساطة في: نقص السيولة الذي يؤثر على قدرة الحكومة على تمويل المشاريع الحيوية، وتكلفة إعادة الإعمار الباهظة التي تتراوح بين 250 و400 مليار دولار، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة حيث يعيش نحو 70% من المواطنين تحت خط الفقر، إضافة إلى تدهور البنية التحتية وانخفاض الإنتاج الزراعي والصناعي، والاعتماد على المساعدات الخارجية.

جهود حكومية ومستقبل مرهون بالاستقرار
يؤكد بساطة أن الحكومة تواصل جهودها لتحسين الوضع الاقتصادي عبر إصلاحات هيكلية مثل تحرير أسعار الصرف وتقليص الإنفاق الحكومي، إلى جانب تعزيز التجارة وجذب الاستثمارات العربية والأجنبية.
ومع ذلك، يبقى مستقبل الاقتصاد السوري مرهوناً بالاستقرار السياسي والأمني، وبالحاجة إلى إصلاحات اقتصادية عميقة وانفتاح دولي مدروس.
معايير التخطيط
يبين بساطة أن الانفتاح المدروس يعد من أهم ركائز النجاح، شرط وجود إستراتيجية واضحة تحدد الأهداف والآليات، وتحليل اقتصادي شامل لتأثيراته على مختلف القطاعات، إضافة إلى آليات تنظيم ورقابة قوية ومشاركة مجتمعية واسعة. ويحذر من الاندفاع الاعتباطي من دون تخطيط كافٍ، ما يؤدي إلى الفوضى وغياب التنسيق، فضلاً عن مخاطر غياب الشفافية والتركيز على المصالح الشخصية.
دروس من تجارب سابقة
يذكّر بساطة بأمثلة عن الانفتاح غير المدروس، مثل تدفق البضائع التركية بلا رقيب بما أضر بالصناعات المحلية، والاستيراد الضخم للسيارات المستعملة دون قيمة مضافة حقيقية، إضافة إلى تصريحات غير مدروسة حول خصخصة القطاع العام التي أثارت مخاوف بشأن مستقبله دون خطة واضحة.
مقترحات لتجاوز التهديدات
ولتحويل الانفتاح الاقتصادي إلى فرصة حقيقية للتعافي والنمو، يرى بساطة ضرورة تبني نهجاً مدروساً يقوم على: وضع إستراتيجية واضحة تحدد الأهداف والآليات، إجراء دراسات معمقة لتأثيرات الانفتاح على القطاعات الحساسة، وتفعيل التنظيم والرقابة لحماية الصناعات المحلية من المنافسة غير العادلة وضمان التنفيذ المنظم والفعال،
دعم الصناعات المحلية وتعزيز قدرتها التنافسية في السوق المحلية والعالمية من خلال توفير التمويل، التكنولوجيا، والتدريب. تعزيز القدرة التنافسية عبر تحسين البنية التحتية وتوفير التمويل اللازم للشركات لزيادة الإنتاجية والجودة. حماية الفئات الضعيفة بتقديم الدعم الاجتماعي والاقتصادي للتخفيف من أي تأثيرات سلبية محتملة للانفتاح على مستوى المعيشة. تعزيز الاستثمارات الأجنبية من خلال الحوافز والضمانات اللازمة للمستثمرين، مع توجيه هذه الاستثمارات نحو القطاعات ذات الأولوية. المشاركة المجتمعية عبر إشراك مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك القطاع الخاص والمجتمع المدني، في صياغة وتنفيذ سياسات الانفتاح لضمان أن تكون العملية شاملة وشفافة.
الانفتاح المدروس مفتاح المستقبل
أكد الدكتور بساطة أن الانفتاح الاقتصادي سيكون محركاً قوياً للنمو والتعافي، لكنه يحتاج إلى أن يكون مدروساً بعناية، ومخططاً له بدقة، ومحاطاً بآليات رقابة قوية. فبدون إستراتيجية واضحة ومشاركة مجتمعية حقيقية، قد يتحول هذا الانفتاح إلى مصدر لمزيد من التحديات، بدلاً من أن يكون بوابة نحو مستقبل اقتصادي مستقر ومزدهر.