الحرية – محمد زكريا:
تتعرض المحاصيل الزراعية للعديد من الظواهر المناخية، منها ما هو مفيد وآخر غير حميد، له تأثيرات سلبية على الإنتاج الزراعي، وبالتالي يسبب ضرراً كبيراً على تلك المحاصيل ما لم تتخذ تدابير وقائية تقلل من حجم الضرر. ولعل من أبرز الظواهر في هذه الأيام ظاهرة الصقيع التي أصبحت مألوفة لكثير من المزارعين، لكن في واقع الأمر يفتقر المزارعون إلى الطرق العلمية للتعامل مع هذه الظواهر.
بالمقابل تقوم وزارة الزراعة عبر أذرعها التنفيذية بالمحافظات، بإرشاد وتوجيه المزارعين بما يلزم لمواجهة تلك الظواهر المناخية، لكن يقتصر دورها -حسب كثير من المزارعين في هذا الجانب- على النظري والشكلي فقط..! حيث لا يتعدى الأمر سوى توزيع البرشورات وبعض التحذيرات والتنبيهات الموجودة على موقع الوزارة، فيما يرى فريق آخر من المزارعين ضرورة تكثيف البرامج التوعوية لمكافحة ظاهرة الصقيع عبر جولات ميدانية للحقول الزراعية أثناء فترات وجود تلك الظواهر المناخية.
خطر كبير
وحسب مدير بحوث في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية الدكتورة انتصار الجباوي، فإن الصقيع من الظواهر المناخية التي تشكل خطراً كبيراً على النباتات والمحاصيل الزراعية، حيث يؤدي انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون درجة الصفر المئوية إلى تكوّن بلورات الثلج داخل الأنسجة النباتية، ما يسبب أضراراً مباشرة، منها تمزق الخلايا النباتية، حيث يؤدي تجمد الماء داخل الخلايا إلى زيادة حجمها، ما يسبب تمزق الأغشية الخلوية وموت الخلايا.
كما أن احتراق الأوراق والبراعم يظهر على الأوراق والبراعم وله تأثير يشبه الاحتراق أو الذبول نتيجة التجمّد، ما يقلل من كفاءة النبات في القيام بعملية التمثيل الضوئي، كما يتسبب الصقيع في تساقط الأزهار والثمار الصغيرة، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي بشكل ملحوظ، كما يؤدي إلى إجهاد النباتات، وهذا يجعلها أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والآفات.
وأوضحت الجباوي أن بعض النباتات الحساسة مثل البندورة والخيار والباذنجان، قد تتعرض للموت الكامل عند انخفاض درجات الحرارة بشكل حاد، لذلك من الضروري اتخاذ تدابير وقائية مثل التغطية بالبلاستيك أو الأقمشة الزراعية، الري قبل حدوث الصقيع، واستخدام أنظمة تدفئة لحماية النباتات من التأثيرات السلبية للصقيع.
تدابير وقائية
وبينت الجباوي لصحيفة الحرية أنه بغية حماية النباتات والمحاصيل الزراعية من أضرار الصقيع، يمكن اتباع مجموعة من التدابير الوقائية التي تساعد في تقليل التأثيرات السلبية للصقيع، ولعل أبرزها الطرق الزراعية، حيث يتم اختيار الأصناف المقاومة للصقيع بواقع زراعة أصناف تتحمل درجات الحرارة المنخفضة، وبالتالي أقل عرضة للتأثر بالصقيع، مع تعديل مواعيد الزراعة، بحيث يتم تأخير أو تقديم الزراعة لتجنب فترات الصقيع الشديدة، ولاسيما للمحاصيل الحساسة، وأنه يمكن الزراعة في مناطق محمية بغية تجنب زراعة المحاصيل في الأراضي المنخفضة أو الوديان، حيث يتجمع الهواء البارد، وضرورة استخدام الغطاء النباتي الكثيف، بحيث تكون زراعة النباتات على مسافات قريبة لتوفير حماية متبادلة والحد من فقدان الحرارة، وأنه يمكن الري قبل حدوث الصقيع، وهذا يساعد في رفع درجة حرارة التربة والهواء المحيط بالنباتات، وبالتالي يقلل من التأثير الضار للصقيع.
ومن الطرق الخاصة أيضاً بحماية المحاصيل من الصقيع – حسب الجباوي- الطرق الميكانيكية والفيزيائية، حيث تكون التغطية بالبلاستيك أو الأقمشة الزراعية، وذلك باستخدام الأغطية الزراعية مثل النايلون أو القماش لحماية النباتات من البرودة الشديدة، إضافة إلى استخدام مصدات الرياح، حيث تكون زراعة الأشجار أو الأسوار لحماية النباتات من التيارات الهوائية الباردة، و يمكن إشعال النار أو استخدام المدافئ في المزارع الكبيرة، أو استخدام أنظمة تدفئة صناعية لتقليل تأثير الصقيع، مع تحريك الهواء من خلال استخدام المراوح الهوائية الكبيرة لمنع استقرار الهواء البارد حول النباتات.
فيما الطرق الكيميائية تكون من خلال استخدام المركبات المضادة للتجمد، مثل بعض المواد الكيميائية التي تقلل من تأثير الصقيع عن طريق رفع درجة تجمد سوائل الخلايا النباتية، إضافة إلى الرش بالمغذيات الورقية مثل البوتاسيوم والكالسيوم، التي تعزز مقاومة النباتات للبرد، في حين تعتمد الطرق البيولوجية على تحفيز مقاومة النباتات من خلال استخدام التقنيات الحيوية أو المستخلصات الطبيعية بغية تعزيز قدرة النباتات على تحمل الصقيع، كما تعتمد هذه الطرق على التطعيم على أصول مقاومة، حيث يتم تطعيم الأصناف الحساسة على جذور مقاومة للبرد.
جدية عالية
بالنتيجة المطلوب من الجهات المعنية، ولاسيما وزارة الزراعة التعامل مع هذه الظواهر المناخية بجدية عالية، والاعتماد على التنبؤات التي يرصدها مركز الأرصاد الجوية وهيئة الاستشعار عن بعد، واستحضار المعالجات قبل بدء تلك الظواهر المناخية، و لاسيما أن ظاهرة الصقيع مدمرة للمحاصيل الزراعية إن لم تتخذ تلك التدابير الوقائية اللازمة.
يذكر أن ظاهرة الصقيع تختلف عن الثلج، وهي أكثر انتشاراً في العالم، حيث إن هذه الظاهرة تنتشر رقعتها جغرافياً لتشمل بعض البلدان الحارة نسبياً، وخصوصاً في فصل الشتاء، وأحياناً يحدث الصقيع في فصل الربيع، وعندها يكون مدمراً للمحاصيل الزراعية، ولاسيما الخضراوات.