الحرية : متابعة يسرى المصري:
يعد قرار ترامب التحول الأبرز في السياسة الأمريكية تجاه سوريا منذ أكثر من عقدين.
ولا تكمن أهميته فقط في إسقاط العقوبات التي تمنح البلاد فرصة للنهوض على الصعد كافة، بل أيضاً في الرمزية السياسية لإنهاء حالة الطوارئ، التي كانت تستخدم لتبرير القيود الاقتصادية والدبلوماسية.
ومن الناحية الدبلوماسية، قد يُفسح رفع العقوبات المجال أمام مقاربات أكثر مرونة تجاه دمشق في المحافل الدولية خلال الفترة المقبلة.
وقد مثّل توقيع الرئيس دونالد ترامب على أوامر تنفيذية لإنهاء العقوبات المفروضة على سوريا خطوة تاريخية في سجل علاقة واشنطن ودمشق المضطربة منذ ما يقارب نصف قرن.
وعكست بيانات وزارة الخارجية والبيت الأبيض المتعلقة بقرار الرئيس إنهاء حالة الطوارئ الوطنية بشأن سوريا ابتداء من بداية الشهر الحالي رؤية ترامب للعلاقات الجديدة التي تجمع بلاده بسوريا كدولة مستقرة وموحدة تعيش سلاماً داخلياً مع جيرانها.
ماذا شمل القرار؟
ألغى الأمر التنفيذي لترامب 6 أوامر تنفيذية تعاقبت عليها حكومتا الرئيسين جورج بوش الابن وباراك أوباما، شملت عقوبات على الدولة السورية والاقتصاد السوري.
وكان أهمها الأمر التنفيذي الذي فرض حالة الطوارئ على سوريا منذ عام 2004 بموجب قرار للرئيس السابق جورج بوش الابن، الذي كان يعني أنّ الولايات المتحدة تعدّ الوضع في سوريا يشكل تهديداً استثنائياً للأمن القومي الأمريكي.
وشكل ذلك الأمر التنفيذي (رقم 13338) الأساس القانوني لتجميد أصول شخصيات وكيانات سورية وفرض حظراً واسعاً على الشركات الأمريكية من التعامل مع مؤسسات الدولة السورية ومنع تصدير التقنيات الأمريكية إلى سوريا.
ومنح أمر ترامب التنفيذي إعفاءات على قيود التصدير والتجارة المفروضة بموجب قانون محاسبة سوريا، ولاسيما ما يخص المواد ذات الاستخدام المدني.
وبالتالي، سمح الأمر التنفيذي بالتعامل مع الحكومة السورية ومؤسسات الدولة والمصرف المركزي، بما يتيح إمكانية النهوض بالاقتصاد السوري وجذب الاستثمارات.
وطلب الأمر التنفيذي مراجعة لتصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، وهو قانون مرتبط بعقوبات فرضت على سوريا منذ عام 1979، وذلك عبر تقييم مستقل من وزارة الخارجية يرفع إلى الكونغرس.
وأبرز كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية رؤية ترامب الرافضة لنهج المحافظين الجدد في الجمهوريين “والذي فشل في بناء الأمم” كما أكدت فترات التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان، قاصداً بهذا التعبير التدخل إلى درجة الاحتلال من أجل تغيير النظام، ومحاولة إحلال نظام بديل يتبع القيم الأمريكية ويدور في فلك واشنطن.
القرار التنفيذي الجديد أبقى في يد وزير الخارجية سلطة تقييم واتخاذ قرار التعليق الكامل المحتمل لقانون قيصر.
من جهتها، قالت آنيل شيلاين المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية والخبيرة حالياً بمعهد كوينسي في واشنطن في حديث لوكالات “إن العقوبات التي رفعها ترامب كانت تلك المفروضة على نظام الأسد، لذلك ليس من المستغرب أن تكون حكومة الولايات المتحدة على استعداد لإعادة النظر في هذه العقوبات الآن”.
وأضافت أن سوريا تحتفظ بتصنيفها منذ عام 1979 دولة راعية للإرهاب “على الرغم من أنه من الواضح أن الإدارة تدرس أيضاً إلغاء هذا التصنيف”، حسب قولها.
رؤية أمريكية
عقب إعلان قرارات ترامب، قال توماس باراك السفير الأمريكي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا والصديق المقرب للرئيس الأمريكي ” في إفادة صحفية إنه منذ 6 أشهر لدينا رئيس ابتكر رؤية، ووزير خارجية ينفذها بأسرع ما يمكن، وجنرال انتقل من زمن الحرب إلى منصب زعيم لبلد جديد يعاد تشكيله، ويحتاج إلى كل شيء، لكن الرؤية والتنفيذ كانا محدودين بسبب العقوبات المفروضة”.
وأوضح باراك “لذلك قرر الرئيس ترامب بذكاء في 14 /أيار بعد أن التقى الشرع في الرياض بالمملكة العربية السعودية إعطاء سوريا فرصة، وقال: اعطوا هؤلاء الرجال فرصة، يجب إعطاء سوريا فرصة، وهذا ما حدث”.
وأكد باراك رفض ترامب وإدارته التدخل بالنهج السابق في العراق أو أفغانستان، ومحاولة فرض نموذج حكم لا يراعي خصوصية الدولتين.
وقال “لكن هناك شيء واحد واضح: لا الرئيس ولا وزير الخارجية يتبنيان مبدأ بناء الأمة، إنهما لا يفرضان طرقاً معينة، ولا يتصوران إطار النموذج الديمقراطي الذي يجب تنفيذه وفقاً لبنيتهما أو رغبتهما”.
وبحسب المتحدث ذاته، فإن ترامب وأعضاء إدارته يقولون إنهم سيمنحون رئيس سوريا فرصة، وإن لديهم مجموعة من المعايير التي يريدون مراقبتها على طول الطريق.
من جانبه، قال السفير فريدريك هوف -وهو أول مبعوث أمريكي لسوريا بعد الثورة السورية عام 2011 والخبير في المجلس الأطلسي والأستاذ بجامعة بارد- لوكالات إن “قرارات الرئيس ترامب المتعلقة بسوريا جاءت لتكمل تعهده الذي أطلقه في أيار الماضي بإنهاء العقوبات المفروضة على الحكومة السورية الجديدة في نظام ما بعد الرئيس الأسد”.
وفي الإفادة الصحفية نفسها، قال وكيل وزارة الخزانة بالإنابة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية براد سميث “إنه منذ أن اتخذ الرئيس ترامب قراراً تاريخياً بوقف جميع العقوبات على سوريا سرعان ما تحركت وزارة الخزانة إلى العمل وأصدرت بسرعة البرق ما نسميه الترخيص العام رقم 25”.
ويعني سميث بذلك الرخصة التي أقرتها الحكومة الأمريكية جزئياً وبصورة مؤقتة قبل نهاية أيار الماضي لرفع العقوبات عن سوريا، إذ سمحت ببعض المعاملات المالية والتجارية مع سوريا كأول خطوة رئيسة نحو إزالة هيكل العقوبات المفروضة على البلاد “ومنذ ذلك الحين واصلنا العمل بسرعة من أجل اتخاذ إجراءات أكثر ديمومة لمعالجة الوضع في سوريا”.
وتحدث سميث كذلك عن أهمية ومحورية سوريا الجغرافية والتاريخية، وقال “على مرّ التاريخ كانت سوريا مركزاً رئيياً على طريق الحرير ومركزاً للتجارة العالمية والتعددية الثقافية وريادة الأعمال”.
وأكد أن إجراءات اليوم ستنهي عزلة البلاد عن النظام المالي الدولي، وتمهد الطريق للتجارة العالمية وحشد الاستثمارات من جيرانها في المنطقة وكذلك من الولايات المتحدة، وقال “نحن في وزارة الخزانة فخورون بالقيام بدورنا في تنفيذ رؤية الرئيس ترامب لسوريا وتعزيز السلام والازدهار بالمنطقة”.
تاريخ التدخل الأمريكي
وكانت واشنطن قد بدأت التدخل العسكري المباشر في الشأن السوري في أيلول 2014 بهدف معلن هو محاربة تنظيم الدولة من خلال قيادتها جهداً دولياً سمي عملية “العزم الصلب”.
وعلى مدى السنوات العشر التالية حافظت واشنطن على وجودها العسكري رغم إعلان الرئيس ترامب خلال فترة حكمه الأولى القضاء على التنظيم، ودعمت واشنطن الجيش السوري الحر وقوات سوريا الديمقراطية.
ورغم توجيه ترامب أمراً بانسحاب القوات الأمريكية التي كان قوامها 2500 جندي في سوريا قبل نهاية عام 2019 أعلنت القيادة الوسطى العسكرية أنه لا يوجد “تاريخ انتهاء” للتدخل الأمريكي في سوريا، معلنة أنه بدلاً من الانسحاب الكامل ستبقى قوة طوارئ قوامها نحو 400 جندي أمريكي متمركزة في سوريا إلى أجل غير مسمى، وأن انسحابهم سيكون تدريجياً وقائماً على المستجدات على الأرض.
وعلى مدى السنوات الماضية كرر البنتاغون أن هناك نحو 900 من جنوده يعملون في سوريا، لكنه عاد بعد سقوط النظام البائد يؤكد وجود قرابة ألفي جندي أمريكي في البلاد.