الحرية – سامي عيسى:
من الواضح اليوم أن استقرار الأسواق المحلية، والسيطرة على الأسعار في هذه المرحلة الصعبة، يأتي ضمن أولويات العمل الحكومي بمختلف مكوناته “الخدمي والإنتاجي” وفق رؤية وضعتها الحكومة لترجمتها على أرض الواقع بقصد التخفيف ما أمكن عن المستهلك، وفق الإمكانات المتاحة التي تتوافر لدى الحكومة والجهات التابعة، في ظل عقوبات اقتصادية ظالمة مازالت مستمرة، وحصار اقتصادي أشد قسوة طال كل القطاعات الاقتصادية العامة والخاصة، وبالتالي هذه الرؤية حملت الكثير من المقترحات والخطوات التنفيذية، لترجمتها على أرض الواقع، منها ما يتعلق بتصويب آلية العمل الصناعي لزيادة إنتاجيته، ومنها خدمي للوصول إلى حالة خدمية للمواطن تتماشى مع الإمكانات المتوافرة في القطاعات المستهدفة في رؤية الحكومة الإنقاذية، وذلك لتأمين حاجة الأسواق من سلع ومنتجات، والنقص يتم تأمينه من خلال مستوردات مدروسة تنسجم مع ما هو مطلوب..
إجراءات شاملة
وحتى يتم ذلك في رأي وزارة الصناعة، لابد من الانتقال إلى إجراءات أوسع، وفاعلية أكثر، لزيادة الإنتاجية الوطنية الشاملة، والتي تبدأ من مكون الإنتاج الصناعي الذي يعتبر الحامل الأكبر لقوة الاقتصاد الوطني، ليس في هذه المرحلة فحسب، بل في كل المراحل السابقة، وحتى المستقبلية لهذا السبب لابد من استراتيجية واضحة وصريحة، تتبنى تطوير هذا المنتج بما يتفق مع أهداف المرحلة الحالية والمقبلة، وفق تأكيد مستشار وزير الصناعة ” معاذ بقبش ” في تصريحه لصحيفة “الحرية” والذي أكد فيه أهمية تطوير المنتج الصناعي وتوفير مقومات ذلك وفق رؤية الحكومة الحالية في تطوير كل القطاعات الإنتاجية والخدمية، في مقدمتها الإنتاج الصناعي والذي شمل مجموعة محاور أساسية، حددها بقبش في عدة نقاط أهمها:
بقبش: تأهيل البنى التحتية.. وتحفيز الاستثمارات وربط التعليم بالإنتاج عوامل مشجعة لتحسين القوة الشرائية وتعزيز قوة الإنتاج
التركيز على إعادة بناء البنية التحتية الصناعية التي تضررت خلال الحرب، وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية لإعادة تأهيل المصانع، والعمل على تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة و تنويع منتجاتها لتلبية احتياجات السوق المحلية والخارجية، ما يعزز القدرة التنافسية للمنتج المحلي، إلى جانب إجراء لايقل أهمية عما سبق، يتعلق بتطوير و تحسين التعليم والتدريب المهني للعمالة، لضمان توفير قوى عاملة مؤهلة قادرة على تلبية احتياجات الصناعة الحديثة.
دون تجاهل إقامة شراكات مع القطاع الخاص والحكومات الأجنبية لتبادل المعرفة والتكنولوجيا، ما يساهم في تحسين مستوى الصناعة، وتنفيذ سياسات داعمة للصناعة المحلية، مثل التسهيلات الضريبية والتسهيلات الائتمانية للمستثمرين.
تعزيز القدرة الشرائية
العمل أيضاً على زيادة تصدير المنتجات السورية إلى الأسواق الخارجية وتعزيز القدرة الشرائية للسوق المحلية، من خلال الزيادات المتلاحقة للرواتب والأجور، وتوفير فرص العمل الداعمة لقوة الإنتاج في كل مفاصل العمل الإنتاجي.
لكن تنفيذ ذلك يتطلب مقومات أساسية، وفي رأي” بقبش” الصناعة السورية تمتلك مقومات كثيرة ورائدة في كثير من المجالات الإنتاجية لكنها تحتاج لفترة زمنية حتى تستطيع النهوض من جديد بسبب سنوات الحرب التي تراجعت فيها..
وأضاف لدينا الكثير من مكونات ومقومات التطوير والتي تبدأ بتوافر البنى التحتية والخدمية والعمالة، والأهم المستلزمات والمواد الخامية والزراعية والثروات الطبيعية، لكن جميعها بحاجة إلى إعادة تنظيم واستثمار أمثل بما يتوافق مع استراتيجية الحكومة الجديدة.
محاور مهمة
حتى القطاع الخاص يشاطر الحكومة في رؤيتها بكثير من النقاط والمحاور التي تؤسس لحالة التقاء الجهود المشتركة لإعادة بناء قوة الإنتاج الصناعية التي تعرضت للاهتزاز والتخريب في معظم مكوناتها، حيث أكد الباحث الاقتصادي عصام تيزيني خلال لقاء “الحرية” معه حول استراتيجية الصناعة الجديدة لإعادة بناء الصناعة من جديد وفق رؤية متنوعة المحاور، تتضمن شمولية المعالجة، مؤكداً أن العمل في المجال الصناعي معقد جداً، يتطلب الكثير من الاستقرار، خلافاً لما هو عليه في العمل التجاري، فالإنتاج الصناعي بحاجة إلى استقرار سياسي وأمني وحتى استقرار في العمل الحكومي، بمعنى وجوب توافر فريق اقتصادي يؤمن بأهمية العمل الصناعي وتطوير بنيتها الأساسية، وفق دراسة موضوعية تحدد ماهية الصناعات وتشجيع العمل فيها، وذلك من خلال المراسيم والقوانين المرنة التي تسمح بمواكبة آنية لكل تطورات العمل الإنتاجي فنياً وتقنياً، وبما يتماشى مع التكنولوجية الحديثة والمتطورة، وخاصة أن القطاع الخاص هو من يقوم بعملية التصنيع الواسعة بما فيه من مستثمرين ورجال أعمال، وقطاعات إنتاجية صغيرة ومتوسطة وغير ذلك، مع وجوب
مواكبة
الصناعات التكنولوجية، كالبرمجيات، والآلات الكهربائية والمحركات وأجهزة الموبايل، وكل ما يتعلق بتقنيات الصناعة الجديدة.
نهج جديد
وأضاف “تيزيني” إن مواكبة ذلك أمر في غاية الأهمية، وخاصة أن السوريين قادرون على مواكبة الحداثة وتطبيقها على أرض الواقع وتسخيرها لخدمة الإنتاج الوطني، ومجاراة الشعوب الأخرى، التي سجلت نجاحات مميزة في مجالات التكنولوجيا وإنتاجيتها، ونحن في سورية قادرون على فعل ذلك شرط توافر الشفافية في العمل والإخلاص ومحبة البلد والمتابعة الحثيثة، والعمل وفق مصالح عامة وليست مصالح شخصية ضيقة، وهذه أمور ملحة للنهوض بصناعتنا واقتصادنا الوطني.
تيزيني: نحتاج فريقاً اقتصادياً متخصصاً مهمته تطوير إنتاجية الصناعة وإدخال تقانة تعزز قوتها التنافسية
وهذه مرتبطة كلياً بضرورة اتباع نهج جديد يتضمن إعادة النظر في القوانين الناظمة للعمل الصناعي، وخاصة أنه مازال هناك قوانين قائمة منذ خمسينيات القرن الماضي، تحمل الكثير من التعقيدات، والمزيد من صعوبات العمل، التي كرست ظلما كبيراً على الصناعة الوطنية، منذ أكثر من سبعين عاماً، ناهيك عن ظلم النظام البائد الذي كان يمنع كل أسباب التطوير والتحديث لهذه القوانين، أو تشريع حديث يساهم في زيادة بناء وتطوير العمل الصناعي.
هذا الأمر يتطلب الوقوف على أرضية صلبة تسمح بتأمين عمل صناعي متطور، وتنفيذ ذلك على أرض الواقع، لابد أن يمر بعدة إجراءات في مقدمتها: وجود فريق اقتصادي منسجم، ومؤمن بفكرة الصناعة الأساس لبناء سورية الحديثة، إلى جانب المكون الزراعي، لكن التركيز على الجانب الصناعي أكثر، لأن المواطن السوري فكره متقد، وديناميكي وعملي ومهني، وحرفي يستطيع التأقلم مع كل الظروف.
فريق متخصص
ويرى ” تيزيني” ضرورة توافر فريق اقتصادي متخصص مهمته متابعة العمل الصناعي، يتمتع بحالة من الانسجام مع أعضائه ومتفقون أن الصناعة هي البند الأول في اجندة الحكومة والذي ينبغي العمل عليه، لأن السوري قادر على النهوض بالإنتاج والتنوع به، ولديه قدرات ومهارات فنية متميزة بدليل ما ينجزه خارج الوطن، حيث ساهم في بناء الكثير من الاقتصادات الخارجية.
وحتى نعود إلى سكة التعافي الصناعي لابد من الخروج من الفكر التقليدي، إلى الفكر المتطور الذي يسمح بتطوير صناعتنا الوطنية، والخروج من قوقعة الصناعات التجميعية، وإدخال صناعات جديدة متطورة من شأنها تعزيز قوة الإنتاج المحلي، وتعظيم المردودية الاقتصادية.