الحرية- إلهام عثمان:
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، وفي وقت تتصاعد فيه الأزمات الاقتصادية، تبرز تكريزة رمضان كعادة دمشقية قديمة من كل عام لا يمكن تجاوزها، إلا أنه (لكل مقام مقال)، فبرغم من الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة، إلا أنها مازالت قائمة ولو بأبسط حضورها، حيث يختار الناس التمسك بها كتقليد، لأنها تجدد الروابط الاجتماعية بأروع تفاصيلها، فهي ليست مجرد نزهة أو مائدة شهية، بل تعد بمثابة رمز يعكس الفرح والمحبة، ليتشاركوا لحظات ممتعة في جو مليء بالود والمحبة.
أكثر من مجرد عادة
الخبيرة الاجتماعية الدكتورة عبير المحمد أكدت في حديث لصحيفة “الحرية”، أن تكريزة رمضان هي أكثر من مجرد عادة؛ فهي تعكس روح المحبة والمساهمة في تعزيز التلاحم الاجتماعي، وهذا التقليد يظهر لنا قيمة العلاقات الإنسانية الأسرية وغيرها، فبرغم الضغوط الاقتصادية التي مرت بها سوريا، إلا أن هذه العادة هي فرصة للتجمع ولم شتات العائلة أو الأصدقاء، لتبقى هذه اللحظات فرصة لإعادة ربط الحياة المجتمعية.
وهنا تقول أم علاء وهي ربة أسرة: كنا سابقاً نخرج في نزهة للربوة مع الأصدقاء أو العائلة، لكن بسبب الغلاء المعيشي وعدم قدرة معظمنا على دفع تكاليف ذلك التجمع من خلال أحد الجلسات الشعبية، بتنا نقتصد في التكاليف، ومنها تكاليف تكريزة رمضان، إلا أنه وفي الواقع لا يمكن تجاهلها، حيث نجتمع في كل عام وخاصة في السنوات الأخيرة في بيوت إحدى الصديقات أو الأقارب.
وأضافت: نشعر أننا نتشارك الفرح والألم، إنها لحظة جميلة تجمعنا بعيداً عن الهموم، لنستعيد ذكرياتنا، و من أجل أن نستعد لصوم رمضان المبارك بشكل أفضل.
بينما عبر العم أبو رامز وهو رجل خمسيني، إنه منذ زمن ليس ببعيد، لم يعد يمارس تلك العادة الإنسانية لا مع الأهل ولا الأصدقاء، والسبب الوضع المادي، ويقول: “هناك أشياء بدأنا ننساها رغم جمالها، بسبب الضغوط الحياتية الصعبة، فأصبحنا نبتعد عن تلك المشاركات الجميلة، لأجل السعي وراء لقمة العيش، لكن نأمل أن تتحسن الظروف يوماً ما، لنعود لممارسة هذا التقليد المميز”.
ووفق رأي محمد: يمكن ممارسة عادة التكريزة بأقل التكاليف بما يتماهى مع وضع الأكثرية، وذلك من خلال التركيز على عدد من الجوانب المهمة، إذ يفضل اختيار أطباق بسيطة وسهلة التحضير مثل الحساء والسلطات والمقبلات، ما يتيح إعداد اطباق و بكميات كبيرة لعدد من الأشخاص ودون الحاجة لتكاليف مرتفعة، كما يمكن تشجيع المشاركة بين الأفراد بدعوة كل شخص لإحضار طبق أعده في بيته، ما يقلل التكاليف ليضيف تنوعاً للأطعمة المقدمة.
ولمزيد من المرح، يمكن تنظيم أنشطة جماعية لإضفاء جو من المتعة من دون إنفاق الكثير من خلال التجمع في الحدائق العامة، مما يوفر تكاليف الفواتير المرتفعة في المطاعم، ولكن بسبب الأجواء الباردة.. أضحت المنازل هي الحل الأمثل لنجتمع معاً للاستمتاع بلحظات مميزة استعداداً للشهر الفضيل.
في نهاية المطاف، وحسب رأي محمد، تبقى التكريزة الرمضانية رمزاً قوياً للوحدة بين الأفراد، و جسراً يربط بين قلوبهم ويرسم الطريق نحو التعاطف والتفاهم، إنها تقليد يجسد جوهر رمضان، ويستحق أن نحافظ عليه ونعمل على تطويره ليبقى حاضراً في قلوبنا، مهما كانت التحديات.