الحرية – مها سلطان:
عشرة أيام فقط فصلت ما بين إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا (خلال زيارته للسعودية ولقائه الرئيس أحمد الشرع في 13 أيار الجاري) وبين إصدار وزارة الخزانة الأميركية ترخيصاً عاماً شاملاً بمفعول فوري يقضي بتخفيف العقوبات الأميركية على سوريا لـ6 أشهر.
هذه المدة القصيرة تظهر أن إدارة ترامب لديها توجه جدي نحو رفع العقوبات وبصورة نهائية، أي بعيداً عن المدد الزمنية وتمديدها مع انتهاء كل فترة، كما تظهر أن إدارة ترامب أرادت سريعاً حسم الجدل القائم منذ قرار رفع العقوبات، خصوصاً بجانبه السلبي الذي ركز على أن رفع العقوبات الأميركية سيتخذ مدة طويلة قبل وضعه موضع التنفيذ، وهي مدة تم تقديرها بأشهر طويلة وفق من تبنى ذلك الجانب السلبي وروّجه. هذا عدا عن الرسائل متعددة الاتجاهات التي أرادت إدارة ترامب توجيهها إقليمياً ودولياً (وإيجابياً للداخل السوري) عبر التركيز على أمرين الأول هو شمول الإعفاء الرئيس الشرع ومسؤولين بارزين في إدارته، والثاني استثناء إيران وروسيا وكوريا الشمالية من الترخيص (في خطوة استباقية لمنع هذه الدول من الاستفادة من هذا الترخيص في مجالات الاستثمارات الاقتصادية وحتى على مستوى العلاقات السياسية لتكون في نطاقات محدودة جداً، أي في إطار الحد الأدنى الذي تستدعيه ضرورات متعلقة برعايا على سبيل المثال، أو بروتوكولات من نوع ما، أو تعاون كان قائماً على اتفاقيات ومعاهدات سيتم إعادة بحثها وهيكلتها.. الخ).
– مساران سوري/ أميركي
كلا الأمرين كانا متوقعين، وإن كان الأول يندرج في إطار إشادة أميركية مستمرة بالرئيس الشرع منذ لقائه الرئيس ترامب في العاصمة السعودية الرياض، وهو ما يعطيه الشرعية الدولية اللازمة لقيادة سوريا وإنهاء عزلتها التي استمرت حوالى خمسة عقود، وكانت اشتدت بصورة كارثية بعد عام 2011 مع بداية الثورة السورية، وإذا كان الإعفاء يأتي بوجه اقتصادي بالدرجة الأولى، إلا أن هذا الوجه الاقتصادي يمنح الرئيس الشرع قوة داخلية لبدء وتعزيز مسار النهوض الاقتصادي وإعادة الإعمار، جنباً إلى جنب مع محاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار الأمني، وتالياً إرساء الاستقرار السياسي المطلوب لتنطلق سورية كقوة فعل وتأثير على الساحة الخارجية.
– إدارة ترامب ارادت سريعاً حسم الجدل القائم حول موعد تنفيذ قرار رفع العقوبات كما أرادت توجيه رسائل متعددة الاتجاهات إقليمياً ودولياً (وإيجابياُ للداخل السوري) حول التموضعات الجديدة في سوريا والمنطقة
أما الأمر الثاني فهو متوقع لأسباب لا تكاد تخفى على أحد، وهي تأتي في إطار انزياحات عالمية تشهدها الساحة الدولية بما فيها خريطة تموضعات جديدة. وفيما يخص سوريا فإن إدارة ترامب تسعى لخريطة اقتصادية سياسية جديدة في المنطقة تقوم حكماً على استبعاد المنافسين والخصوم (روسيا، إيران، كوريا الشمالية) وهذه النقطة وإن كانت ضمن «الشروط الأميركية» إلا أنها تصب في خدمة سوريا الجديدة وإعادة تموضعها ضمن الخريطة الإقليمية. بعبارة أخرى فإن الإدارة الأميركية تستكمل خطوات إعادة تموضع على الساحتين السورية والعربية، وفي الوقت نفسه ترسم خريطة مصالح دولية ما بعد رفع العقوبات، وهذا يشمل الجميع بما في ذلك الأوروبيون الذي يستعدون لوضع قرارهم الخاص برفع العقوبات عن سوريا موضع التنفيذ منتصف الشهر المقبل، كما هو معلن حتى الآن.
إذاً، وفي كلا الأمرين هناك سوريا جديدة بوجه اقتصادي/سياسي، بالمستويين الداخلي والدولي.
– لنوضح أكثر
من المفيد هنا إعادة التذكير بالأشخاص والجهات والمؤسسات والشركات والمنظمات المشمولة ضمن الإعفاء (رقم 25 ) الذي أعلنته الخزانة الأميركية فجر اليوم السبت:
– استثناء إيران وروسيا وكوريا الشمالية كان متوقعاً كخطوة استباقية لمنع هذه الدول من الاستفادة من مرحلة ما بعد «الترخيص25» وعلى جميع المستويات
الرئيس أحمد الشرع
وزير الداخلية أنس خطاب
الخطوط الجوية العربية السورية
شركة سيترول (SYTROL)
المصرف التجاري السوري
مصرف سوريا المركزي
المؤسسة العامة للبترول
الشركة السورية لنقل النفط
الشركة السورية للغاز
الشركة السورية للنفط
المصرف العقاري
الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون
شركة مصفاة بانياس
شركة مصفاة حمص
المصرف التعاوني الزراعي
المصرف الصناعي
مصرف التسليف الشعبي
مصرف التوفير
المديرية العامة للموانئ السورية
الشركة العامة لمرفأ اللاذقية
غرفة الملاحة البحرية السورية
الهيئة العامة السورية للنقل البحري
شركة الوكالات الملاحية السورية
الشركة العامة لمرفأ طرطوس
المؤسسة العامة للتكرير وتوزيع المشتقات النفطية
وزارة النفط والثروة المعدنية السورية
وزارة السياحة السورية
فندق فورسيزن – دمشق
– سوريا مستقرة وموحدة
وكانت وزارة الخزانة الأميركية أكدت «التزامها بدعم سوريا مستقرة وموحدة وفي سلام مع نفسها وجيرانها» داعية، الحكومة السورية إلى عدم إيواء التنظيمات الإرهابية وضمان أمن الأقليات الدينية والعرقية. كما أكدت موافقتها على إجراء جميع المعاملات مع الحكومة السورية الجديدة، مشيرة إلى أن وزارة الخارجية ستصدر إعفاء بموجب قانون قيصر يمكن شركاء واشنطن وحلفاءها من التعامل مع سوريا».
وأفاد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) بأنه سيصدر توجيهات إضافية تتعلق بالترخيص العام 25 .
الخارجية الأميركية أكدت أن إعفاء سوريا من العقوبات أمر بالغ الأهمية لتمضي قدماً، وفي الوقت ذاته أكدت أن:
– إعفاء سوريا من العقوبات يضمن عدم إعاقة قدرة شركائنا على القيام باستثمارات.
– الترخيص في أحد مستوياته يندرج في إطار إشادة أميركية مستمرة بالرئيس الشرع منذ لقائه ترامب.. وفي مستوى آخر يعطيه الشرعية الدولية اللازمة لقيادة سوريا بمنحه قوة داخلية لبدء مسار النهوض الاقتصادي وإعادة الإعمار
– سيُسهل توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي.
– سيُمكن من استجابة إنسانية أكثر فعالية في جميع أنحاء البلاد.
– يُمثل الخطوة الأولى في تحقيق رؤية الرئيس ترامب لعلاقة جديدة بين البلدين.
– الرئيس ترامب يتيح لحكومة دمشق فرصة تعزيز السلام والاستقرار داخل سوريا وفي علاقاتها مع جيرانها.
– الرئيس ترامب يتوقع أن يتبع ذلك إجراءات من دمشق بشأن أولويات سياسية مهمة.
وزير الخارجية أسعد الشيباني في تعليقه على قرار الخزانة الأميركية وعد الشعب السوري بـ«مزيد من النجاحات في الأشهر المقبلة، بعد القرارات المتتالية برفع العقوبات الأمريكية والأوروبية».وقال عبر حسابه على منصة «إكس»: إن سوريا وشعبها يستحقان مكانة عظيمة، وبلداً مزدهراً، وتمثيلاً يليق بهما على الساحة الدولية.
الحكومة السورية رحبت بقرار الخزانة الأميركية، وأكدت في بيان أنه « خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، للتخفيف من المعاناة الإنسانية والاقتصادية في سوريا».. مضيفة «أن سوريا تمد يدها لكل من يرغب في التعاون على أساس الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتؤمن بأن الحوار والدبلوماسية هما السبيل الأمثل لبناء علاقات متوازنة، تحقق مصالح الشعوب، وتعزز الأمن والاستقرار في المنطقة». وأعربت عن تقديرها لجميع الدول والمؤسسات والشعوب التي وقفت إلى جانبها.. مشيرة إلى أن «المرحلة المقبلة ستكون مرحلة إعادة بناء ما دمره النظام البائد، واستعادة مكانة سوريا الطبيعية في الإقليم والعالم».
– بداية النهاية لكارثة العقوبات
وفي القراءة العملية المستقبلية لهذا الترخيص فإنه يعني:
– تعزيز الثقة بالقيادة السورية، وبالرئيس الشرع تحديداً قياساً بالمدة الزمنية القياسية التي استطاعت من خلالها هذه القيادة إزاحة العقبة الأخطر والأكبر، المتمثلة بالعقوبات، وهذه الثقة تنسحب بطبيعة الحال على المسار المستقبلي لسوريا وكونه في أيدٍ أمينة.
– واشنطن تستكمل إعادة التموضع على الساحتين السورية والعربية وفي الوقت نفسه ترسم خريطة مصالح دولية ما بعد رفع العقوبات وهذا يشمل الجميع بمن في ذلك الأوروبيون الذي يستعدون لوضع قرارهم برفع العقوبات عن سوريا موضع التنفيذ منتصف الشهر المقبل
– يستطيع السوريون الاسترخاء وأخذ نَفَسٍ طويل والتفاؤل بأن الغد سيكون أفضل، وهم يَعُون تماماً مسألة الوقت الذي تحتاجه عملية النهوض والإعمار، وطالما أن الثقة قائمة فإن الانتظار لن يكون قاسياً وسلبياً كما كان عليه في عقود العقوبات.
– بداية النهاية لكارثة العقوبات بشقيها الأميركي ولاحقاً الأوروبي، والتي عصفت بسوريا وشعبها منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، والتي تجاوزت في آثارها التدميرية الداخل باتجاه تدمير علاقات سوريا الخارجية، بما في ذلك محيطها، وعلى رأسه المحيط العربي.
– تنطلق سوريا بدعم ومساندة ومساهمة الولايات المتحدة الأميركية، القوة العالمية المهيمنة، إلى جانب الدعم العربي/الإقليمي، ما يعني أن مسيرة التنمية والنهوض والإعمار تحظى بالضمانات الأهم دولياً، فإذا ما كانت واشنطن على رأس من فرض ووسع العقوبات، وتبعتها أوروبا بعد ذلك، ولاحقاً الدول المتبقية بمن فيها حلفاء النظام السابق، روسيا وإيران.. وبما أن واشنطن كسرت العقوبات بإعلان رسمي بمفعول فوري، فهذا يعني أن سوريا لم تتحرر فقط ميدانياً، بل تحررت دولياً أيضاَ، وتالياً فإن المستقبل باتت طرقه سالكة.
– رفع العقوبات لا يفتح تاريخاً جديداً لسوريا فقط بل للمنطقة برمتها. اليوم تترقب أطراف إقليمية (ودولية) كثيرة مسار رفع العقوبات وتتهيأ لاقتناص الفرص الاستثمارية، وبما يعزز موقعها في سوريا والمنطقة.