لا يختلف اثنان في هذا العالم أن العقوبات الغربية والحصار الذي فرضته عواصم الغرب على سوريا بسبب سياسات النظام البائد وإرهابه وجرائمه بحق الشعب السوري أضرت بالسوريين ومنعت عنهم الدواء والغذاء والطاقة وكل سبل الحياة وكان هذا الشعب المتضرر الأول من تلك العقوبات وذاك الحصار ولم يمنع النظام وأدواته الإرهابية من المضي بطريق الإبادة والتهجير والتجويع.
اليوم يتبدل المشهد بعد انتصار ثورة السوريين واقتناع العالم بضرورة إزالة تلك العقوبات وطي صفحتها، ورفع الظلم عن الشعب السوري وكانت قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد لقائه الرئيس الشرع في الرياض المقدمة التي فتحت الباب أمام الدول التي كانت تفرض عقوباتها على سوريا وجعلتها تعيد حساباتها وترفع جزءاً من عقوباتها.
التحول السياسي وملامح الانفتاح الدولي على سوريا
وكان مجلس الشيوخ الأميركي قد أجرى في وقت سابق تعديلاً تشريعياً جديداً ضمن قانون الطاقة النووية المدنية (INEA)، يقضي بشطب سوريا من قائمة الدول «المارقة» التي يُحظر التعاون معها في مجال الطاقة النووية، وكانت هذه القائمة تضم سابقاً دولاً مثل إيران وكوريا الشمالية وروسيا وكوبا وفنزويلا، وتمنع الولايات المتحدة من إقامة أي تعاون نووي مدني مع تلك الدول بسبب سياسات أنظمتها.
قرار مجلس الشيوخ الأميركي المذكور اعتبره آنذاك الكثير من المحللين مؤشراً سياسياً بالغ الأهمية يعكس توجهاً جديداً داخل المؤسسة التشريعية الأميركية نحو إعادة تقييم السياسة المتبعة تجاه سوريا، لاسيما بعد سقوط النظام البائد وبدء الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع بالإصلاحات في الداخل السوري على المستويات السياسية والأمنية والدبلوماسية وبتصفير المشاكل مع دول الجوار والعالم وقالت السيناتور الديمقراطية جين شاين، معدة مشروع القرار: “إنني سعيدة بأن اللجنة أقرت تعديلي لإزالة سوريا من قائمة INEA” وأضافت: “على سوريا أن تستمر في الابتعاد عن تحالفاتها السابقة، وأن تسير في اتجاه الديمقراطية والاستقرار والأمن”.
الانفتاح إياه على سوريا سواء من واشنطن أو من الدول الغربية تسارع تجاه دمشق بعد زيارات متبادلة مع مسؤولين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وسوريا.
خطوات تشريعية أمريكية نحو إنهاء العقوبات
وبعد توقيع ترامب على قراره رفع العقوبات اعتبر العديد من المحللين أنها خطوة مهمة لكنها لا تعني نهاية القيود والعقوبات الأميركية، وأن المطلوب إنهاء قانون قيصر وكل العقوبات المفروضة على سوريا لأن إزالة سوريا من قائمة INEA هي خطوة تكميلية في مسار إعادة دمج دمشق ضمن المنظومة الدولية، بعد سلسلة من المؤشرات الدالة على تحوّل سياسي، مثل تخفيف العقوبات المفروضة، والتعاون المشترك في ملفات حساسة كضبط الحدود ومكافحة المخدرات، فضلاً عن بدء محادثات رسمية بين دمشق ومؤسسات دولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
واستكمالاً لما سبق من خطوات بدأ أعضاء في الكونغرس الأميركي منذ أيام التحرك لطرح مشروع قانون يقضي بإلغاء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا في عامي 2003 و2012 بسبب ممارسات النظام البائد.
ويرى مراقبون أن هذا المسعى يأتي في إطار مراجعة أوسع للعقوبات المفروضة منذ سقوط النظام البائد، بهدف تمكين الاقتصاد والمجتمع السوري في مرحلة إعادة البناء ولاسيما بعد أن أكد عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي أنهم بصدد تقديم مادة لإلغاء كلٍّ من «قانون محاسبة سوريا» الصادر عام 2003، و«قانون محاسبة سوريا على انتهاكات حقوق الإنسان» الصادر عام 2012 مؤكدين أن مفاعيل هذين القانونين مجمّدة حالياً بفضل الرخصة العامة رقم 25 الصادرة عن وزارة الخزانة في أيار الماضي، وقرار وزارة التجارة في آب الماضي لكنهم بينوا أن المساعي الحالية تهدف لاستكمال رفع العقوبات عن الشعب السوري بعد سقوط النظام البائد ومشيرين إلى أن إلغاء هذين القانونين لا يعني رفع العقوبات عن رئيس النظام المخلوع بشار الأسد ورموزه، وإنما يهدف إلى رفع القيود عن الشعب السوري والقطاعين الاقتصادي والمدني بما يسهل عملية التعافي الاقتصادي.
رفع القيود.. بوابة لإعادة بناء سوريا
جدير بالذكر أن القانون الأول، الذي أقرّه الكونغرس ووقّعه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش عام 2003، فرض عقوبات مشددة على سوريا شملت حظر الصادرات الأميركية ذات الاستخدام المزدوج، فرض قيود على الشركات الأميركية العاملة هناك، تجميد أصول سوريا في الولايات المتحدة، تقييد حركة الدبلوماسيين السوريين إلى واشنطن ونيويورك، وخفض مستوى التمثيل والعلاقات الدبلوماسية أما القانون الثاني الصادر عام 2012 فجاء بدفع من الجالية السورية في الولايات المتحدة بسبب قمع النظام البائد للاحتجاجات السلمية واعتقال وتعذيب المتظاهرين، ومنح للرئيس الأميركي صلاحيات واسعة لفرض عقوبات على مسؤولي النظام والشركات الداعمة له، وقيّد تعاملاته المالية والنفطية، وفي المقابل تضمّن بنوداً لدعم المجتمع المدني والمعارضة السورية والإعلام المستقل.
قصارى القول تأتي القرارات الأمريكية لرفع العقوبات عن سوريا لدعم التعافي الإنساني والاقتصادي، وستكون خطوة لدفع المجتمع الدولي وخصوصاً الدول الغربية لتخفيف القيود الاقتصادية ومنح السوريين فرصة أوسع لإعادة بناء مؤسساتهم، وإعمار بلدهم الذي دمره النظام البائد وحربه على الشعب السوري.
الحرية – دينا الحمد
 
					 
		 
		 
		