رفع العقوبات يسهم في عودة العلاقات الدبلوماسية ويحوّل سوريا إلى مركز لوجستي ويخلق توازناً اجتماعياً

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرّية – هبا علي أحمد:
يأتي قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا دعماً لمسار البلاد نحو الاستقرار والسلام، خطوة جديدة في سياق مسار أمريكا طويل اتجاه دمشق بدأ مع بداية التحولات والتغييرات التي شهدتها البلاد ولا يتوقف عند الخطوة الجديدة، والواضح أن المسار الأمريكي يرتبط بشكل مباشر بموقع سوريا في التوازنات الإقليمية والدولية.
ومما لاشك فيه أن للقرار الأمريكي انعكاساً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً من الممكن لمس آثاره مع عودة الاستثمارات وتداعيات ذلك على معيشة المواطن وتوفير فرص العمل وعودة اللاجئين، أضف إليه تعزيز الدور الإقليمي والدولي لسوريا.

قرار رفع العقوبات يُعيد ربط المصارف السورية بالنظام المالي والمصرفي العالمي ويُسهم في عودة الاستثمار الأجنبي وإعادة الإعمار وانخفاض البطالة

بالمحصلة، نحن أمام مروحة واسعة من الإيجابيات والتحدّيات التي تتطلب مواجهتها مروحة واسعة أيضاً من الإصلاحات ولاسيما في المؤسسات الاقتصادية، ونحن أمام فرصة لبداية جديدة تُسهم بربط الاقتصاد بالتجارة العالمية وإعادة إعمار البُنية التحتية.

الآثار الاقتصادية

للوقوف على القرار الأمريكي وبحث آثاره في مختلف الصعد، قدّم أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب، الدكتور حسن حزوري، في تصريح لـ”الحرّية” شرحاً واسعاً ومفصلاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لانعكاس القرار على الوضع السوري راهناً ومستقبلاً، مشيراً إلى أبرز الآثار الاقتصادية لرفع العقوبات على النحو التالي:
أولاً: عودة الروابط المالية والمصرفية: أي إعادة ربط النظام المصرفي السوري بالعالم، فقبل العقوبات كان النظام المصرفي السوري مرتبطاً بنظام التحويلات المالية العالمية (مثل SWIFT)، وتم حرمانه لاحقاً، وبالتالي رفع العقوبات سيمكن المصارف السورية من العودة لهذه الشبكات، ما يسمح بتحويل الأموال من وإلى سوريا بسهولة، ويقلل الاعتماد على السوق السوداء.
ثانياً: عودة الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، ستعود الشركات الأجنبية، شركات من روسيا، الصين، دول الخليج، وربما أوروبا، للاستثمار في قطاعات البنية التحتية، الطاقة، النفط والغاز، الاتصالات، والزراعة، والمشاريع الكبرى المؤجلة – كمشروعات تطوير الموانئ، محطات الكهرباء، وخطوط السكك الحديدية – قد تُستأنف.

التحدي الأهم هو قدرة مؤسسات الدولة السورية على إدارة الاقتصاد بشفافية وكفاءة وضمان الاستقرار السياسي لجذب المستثمرين

ثالثاً: تحسن التجارة الخارجية، هنا يُشير الدكتور حزوري إلى سهولة الاستيراد والتصدير، فقبل رفع العقوبات، كانت سوريا تعتمد على طرق تهريب أو وسطاء مكلفين لاستيراد السلع الأساسية، الآن، يمكن للسوريين الاستيراد مباشرة، ما يقلّل الكلفة، ويزيد توفر السلع، إلى جانب استعادة الأسواق التصديرية ولاسيما أنّ سوريا تمتلك صادرات تقليدية كالفوسفات، زيت الزيتون، النسيج، والصناعات الغذائية، ورفع العقوبات سيسمح بعودة هذه الصادرات إلى أوروبا ودول الخليج وآسيا، ويعزز الإيرادات.
رابعاً: ارتفاع سعر الليرة السورية وتحسّن القوة الشرائية مع تدفق العملات الأجنبية، وانخفاض الطلب على الدولار في السوق السوداء، من المتوقع تحسن سعر صرف الليرة تدريجياً، وبالتالي فالانخفاض في سعر الصرف سينعكس مباشرةً على أسعار السلع المستوردة، ما يعيد التوازن للسوق الداخلي ويزيد القدرة الشرائية للمواطنين.
خامساً: قطاع إعادة الإعمار: يوضح حزوري أن حجم الدمار في سوريا يُقدّر بأكثر من 400 مليار دولار، وبالتالي رفع العقوبات يفتح المجال لتدفق المساعدات وإبرام عقود إعادة الإعمار مع شركات عالمية، ومن أبرز القطاعات التي ستستفيد: البناء والمقاولات، إنتاج مواد البناء (الإسمنت، الحديد) الكهرباء والطاقة، المياه والصرف الصحي، النقل والبُنى التحتية (طرق، مطارات، موانئ).
سادساً: دعم الزراعة والصناعة، ويرى الخبير الاقتصادي أن هذا يتطلب دعم الإنتاج المحلي عبر تسهيل استيراد الآلات الزراعية، البذور، الأسمدة، والمبيدات، الأمر الذي سيُمكن من إعادة تأهيل القطاع الزراعي، كما إن دخول التكنولوجيا الحديثة إلى المصانع سيدعم عودة عجلة الإنتاج، ويعزز التصدير، مع تخفيض الكلفة الإنتاجية، فإزالة العقوبات تعني توافر الوقود والمواد الخام بسعر منخفض، ما يقلل كلفة الإنتاج، ويحسّن هامش الربح.

سابعاً: تأثيرات على سوق العمل، فمع انطلاق مشاريع جديدة وعودة النشاط الاقتصادي، ستزداد فرص العمل في مختلف القطاعات، وبالتالي تبدأ البطالة التي وصلت إلى نسب عالية خلال الحرب بالانخفاض بشكل ملحوظ.
ثامناً: انتعاش قطاع السياحة ولاسيما أن سوريا تمتلك إرثاً حضارياً وسياحياً ضخماً، ورفع العقوبات سيمكّن شركات السياحة العالمية من تنظيم رحلات، ويفتح الباب أمام عودة ملايين الزوار، وخاصة من الدول العربية.

تحدُيات متوقعة

رغم الإيجابيات التي يعكسها قرار رفع العقوبات، يبقى التحدي الأهم وفقاً لحزوري، هو قدرة مؤسسات الدولة السورية على إدارة الاقتصاد بشفافية وكفاءة، فهناك حاجة إلى إصلاح القوانين، مكافحة الفساد، وضمان الاستقرار السياسي لجذب المستثمرين الجادين.

رفع العقوبات هو بمنزلة اعتراف غير مباشر من المجتمع الدولي بشرعية السلطة الجديدة ويفتح الباب أمام عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة

الآثار السياسية

بالتوازي مع الاقتصاد، يترك قرار رفع العقوبات عن سوريا آثاراً سياسية لا تقل أهمية عن الاقتصادية، تحتاجها سوريا الراهنة، أهمها استعادة الشرعية الدولية، فرفع العقوبات هو بمنزلة اعتراف غير مباشر من المجتمع الدولي بشرعية السلطة الجديدة واعتبارها شريكاً يمكن التعامل معه، وبالتالي سيُفتح الباب أمام عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة، وفتح السفارات، مع دول كانت قد قطعتها منذ 2011، كدول الاتحاد الأوروبي، أميركا الشمالية، وبعض دول الخليج، مع العودة إلى عضوية المنظمات الدولية من خلال رفع القيود المفروضة على تعامل سوريا مع الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وعودة سوريا إلى ممارسة عضويتها الكاملة في هذه المنظمات، ما يسهل حصولها على مساعدات وقروض تنموية.

الآثار الاجتماعية

ولا يُمكن بأي حال إغفال الآثار الاجتماعية لرفع العقوبات، فهي لا تقل أهمية عن السياسية والاقتصادية، بل تُعد لصيقة بهما تماماً لارتباطها بالمواطن الذي يبحث اليوم عن عوامل الاستقرار والعودة الآمنة وتوفير مناخ معيشي مناسب، ويوضح أستاذ الاقتصاد، إلى أن رفع العقوبات والتحسّن التدريجي أمنياً واقتصادياً سيُسهم بلا شك في عودة اللاجئين والمهجرين، فمع تحسّن الأمن والمعيشة، سيبدأ عدد كبير من اللاجئين بالعودة من لبنان، الأردن، تركيا، أوروبا وغيرها، هذا سيُعيد الروابط الأسرية والمجتمعية التي تفككت بسبب الحرب واللجوء، إلّا أن ذلك يصطدم بتحدّيات عدة، بُنى تحتية، مساكن، مدارس، وخدمات صحية، ما يشكّل ضغطاً على الدولة، ولاسيما أنّ بعض المناطق قد تشهد توتراً بين السكان العائدين والسكان المحليين بسبب المنافسة على الموارد.

قد تعود سوريا لتكون مركزاً لوجستياً بين آسيا وأوروبا مع مشروعات محتملة لخطوط نقل بري وكهرباء وأنابيب غاز تربطها بدول الجوار

ولفت حزوري إلى أنّ رفع العقوبات يُسهم في تخفيف المعاناة المعيشية وتراجع مستويات الفقر، ولاسيما أنها كانت أحد العوامل التي أسهمت في التضخم ونقص السلع وغلاء الأسعار، ومع رفعها، سيبدأ انخفاض تدريجي في أسعار المواد الأساسية وتحسن دخل المواطنين، ما يخفف من نسب الفقر المدقع، كما يُسهم في تحسين الخدمات العامة، كالصحة، التعليم، الكهرباء، والمياه التي ستشهد تحسناً بفضل رفع القيود على المعدات ومواد البناء والأدوية.
وكان لافتاً إشارة الدكتور إلى استعادة الطبقة الوسطى التي أضعفتها الحرب والعقوبات وأفرغت المدن من الكفاءات، ومع عودة الاستقرار والنمو الاقتصادي، سيُعاد بناء هذه الطبقة تدريجياً، ما يخلق توازناً اجتماعياً ويُقلّل من الاستقطاب، كما إن رفع العقوبات وفتح السوق سيشجع آلاف السوريين من الكفاءات (أطباء، مهندسون، فنانون، رجال أعمال…) على العودة إلى الوطن والمشاركة في إعادة بنائه، وسيحدث تبادل ثقافي وتحديث اجتماعي بفضل هؤلاء العائدين الذين يحملون تجارب من الخارج.

الوسوم:
Leave a Comment
آخر الأخبار
الأرض لم تعد تتسع للمزيد منهم في خان يونس.. نفاد القبور المخصصة لدفن الشهداء خطوة إيجابية للقطاع المالي.. الدكتور الحصرية: الأمر التنفيذي الأمريكي حوّل تجميد العقوبات على سوريا ... وزير الخارجية الأمريكي: ندعم سوريا والعقوبات لن تشكل عائقاً أمام مستقبلها "بوابة دمشق" مشروع لإحياء الدور الثقافي والإعلامي في سوريا المجتمع الأهلي والجهات الحكومية وجمعية أصدقاء مدارس جرمانا ينجزون الصيانات اللازمة لمدارسها  خطة تأهيل وتعزيز لأسطول النقل الداخلي.. مديرية نقل الركاب تبدأ معالجة شكاوى المقاعد المتهالكة وتعد ب... تعطل البئر الزراعية منذ سنين عدة يتسبب في يباس مئات الأشجار المثمرة لمزارعي قريتي السالمية والخالدية 4 شهداء قرب مراكز توزيع المساعدات في رفح .. «أونروا»: آلية المساعدات الأمريكية في غزة «حقل ‏للموت»‏ ضبابية تغلف الدوري الممتاز... والختام غداً في سباق الذكاء الاصطناعي .. «ميتا» تنشئ مختبراً جديداً للذكاء الفائق وتوظف خبراء بملايين ‏الدولارات