الحرية– سامي عيسى:
حقيقة تفرضها قوى السوق، بأطرافها المختلفة، تحمل في طياتها الكثير من المتغيرات السعرية والتسويقية، وحتى وجوه تجارها الذين يتمسكون بالحالة السعرية، وقياسات ارتفاع الدولار وهبوطه، وفي أغلب الأحيان ارتفاعه، لأنه من السهل التماشي مع الارتفاع، لكن مع الانخفاض يحجمون جميعهم بسبب الجشع، وحب المال، ومن يريد إثبات ذلك لا يجد صعوبة في ذلك، لأن أسواقنا المحلية تحمل الكثير من المفردات الدالة عليها..
وبالتالي هذا الأمر يثير الكثير من التساؤلات تعود بنا الذاكرة فيها إلى السنوات الماضية، التي ترسم تكرار هذه المشاهد من الفوضى في الأسعار وانتشار البسطات، المخالفة، رغم كل محاولات المعالجة، وإيجاد الحلول لها لكنها بقيت واستمرت، ليس بكثافة وانتشار اليوم، الأمر الذي يفرض معالجة أكثر فاعلية من الجهات المعنية، وخاصة الجهات الرقابية من تموين ومحافظة وغيرها..
ضبابية تثير القلق
لكن الإجابة عليها تقودنا إلى أسباب كثيرة، منها تحرير الأسعار إلى حد ما، مع ضبابية كبيرة تثير القلق لدى المستهلكين على اختلاف شرائحهم، إلى جانب التكلفة الفعلية التي تؤسس لعملية التسعير، وتحدد أركانها للوصول إلى سعر موحد للسلع المعروضة في الأسواق، لكن للأسف الشديد كل سلعة تحمل أكثر من سعر في السوق الواحد، وحتى المحال المجاورة، نذكر على سبيل المثال محلاً يبيع الفروج الحي بسعر 32 ألف للكيلوغرام الواحد، وعلى بعد أمتار بزيادة 2000 ليرة عن السعر المذكور، والمادة نفسها تباع في حارة مجاورة بسعر 30 ألف ليرة، علماً أن مصدر المادة واحد، وعملية التسويق تمت بسعر واحد لجميع المحال التجارية، وهذا ينطبق على المواد الأخرى، نذكر على سبيل المثال مادة البندورة، تباع اليوم بسعر ستة آلاف ليرة، ومحل مجاور 8000 آلاف ليرة، والتفاح بسعر 9000 ليرة، ومحل آخر بسعر 13 ألف ليرة، ولنفس النوع والجودة..
مفارقات سوقية
” الحرية” سجلت جولة خاصة في بعض أحياء المدينة “الميدان” بدمشق، وسوق شعبي آخر، تتفاوت فيه الأسعار والجودة، في معظم المعروضات، وهذا في كافة الأسواق، ومن خلال الجولة كانت لقاءات خاصة مع تجار منهم التاجر “مهند” الذي قال: إن المادة مصدرها واحد، وحتى السعر موحد للجميع من المصدر، لكن الاختلاف في سعر المبيع بين “محل وآخر” يعود لصاحب المحل، فهناك تكاليف تضاف على سعر الفروج الحي مثل “تنظيف- كهرباء- مياه- أجور محل- وهوامش ربح وغير ذلك كثير..” وبالتالي البعض يختصر هذه التكاليف والإضافات على السعر ويكتفي بقليل منها، ويحدد السعر المناسب له، لهذا السبب يظهر الفارق بين تاجر وآخر..
وهذه الظاهرة تنطبق على باقي المواد التي تباع وخاصة الخضروات الفواكه والبقوليات والزيوت وغيرها، أيضاً تباع بأسعار مختلفة، تحمل عناوين المضاربة أكثر من عناوين المنافسة، وعادةً ما تكون لصالح المستهلك، لكن تأثيرها بسيط بسبب شح السيولة وتراجع القوة الشرائية للمواطن، وعدم قدرتها على اللحاق بالأسعار الجديدة..
خبير اقتصادي: ضرورة وضع آلية رقابية واضحة تتماشى مع الهوية الانتقالية للاقتصاد تضمن المحافظة على القوة الشرائية وسلامة الأسواق
مرحلة انتقالية
الخبير الاقتصادي “جمال شعيب” يوضح لصحيفة “الحرية” ما يحدث في الأسواق، من عدم استقرار في التسعيرة، وأسعار المبيع للمستهلك وغيرها من ظواهر عدم الاستقرار، حيث أكد طبيعة ما يحدث، على اعتبار أن اقتصادنا اليوم يعيش حالة تحول من اقتصاد السوق الاجتماعي، إلى اقتصاد السوق الحر، وهذه الفترة تكون غير مستقرة بطبيعة الحال، لكن هذا الأمر لن يستمر طويلاً، والمعالجة، تكون بمعالجة الأسباب والمسببات، وفق آلية واضحة، تنطلق من ثبات الحالة السعرية، مروراً بوضع أسس واضحة للرقابة على الأسعار، في ظل الانفتاح وتواجد منتجات كثيرة ومتعددة المنشأ خاصة الغذائية منها على سبيل المثال: توزيع العاملين في الحقل الرقابي في كافة أحياء مدينة دمشق بشكل مكثف، خاصة في هذه الأيام للرقابة على الأسعار “الإعلان عن السعر”.
أما ما يتعلق بعنصر المنافسة، فهي التي تحدد السعر، وتوافر المادة وإعطاء الحرية للمستهلك، باختيار السلعة التي تتناسب مع قدرته الشرائية، دون تجاهل عنصر الجودة..
إجراء مهم
لكن يبقى إجراء آخر في غاية الأهمية في رأي “شعيب” يكمن في متابعة المواد المنتهية الصلاحية، أو المجددة صلاحيتها، وسحبها من السوق، ومعاقبة المخالفين إلى جانب سحب عينات من المواد الغذائية المتواجدة في المحال التجارية، وتحليلها لبيان مدى مطابقتها للمواصفات الفنية والجودة، وسحب المواد المخالفة، وإتلافها وفق اجراءات قانونية تفرضها طبيعة كل مادة..
والذي يعزز ذلك دور الرقابة اليوم، رغم اختلافه عن الزمن البائد، إلا أن المهمة ذاتها تكمن في متابعة توافر المواد بكميات جيدة تفي حاجة السوق، وتحقق المنافسة الشريفة، ومتابعة الجودة والمواصفة الفنية للمواد الغذائية، مع إمكانية دعم قطاع الرقابة وخاصة العاملين فيها، وزيادة عددهم حتى تكون هناك فاعلية بالرقابة على الأسواق، وتحقيق الغاية المرجوة في ضبط السوق وتأمين السلامة لكافة الأطراف..