رمزيات الألوان في الفن والحياة وبهجة التجدد!

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – جواد ديوب:
تلاحقني الألوان أينما ذهبت، الأحمر، الأصفر، الأزرق والأخضر.. صافيةً، شهوانيّةً، متوهّجة، ومحرِّضة في بعض الأحيان، فوجهُ مخدّتي أزرقٌ بحريّ، فيما يتمدّد الأصفرُ العسليّ مغازلاً لطخاتٍ من البنيّ على معظم مساحة الغطاء (البطانية)، أما الأحمر الخمريّ يفترش المسند خلف ظهري تاركاً لخيالاتي أن تطوفَ بفرح.

مصادفات الطبيعة!

منذ يومين وبينما كنت أدفّئ عظامي تحت الشمس، مغمضاً عيني نصف إغماضة بسبب أشعتها المائلة الحادّة، التفتُّ قليلاً لأن شيئاً قريباً يصدر حفيفاً وفرقعة، كان هناك شالٌ بلون الرمّان يتماوج ويتغاوى على حبل الغسيل.
هكذا تكوّن «المشهد السينمائي» بألوانه الساحرة المُغوية: أزرقُ سماءٍ صافية بعد ليلةٍ ماطرة، وشمسٌ مؤقتة ترسل أشعة دفئها الذهبيّة لتغمر موجودات الكون، وشالُ الجلّنار يُعلِن عن نفسه مختالاً بجماله!
لو تقصّدتُ أن أجاورَ تلك التفاصيل معاً لما نجحت كما تبدّت هي في “شيئيّتها” الطبيعيّة المدهشة. وكأنّ ما يحصل ليس مصادفةً مجرّدة بقدر ما هو إيحاءُ مصادفةٍ تمّت صياغتها بفعل الرغبة العميقة بحدوثها! هل هو العقل الباطن الذي يجعل العقل الواعي ينتبه لما تحبُّه الروح فتبحثُ عنه توّاقةً لما حُجبَ عنها بأحداثٍ أكثر قسوة؟!

لونٌ للتفاؤل ولونٌ للشحوب!

لكن للألوان في الميثولوجيا وفي الفنون رمزياتها ودلالاتها.. نقرأ عند الفرنسي فيليب سيرنج أن تلوينات الأحمر عبر التاريخ كانت تعني دمَ بهجة الحياة المتجددة بعد الموت، ولهذا تفتحت رسومات فنانين مثل روبنس ورينوار بهذا اللون الحارّ، وامتلأت لوحاتهم بتدرجاته لدرجة وصفوا بأنهم «رسامو الحياة وتفتحها الحسّي»!
وبما أن الأحمر والأصفر(وهج الشمس) يوصفان بكونهما لونين ساخنين أو حارّين لجأ الفنانون أو حتى صانعي الزجاج الذين زيّنوا جدران القصور والكنائس إلى تعشيقات اللون الأخضر والأزرق مع الأحمر والأصفر على النوافذ كما لو أنهم يشيرون إلى التضاد والتقابل في طبائع الناس.

اللون الأخضر للسلام والخيرات!

وقد كان الأخضر يرمز للأمل وتجدد الربيع وهو لون أوزوريس عند المصريين القدماء الذين آمنوا بتجدد الحياة عبر تجدد نسغ النباتات كل عام. وهذه الرمزية امتدت حتى أوروبا التي اعتبرت اللون الأخضر رمزاً للأمل والتفاؤل.
ومن المعلوم أيضاً أن اللون الأخضر يعدُّ مقدّساً عند المسلمين زمن النبي الكريم محمد (عليه الصلاة والسلام) ، لأنهم آمنوا بأن الأخضر رمزٌ للسلام والخيرات واحترام موجودات الطبيعة وكائناتها.
ولأن الأزرق ارتبط بالصفاء والمدى السماويّ الرحيب المهدّئ للنفس، ورغم أنه يذكر بالبحر وتقلباته وعواصفه.. لكنه عند فنان عصر «بروغل» كان يرمز للكذب في تقابلٍ وتضاد مع الأحمر لون النار والدم والإنسان الصادق المستعد لدفع حياته ودمه من أجل محبوبه.. وهذا التفسير الأخير أنقله بتصرف شديد واختصار من رأي الكاتب سيرنج في شروحاته عن تاريخية الألوان ومعانيها المضمرة.

أصفرُ فان كوخ!

ولأنني كنت أتدفأ بأصفر شمسٍ حنونٍ تذكرت محبة الرسام فان كوخ الهولندي الذي يرتبط هذا اللون به كأنهما شمسٌ وأشعتها، فهو يلون سنابل قمحه وزهران عباد الشمس بلونٍ أصفر خاص به لدرجة كأنه اخترع اللون اختراعاً، وباعتقادي الشخصي كان الأصفر لونه المحبب ليس كما يصفه البعض لأنه رمز للحسد والتشاؤم والشحوب بالتطابق مع حياة الفنان فإن كوخ، بل ربما على العكس تماماً أي لأن اللون الأصفر ومنذ الميثولوجيا الصينية الأسبق بمئات السنين – والتي برأيي وصلت تأثيراتها للفنان الهولندي عبر التمازج الحضاري وطريق الحرير- كان لون الفرح والكمال والخلود والشباب الدائم مثل الشمس الأبدية.

استديو تصوير الطبيعة!

كنت لا أزال أغمض عيني نصفة إغماضة وأنا شاردٌ في غيمة أفكاري، ثم تلوّنت السماء بالرمادي الغامق وتوشيحات سوادٍ وتبدت عناصر الطبيعة أمامي كأنها مجسماتٌ متموضعة في الفراغ وخلفها ستارة سوداء لاستديو تصوير.. فما كان مني إلا أن التقطت اللحظة ضمن صور فوتوغرافية لأن الزمنَ المتحرك بسرعة الضوء لن يتركنا إلا صوراً عن صورٍ وهمية يسميها الفلاسفة: البشر!

Leave a Comment
آخر الأخبار