الحرية- أحمد عساف:
يُثري الروائي أحمد السماري المشهد الروائي السعودي، بهذه التحفة الروائية ابنة ليليت.
بعد روايته الأولى (الصريم) والثانية (قنطرة) لتكون تحفته الثالثة ابنة ليليت، ثالثة الأثافي.
في مضمار نسق روائي ينمو ويزدهر ويقدم ثماراً ناضجة، نجد الروائي أحمد السماري، يحفر عميقاً وبثقة وجدارة اسمه كروائي مائز ومتميز في عالم الرواية السعودية وفي المشهد الروائي الخليجي والعربي.
في روايته الأحدث ابنة ليليت، يتناول وبكل جرأة وبثقة العارف، موضوعاً روائياً جديداً غير مألوف وغير مطروق من قبل، بعيد عن النمطية والمواضيع التقليدية والساذجة.
وبالتوقف قليلاً عند العنوان الذي يشكّل عتبة دالة للولوج إلى عمق المسرود الروائي.. نجد أن (ابنة ليليت) -الأسطورة المعروفة لدى العديد من الناس- ذكرها المؤلف قبل البدء بالرواية بالقول: “(ليليت) التي ورد ذكرها في بعض الميثولوجيّات القديمة هي أول امرأة اتخذت موقفاً رافضاً من عدم مساواتها برفيقها الذّكريّ (آدم).” ص 9
الرواية مقسمة لأربعة فصول: (الأول الرياض 1980 والثاني نيويورك والثالث لوس أنجلوس والرابع الرياض 2011 ).
كذلك في الرواية هناك أربعة أصوات تقدم لنا أحداث الرواية من وجهة نظرها، والأصوات هي لبطلة الرواية جواهر وابنتها ميلا، والحاج متولي، والراوي.
استخدم الروائي ضمير المتكلم والمخاطب، هذا الضمير هو من أبدع الضمائر، القريبة جداً من القارئ والأكثر فاعلية في عنصر التشويق وشد القارئ للمسرود.
وجدنا في الرواية شخصيات أخرى نجح الروائي أحمد السماري في تأكيد حضورها، وتوظيفها لمصلحة صيرورة وسيرورة أحداث مسروده الروائي. وهي ساهمت في جمالية البناء الروائي ومتنه، وأضافت مسحة جمالية ومعرفية في تسلسل أحداث الرواية.
من هذه الشخصيات (الأب السعودي والأم الهندية، والإخوة أبو خليفة وعبد الرزاق والزوج كاستيلو والابنة ميلا والجدة روزا والعمة سيلينا والحاج متولي والجارة اللبنانية سعاد والزميل جو، والزميلة إليزابيث، والضريران سالم وسعد، وغيرهم).
تثير الرواية أسئلة وجودية وفلسفية حول الخير والشر، الحرية والقدر، والدور المُلقى على عاتق الإنسان.
بطلة الرواية جواهر، الدكتورة التي تسافر بعد تخرجها إلى أمريكا للاختصاص بأمراض القلب، وهناك تتزوج وتنجب ابنتها ميلا.
جواهر التي تصبح فيما بعد جورجيت، عاشت حالة التمرد بعد موت والدها (السعودي) تمردت على أخيها الأكبر(أبو خليفة)، حين باع منزل الوالد والكثير من أملاكه، ورماها هي وأمها (الهندية) في بيت للإيجار.
وحين تذهب لمعاتبته يقول لها: “الغرفة الزائدة في الشقة مناسبة لوالدتك، عليك أن تأخذيها معك وكلاكما يحتاج إلى الآخر” ص 22.
جواهر تحمل في داخلها نضالاً مستميتاً للبحث عن السعادة المفقودة والانتماء الحقيقي، في بداية الرواية تحدثنا قائلةً: “شعرت بسعادة لا توصف حينما رأيت اسمي مسجلاً ضمن الدفعة الأولى من خريجات كلية الطب في جامعة الرياض” ص 13.
تمتلك الرواية إيقاعاً معتدلاً في التحول الزمني وصيرورة وسيرورة الفعل الروائي وأحداث الرواية، عبر لغة جزلة ومشذبة وشيقة. إذ ينسجم القارئ منذ البداية مع تصاعد الأحداث شاقولياً وعمودياً وفي بعض الأحايين يعتمد الروائي في مسروده هذا على تقنية (الفلاش باك- الخطف خلفاً) أو الاسترجاع بشكل مكثف لكنه مدروس، ليكشف خلفيات شخصيات الرواية.
بكل تأكيد، إن تعدد الأصوات الروائية في رواية “ابنة ليليت” لأحمد السماري هو أحد أركان بنائها الفني الأكثر إثارة وإدهاشاً، وقد نجح الكاتب من خلاله في تشييد عالم سردي متعدد الأبعاد والزوايا.
ونجاح السماري في بناء حوار الحاج متولي هو الاختيار الأمثل ليكون صوت الإرث الثقافي والذاكرة الجمعية.
وجوده كان ضرورياً لإعطاء الرواية بعدها الأسطوري والتاريخي، وربط شخصية ميلا بخطاب ثقافي وتراثي طويل، بدلاً من تقديمها كظاهرة منعزلة.
كما تمكن أحمد السماري، من توظيف واستخدام صوت ميلا، فمن المرجح أنه استخدم تقنية المونولوج الداخلي، وتيار الوعي، لنقل عالمها الداخلي المعقد، ما يضع القارئ في موقف المحاولة لفك طلاسم وعيها بدلاً من تلقي الحكاية جاهزة.
طريقة تعامل السماري مع صوت ميلا هي المحك الحقيقي لبراعته، الحفاظ على غموضها مع إعطائنا لمحات من وعيها هو أمر بالغ الصعوبة، إذ نجح في جعل صوتها مقنعاً وغامضاً في الوقت ذاته، بما يعمق من قوة الرواية ويدفع القارئ للتأمل والبحث عن المعنى بنفسه.
تعدد الأصوات في “ابنة ليليت” ليس تقنية شكلية فحسب، بل هو جوهر الرسالة الروائية.
أحمد السماري، من خلال هذه التقنية، لم يقدم فقط قصة شيقة، بل قدم استعارة روائية عميقة عن كيفية فهمنا للاختلاف والغموض، كيف نلجأ إلى تراثنا (مثل الحاج متولي) وعواطفنا (مثل جواهر) لمحاولة تفسير ما لا نفهمه (مثل ميلا).
باسم محمد, [03/09/2025 11:16 ص]
الأصوات المتعددة نجحت في جعل “ابنة ليليت” رواية تتجاوز الحكاية إلى التأمل في طبيعة الحكاية نفسها، وكيف نروي القصص عن أنفسنا وعن الآخرين.
تنتهي الرواية نهاية غير متوقعة بموت جواهر..
ونذكر هنا حوار الابنة ميلا مع خالها عبد الرزاق، الذي أخذ يشرح لها كيف ماتت أمها.
– للأسف، والدتك ماتت قبل أسبوعين، في يوم 17 أغسطس تحديداً.
– ماذا حدث؟ كيف ماتت؟
– هل تقصد أنها انتحرت؟
– بطريقة غير مباشرة، يمكن قول ذلك.
ص 155-
بقي أن أشير إلى أن الرواية فازت بمسابقة تحويل الرواية السعودية إلى سيناريو سينمائي.
-رواية (ابنة ليليت) المؤلف أحمد السماري 155 صفحة قطع متوسط. الطبعة الثالثة- 2025 دار رامينا– لندن