الحرية- أحمد بوبس:
خلال قراءتي لكتاب (مع المتنبي) لطه حسين ، لفت انتباهي كثرة الإشارات والاستشهادات بأقوال الكاتب الفرنسي ريجيس بلاشير. الأمر الذي أثار فضولي للتعرف عليه . وفوجئت بالاهتمام الكبير لهذا الكاتب بالأدب العربي، بل وانحيازه إليه. وما ساعدني على ذلك عثوري على كتابين عن بلاشير، (ريجيس بلاشير) تأليف الكاتب المغربي حسين الواد ، و(أثر المستشرق الفرنسي ريجيس بلاشير في الدراسات القرآنية ) تأليف الكاتبة العراقية رقيّة حيدر طاهر القاضي .
ولكن… ما سر عشق بلاشير للغة العربية وللأدب العربي!؟
ولد ريجيس بلاشير في حي مونروج بباريس عام 1900. وانتقل مع والديه إلى المغرب عام 1915، حينما كانت المغرب تحت الحماية الفرنسية. وكان والده موظفاً في الإدارة الفرنسية. انتسب ريجيس إلى مدرسة (مَوْلاي يوسف) بالرباط، وتعلم فيها اللغة العربية ، ثم التحق بكلية العلوم الإنسانية بجامعة الجزائر. وبعد تخرجه عام 1922، عاد إلى المغرب ليعمل مدرساً في مدرسة (مولاي يوسف) التي تعلم فيها، والطريف في الأمر أنه عاد لِيُدَرِّس اللغة العربية. وكان خلال دراسته قد أتقن اللغة العربية إتقاناً تاماً. ثم عمل في معهد (الدراسات العليا المغربية).
اهتمام بالأدب العربي
في عام 1934 ظهر اهتمامه جلياً بالأدب العربي، حينما حصل على شهادة الدكتوراه بأطروحة عن الشاعر العباسي أبي الطيب المتنبي. وإثرها عُيِّنَ أستاذاً للغة العربية في (المدرسة الوطنية للغات الشرقية). وفي عام 1936 أصبح أستاذ كرسي اللغة العربية وآدابها في جامعة السوربون، واستمر فيها حتى تقاعده عام 1970.
وفي خط موازٍ لعمله في التدريس، تولى بلاشير إدارة (معهد الدراسات الإسلامية)، وشَكَّلَ عام 1956 (جمعية النهوض بالدراسات الإسلامية)، وعام 1962(معهد المعجمية العربية). ونظراً لخدماته الجُلى للغة العربية وآدابها، منحه المجمع العلمي العربي بدمشق (مجمع اللغة العربية اليوم) مرتبة عضو شرف فيه.
أحب بلاشير اللغة العربية وآدابها، وأحب أهلها العرب. لذلك وقف مع حركات التحرر العربي التي انطلقت في سوريا وتونس والمغرب ضد الاحتلال الفرنسي. وفي عام 1954 صَرَّحَ قائلاً (إنه لا يرى لتعقّد المسألة التي تطرحها بلدان ما وراء البحار “يقصد المستعمرات” وتشعبها ودقتها إلا حلاً واحداً هو الاستقلال).
مؤلفات
توزعت مؤلفات ريجيس بلاشير عن الأدب العربي والدراسات الإسلامية في ثلاثة اتجاهات :
– التأليف باللغة الفرنسية : وضع فيها العديد من الكتب، من أهمها كتابه الضخم (تاريخ الأدب العربي من بدايته إلى القرن الخامس عشر ميلادياً) في ثلاثة أجزاء، وترجمه إلى العربية الدكتور إبراهيم الكيلاني، وأصدرته دار الفكر بدمشق عام 1965. وكتاب (أبو الطيب المتنبي – دراسة في التاريخ الأدبي) ترجمه إلى العربية الدكتور إبراهيم الكيلاني، وأصدرته دار الفكر بدمشق عام 1985. كما نشر الكثير من الدراسات عن الشعراء العرب من مختلف العصور في كبريات المجلات الفرنسية.
– التأليف باللغة العربية : وضع فيها العديد من الكتب، منها كتاب (شاعر عربي من القرن الرابع الهجري – أبو الطيب المتنبي) و(نحو العربية الفصحى) الذي ألفه بلاشير بالتشارك مع جودفري دي مونبين.
– الترجمة من العربية إلى الفرنسية : من الكتب التي ترجمها عن العربية (طبقات الأمم) لابن صاعد الأندلسي، كما ترجم القرآن الكريم ، ووضع عنه كتاب (القرآن…نزوله وتدوينه وترجمته وتأثيره)، ترجمه إلى العربية رضا سعادة، وصدر عن دار الكتاب اللبناني عام 1974.
وهكذا غدت مؤلفات بلاشير مراجع للباحثين والدارسين في اللغة العربية وآدابها وفي التراث العربي الإسلامي بصورة عامة.