الحرية – زهير المحمد:
عند الحديث عن زواج القاصرات، فإننا لا نتطرق فقط إلى قضية اجتماعية، بل نفتح ملفًا قانونيًا وإنسانيًا حساسًا. هذا النوع من الزواج يُعدّ انتهاكًا لحقوق الطفلة في النضوج، التعليم، والاختيار، وغالبًا ما يتم بسبب الفقر، الجهل أو التقاليد.
استثناء قانوني يفتح باب الانتهاكات
في محاضرة ألقاها بالمركز الثقافي العربي في العدوي أمس، أوضح المحامي أحمد الحناوي أن المادة (16) من قانون الأحوال الشخصية تنص على أن:
“يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين، وأتمّا الثامنة عشرة من العمر.”
لكن المادة (18) تفتح باب الاستثناء، حيث تسمح بزواج من أتم الخامسة عشرة من العمر، إذا ادعى البلوغ، بشرط أن يُثبت القاضي “صدق دعواه ومصلحته في الزواج”.
هذا الاستثناء القانوني يُعد ثغرة تستغل كثيرًا، ويُعيد فتح الباب أمام زواج القاصرات تحت مسمى قانوني، رغم أن القانون نفسه يرفع السن الرسمي للزواج إلى 18 عامًا.
عقد الزواج دون إذن القاضي: زواج باطل
أشار الحناوي إلى أن زواج القاصر لا يُعقد قانونيًا إلا بإذن القاضي الشرعي، وبعد التحقق من:
رضا الفتاة.
اكتمال الأهلية الجسدية.
وفي حال تم الزواج دون إذن القاضي، يعدّ العقد باطلًا ولا تترتب عليه آثار قانونية مثل النسب، النفقة أو الإرث.
العقوبات القانونية في قانون العقوبات السوري
الحناوي استعرض العقوبات التي يفرضها قانون العقوبات السوري على من يشارك في تزويج قاصر:
من يعقد زواج قاصر “بكر” دون إذن وليها: الحبس من شهر إلى ستة أشهر إضافة إلى غرامة مالية.
عقد الزواج خارج المحكمة بموافقة الولي: غرامة من 25 ألفاً إلى 50 ألف ليرة سورية.
تشديد العقوبة على رجل الدين الذي يعقد الزواج دون استيفاء الشروط (شاهدين، انتهاء العدة): حبس من سنة إلى سنتين مع غرامة مالية.
في حال حدوث ضرر أو أذى جسدي: عقوبة قد تصل إلى السجن لعدة سنوات، وفق مواد الجرائم الجنسية ضد القاصرات.
الزواج المبكر: حرمان من الطفولة والتعليم
أكد الحناوي أن زواج القاصرات ليس زواجًا ناضجًا، بل هو:
حرمان مبكر من الطفولة والتعليم.
مسبب رئيسي للطلاق المبكر أو العنف الأسري.
ينتج عنه أمهات صغيرات غير قادرات على تربية أطفالهن أو حماية أنفسهن.
يؤدي لاضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والعزلة.
حلول مقترحة للحد من زواج القاصرات
دّم المحامي أحمد الحناوي مجموعة من الحلول القانونية والمجتمعية، منها:
1. تقييد الاستثناء في المادة (18)، وربطه بفحص طبي ونفسي صارم.
2. تغليظ العقوبات على من يُشارك في تزويج القاصرات خارج إطار القانون.
3. حملات توعية مجتمعية تؤكد أن الزواج مسؤولية، وليس مجرد سن.
4. تمكين الفتيات اقتصاديًا وتعليميًا، فالعلم والاستقلال أدوات فاعلة ضد الجهل والزواج القسري.
الوعي والقانون حماية للمجتمع
ختم الحناوي محاضرته بالتأكيد على أن: “زواج القاصرات ليس فقط مسألة أخلاقية، بل جريمة مقنّعة ضد الطفولة، تمس روح القانون وروح الإنسان معًا.”
وأضاف أن حماية الطفلة من الزواج المبكر تعني حماية المجتمع من الجهل، العنف والحرمان. فالقانون وحده لا يكفي، والوعي وحده لا يكفي، لكن اجتماعهما هو السبيل إلى بناء مجتمع عادل يحترم إنسانية بناته.