الحرية – مها سلطان :
لا تزال زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى روسيا تستقطب مزيداً من الاهتمام والترقب لكل ما يصدر من تصريحات سواء من الجانب السوري أو من الجانب الروسي.
حتى الآن، ورغم كل ما يُنشر من تصريحات وتحليلات، فإن الزيارة تكاد لا تخرج عن الخطوط العامة المُعلنة، للقاء بين الرئيسين أحمد الشرع وفلاديمير بوتين ثم المباحثات الموسعة.. أما التفاصيل فهي تحتاج إلى مزيد من الوقت.
وعندما نقول خطوطاً عامة، فإننا نعني أن زيارة الرئيس الشرع إلى روسيا، شأنها شأن كل الزيارات واللقاءات الرسمية، التي تكون على مستوى القمة، أو التي تكون ذات حضور مؤثر على مستوى مناطق وأقاليم..
.. وبالتالي فإن المسار العام لا يقلل من أهمية زيارة الرئيس الشرع لروسيا، بقدر ما يعني أن إخراج جميع التفاصيل والتفاهمات يحتاج إلى وقت، هذا عدا عن أن التفاهمات ما بين سوريا وروسيا – في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد – لم تكتمل بعد، وعليه قد لا يكون من المفيد إخراج التفاصيل.
– الحاجات والمقتضيات
مع ذلك فإن الخطوط العامة تكشف الكثير، وتسمح للمحللين والمراقبين باستنتاج بعض التفاصيل والبناء عليها للوصول إلى النقطة الأقرب لحقيقة ما دار من مباحثات وتفاهمات بين الرئيسين الشرع وبوتين.
هناك اتفاق عام على أن لقاء الشرع- بوتين فتح الأبواب كاملة على تغيير جذري في العلاقات وأن المشهد في الكرملين/موسكو كان إيجابياً ومشجعاً
عملياً هناك اتفاق عام على أن لقاء الشرع- بوتين فتح الأبواب كاملة على تغيير جذري في العلاقات السورية – الروسية، وأن المشهد في الكرملين/موسكو كان إيجابياً ومشجعاً.. وإذا ما أخذنا «البرغماتية» التي كانت حاضرة والتي فتحت طاولة البحث على مناقشة كل القضايا بتفاصيلها الكبيرة والصغيرة، العاجلة والآجلة، فإن زيارة الشرع إلى روسيا هي زيارة ناجحة، وستتكفل الأيام المقبلة بكشف جوانب النجاح إلى جانب جوانب أخرى لن نقول عنها «جوانب فشل» بقدر ما هي جوانب مؤجلة وفق مبداً «يُبنى على الشيء مقتضاه».
ولا يخفى أن الحديث عن بناء علاقات بين دولتين، أو استعادة/تطبيع/ العلاقات بينهما، لا يكون بين يوم وآخر، بل هو عملية تراكمية تُبنى على الحاجات والمقتضيات، فكيف ونحن نتحدث عن إعادة تعريف لعلاقات مستمرة منذ ثمانية عقود، على قواعد التبعية والإلغاء، وهذا يحتاج إلى إعادة بناء وعلى كل المسارات.
زيارة الرئيس الشرع إلى روسيا لم تكن من فراغ.. الدوافع والأهداف كانت واضحة.. الأمر نفسه ينطبق على روسيا عندما دعت (وألحت) في طلب زيارة الشرع
وفي السياق، كان من الطبيعي إن تستدعي زيارة الرئيس الشرع إلى روسيا، سؤالاً حول إذا ما كان الرئيس بوتين سيزور سوريا بدوره. ورداً على السؤال قال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف إن احتمال الزيارة لم يُناقش خلال المباحثات. مضيفاً: تمت مناقشة كل شيء، بما في ذلك موضوع القواعد الروسية.
لكن هذا الرد لا يلغي احتمال زيارة الرئيس بوتين لسوريا في حال استدعت الضرورات ومقتضياتها.
– الواقعية السياسية
اللافت في مجمل التحركات السورية – الروسية لإعادة تعريف العلاقات هو الواقعية السياسية التي تتسم بها منذ البداية ما بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول الماضي.
صحيح أن روسيا كانت الطرف المُبادر والمُلح في المبادرة، إلا أن سوريا بدورها ترى أن لها مصلحة في استمرار العلاقة مع روسيا على نحو متوازن وبما يحقق لها الكثير من المصالح الاقتصادية والأمنية في منطقة تعيش مخاض تحولات كبرى، وتنعكس بصورة مباشرة على سوريا.
روسيا تستطيع تقديم الكثير في مسألة إعادة إعمار سوريا وعلى مستوى الأمن ومواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، وعلى مستوى تعزيز الموقع والمكانة وامتلاك أوراق قوة في الإقليم.
بدورها روسيا تحتاج سوريا على المستوى الثنائي/الاقتصادي والأمني، وعلى مستوى المنطقة وبالمسارات نفسها للدولة السورية، وإن كان لروسيا أهداف أبعد وأوسع..
البراغماتية التي يتعامل بها الرئيسان الشرع وبوتين مع القضايا المعقدة والصعبة ستُمكنهما لاحقاً من إيجاد صيغ تحقق الأهداف والمصالح المشتركة
.. وعليه فإن زيارة الرئيس الشرع إلى روسيا لم تكن من فراغ. الدوافع والأهداف كانت واضحة.. الأمر نفسه ينطبق على روسيا عندما دعت (وألحت) في طلب زيارة الشرع لبحث الملفات وتطبيع العلاقات.. كل من الرئيسين الشرع وبوتين يتعاملان بالواقعية السياسية نفسها لتذليل التحديات، أو كما يقول المحللون (تقليل عدد وحجم الأعداء إذا لم يكونا قادرين على تصفيرهم).
من هنا يتم التركيز على إن إعادة تعريف العلاقات ستكون على المستويين الأمني والاقتصادي، أي ما يتعلق بإعادة الإعمار، وصياغة دور جديد للقواعد الروسية في سوريا بما يتماشى مع ظروف سوريا الجديدة، بامتدادات إقليمية.
– تجاوز الماضي
ورغم أن الحديث الغالب هو عن صعوبة تصور بناء علاقات جديدة بين سوريا وروسيا في ظل كل التحولات التي تجري، على مستوى المنطقة والعالم (الصراع الغربي مع روسيا وإيران) إلا أن الواقعية السياسية تفتح مسارات بلا حدود، وبما يُمكّن الشرع وبوتين من إيجاد صيغ تحقق الأهداف والمصالح وتراعي في الوقت نفسه التموضع الجديد لسوريا… والأهم أن تتجاوز هذه الصيغ مخلفات الماضي، وهذا ما يتم العمل عليه بصورة أساسية للانطلاق نحو بناء علاقات جديدة صحيحة ومتوازنة.