الحرّية – مها سلطان:
هل أراد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يُمهّد بنفسه، ومبكراً، لزيارة ناجحة للرئيس أحمد الشرع؟ بمعنى أنه أراد مسبقاً حسم التوقعات والتحليلات باتجاه أن الزيارة ستكون بالتأكيد ذات فعالية وتأثير، وأنه سيتم خلالها وضع النقاط على الحروف بالنسبة لكثير من القضايا العالقة والمُعلّقة بالنسبة لسوريا، وما يرتبط بها إقليمياً. هذا على الأقل ما يمكن قراءته – مبدئياً – من خلال إشادة ترامب بـ«العمل الجاد والجيد للغاية» للرئيس الشرع في إدارة شؤون سوريا، متناولاً مسألة العقوبات تحديداً، حيث أعاد التأكيد على أن «رفع العقوبات جاء بهدف منح الحكومة السورية فرصة للبقاء والانخراط في العملية السياسية». وقال ترامب في تصريحات صحفية اليوم الاثنين على متن الطائرة الرئاسية: «الرئيس السوري قد يأتي إلى البيت الأبيض، إنه يعمل بجد».
ومن المتوقع أن يزور الرئيس الشرع واشنطن في 10 تشرين الثاني الجاري، حيث سيلتقي الرئيس ترامب، إلى جانب لقاءات أخرى في الكونغرس، في ظل استعداد مجلس النواب لتصويت نهائي على إلغاء عقوبات قانون قيصر، تمهيداً لتوقيعه من قبل ترامب قبل نهاية العام.
إعادة بناء
وكان وزير الخارجية أسعد الشيباني قد أعلن أمس الأحد، خلال كلمة له في منتدى حوار المنامة/ البحرين، عن هذه الزيارة التي وصفها بأنها تاريخية، إذ تُعدّ الأولى لرئيس سوري منذ أكثر من سبعين عاماً، مشيراً إلى أنها ستشكّل محطة مهمة في إعادة بناء العلاقات بين دمشق وواشنطن.
وأضاف الشيباني أن المباحثات ستتناول ملفات رفع العقوبات وفتح صفحة جديدة في العلاقات، مؤكداً رغبة دمشق في إقامة شراكة قوية جداً بين سوريا والولايات المتحدة. وقال: «لا نريد أن تكون سوريا مركزاً للاستقطاب، وإنما أن تكون على مسافة واحدة من الجميع، وتقيم علاقاتها على التعاون والانفتاح، مع مدّ يدها للحلفاء والأصدقاء في المنطقة بما يعود بالنفع على الجميع».
وأكد أن «الحكومة السورية واجهت تحديات عديدة خلال الفترة الماضية، لكنها لم تستسلم»، وهي ملتزمة بتحقيق «السلم الأهلي وتعزيز العدالة، مع التأكيد على أن العقوبات الدولية لم تعد مبرّرة».
جدول الأعمال عملياً، كشفت كلمة الشيباني عن المسار الأهم لزيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن ولقائه ترامب، وهو رفع العقوبات بصورة نهائية. فمع انتظام الحياة السياسية والتشريعية في سوريا، ومع ما تبذله الحكومة بصورة متواصلة ومكثفة لتحقيق السلم الأهلي وتعزيز العدالة، فإن مبررات العقوبات لم تعد قائمة، والحديث هنا عن قانون قيصر، وعقوباته الأشد صرامة وشدة من بين جميع العقوبات التي كانت مفروضة على سوريا في عهد النظام السابق، والتي تم إلغاؤها جميعاً باستثناء قانون قيصر.
– إدارة ترامب تهيّئ مسبقاً الأرضية لنجاح الزيارة عبر سلسلة إجراءات، خصوصاً على مستوى إلغاء قانون قيصر، بالتوازي مع إشادة ترامب بإدارة الرئيس الشرع لشؤون سوريا
وفي الفترة الماضية، ركّزت وسائل إعلام أميركية وأوروبية على عدة تطورات بدت الإدارة الأميركية من خلالها وكأنها تهيّئ الأرضية لزيارة الرئيس الشرع، وفق هذه الوسائل، منها صحيفة نيويورك تايمز وموقع أكسيوس، مشيرة خصوصاً إلى سحب ترشيح جويل رايبورن لمنصب معاون وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بعد تعثّره في لجنة العلاقات الخارجية، في إشارة إلى رغبة الإدارة في ضخّ وجوه جديدة تتلاءم مع نهج الانفتاح على دمشق، بعد سنوات مثّل فيها رايبورن رمزاً لسياسة العقوبات، و«جويل رايبورن هو مؤرخ وباحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط، ودبلوماسي وضابط عسكري سابق، وشغل منصب المبعوث الأميركي الخاص لسوريا ما بين عامي 2018 و2021».
وتضغط إدارة ترامب بصورة مكثفة لإلغاء قانون قيصر عبر إدراج ذلك في مشروع قانون الدفاع الوطني، مع ترك القرار النهائي للكونغرس، وكان هذا، بحسب المحللين، علامة بارزة على تبدّل المزاج السياسي واستعداد الإدارة الأميركية لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع سوريا، وسائل الإعلام نفسها تحدثت عن تطورات موازية على الجانب السوري، على المستوى العسكري والأمني، تأتي في إطار التحضير والتمهيد لأن تكون زيارة الرئيس الشرع ناجحة، وبما يعود بأكبر المنافع لسوريا.
وكانت صحيفة بوليتكو الأميركية قد نقلت أمس الأول عن مسؤول أميركي في البيت الأبيض تأكيده أن هذه الزيارة «خطوة هامة جديدة في جهود الإدارة لتعزيز العلاقات مع دمشق»، مؤكداً أنها تمثل «تحوّلاً بارزاً بالنسبة للشرع».
العلاقات الثنائية
المسار الثاني، الذي تحدث عنه الشيباني، هو العلاقات السورية الأميركية وإعادة بنائها، وفق إعادة تعريف موقع ودور ومكانة سوريا في النظام الدولي. ومن هنا يتّسع الحديث عن «اتفاق أمني» سيتم توقيعه خلال الزيارة، متعلق بانضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش.
وكان المبعوث الأميركي توم براك قد تطرّق إليه خلال كلمته في منتدى حوار المنامة آنف الذكر، قائلاً: «إن سوريا ستنضم إلى 88 دولة في التحالف، الذي تأسس في عام 2014 لمحاربة التنظيم المتطرف»، مؤكداً أن هذه الخطوة تمثل «تحولاً تاريخياً في العلاقات بين دمشق وواشنطن»، على حدّ قوله، وحسب المراقبين، فإن هذا التحالف يعيش مرحلة انتقالية مع استكمال إعادة التموضع في العراق، إذ لم يعد ممكناً الاكتفاء بترتيبات محدودة، وأنه لا بد من إطار قانوني عملي واضح.
– الانتهاكات الإسرائيلية ستكون حاضرة في الزيارة، حيث تتّسع التقارير المتداولة حول اتفاق محتمل يضبط هذه الانتهاكات باتجاه ترتيبات أمنية إقليمية أوسع وأوضح في إطارها العملي
الانتهاكات الإسرائيلية
المسار الثالث، وهو الانتهاكات الإسرائيلية، يُعدّ مساراً ضاغطاً مع تصاعدها واتخاذها أبعاداً ميدانية خطيرة، ولا شك أن هذه الانتهاكات ستكون ملفاً رئيسياً، خصوصاً وأنه بالأساس هناك مفاوضات في سبيل الوصول إلى اتفاق يضبط هذه الانتهاكات، وكان موقع أكسيوس الأميركي قد نقل قبل أيام عن براك قوله: «إن واشنطن تريد التوصل إلى اتفاق أمني حدودي بين سوريا وإسرائيل بحلول نهاية العام الجاري»، وعليه، فإن زيارة الشرع لواشنطن تحظى باهتمام إقليمي دولي واسع، نظراً لما قد يخرج عنها من نتائج على المستويين السياسي والأمني، تضع المنطقة أمام مرحلة جديدة من التوازنات في الحضور والنفوذ، فهذه الزيارة – التي توصف بأنها مشهد غير مسبوق في تاريخ العلاقات السورية الأميركية – ليست مجرد انعطافة حادة في تاريخ المنطقة، بل هي إعادة تموضع كامل لسوريا على الخريطة السياسية الدولية، وسيكون لذلك منعكسات مباشرة خلال المرحلة المقبلة.
– توصف الزيارة بأنها مشهد غير مسبوق في تاريخ العلاقات السورية الأميركية، فهي ليست مجرد انعطافة حادة في تاريخ المنطقة، بل هي إعادة تموضع كامل لسوريا على الخريطة السياسية الدولية
اللقاء الثالث
يُشار إلى أن زيارة الرئيس الشرع للولايات المتحدة هي الثانية له، بعد زيارة سابقة في أيلول الماضي لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وعلى مستوى اللقاءات، فإن هذا اللقاء هو الثالث بينه وبين ترامب، بعد لقاءين سابقين في أيار الماضي وفي أيلول الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العامة.