الحرية – مها سلطان:
مرة أخرى انشغل العالم باتصال هاتفي جديد بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. ورغم أن أوكرانيا هي الملف الأساسي إلا أن بقية العالم معني أيضاً، فأي اتصال أو لقاء أميركي- روسي لا بد أن يكون كل العالم حاضراً فيه بقضاياه الرئيسية المعروفة، التي هي محط صراعات واضطرابات، نصفها على الأقل بين أميركا وروسيا.
زيارة الشرع لموسكو هي ضمن أهم التطورات على مستوى العلاقة مع روسيا وعلى مستوى التحولات في المنطقة فأي موقع حجزته ضمن اتصال ترامب – بوتين؟
السوريون انشغلوا- بدورهم – بهذا الاتصال على قاعدة سؤال استدعاه التوقيت، لناحية أن الاتصال الهاتفي ما بين ترامب وبوتين جاء غداة زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى روسيا ومباحثاته الموسعة مع الرئيس بوتين. فهل كانت الزيارة والمباحثات حاضرة، بمعنى هل كان لسوريا وتطوراتها مساحة ضمن ذلك الاتصال؟
– زيارة واتصال
صحيح أن المنطقة شهدت تطورات مهمة جداً في الأيام الماضية، آخرها توقيع اتفاق سلام ينهي حرب غزة.. وصحيح أن إيران تحجز مكاناً بارزاً.. وصحيح أن الصين هي ملف متقدم بصورة ساخنة دائماً.. مضافاً لذلك الهند والبرازيل وفنزويلا.. الخ، إلا أن زيارة الرئيس الشرع إلى روسيا ولقاءه الرئيس بوتين هي:
زيارة الشرع لروسيا جاءت ضمن سياسة الانفتاح الهادئ غير القائم على الانتظار طويل الأمد أو الارتباط – دون فكاك – بقضايا إقليمية ودولية
– أولاً ضمن أهم التطورات سواء على مستوى العلاقات السورية الروسية أو على مستوى التحولات في المنطقة، وصولاً إلى علاقتها المؤثرة بلا شك على مسار تطور العلاقات الأميركية السورية وفق التموضع الجديد لسوريا.
– وهي ثانياً، مرتبطة بملف إعادة الإعمار والعقوبات الأميركية، فهي لناحية التوقيت تأتي فيما يُنتظر أن يصوّت مجلس النواب الأميركي على إلغاء قانون قيصر بصورة نهائية تمهيداً لتوقيع ترامب عليه، ليدخل بعدها حيز التنفيذ مع بداية العمل المقبل..
وهي لناحية الرسائل من ورائها، تأكيد جديد على مسار الانفتاح على الجميع الذي تبديه القيادة السورية في إطار تحالفات واقعية لا تقوم على الانحياز، ولا على التبعية، بل على الضرورة السياسية والأولويات والحاجات الفعلية لتحقيق التنمية والنهوض.
– الانفتاح الهادئ
– وهي ثالثاً ضمن سياسة الانفتاح الهادئ، لكنه في الوقت ذاته ليس ذلك الهدوء القائم على الانتظار طويل الأمد، ولا على الارتباط الجذري بقضايا أخرى سواء في المنطقة أو دولياً، فسوريا في سباق مع الزمن من جهة، ومع التطورات الكبرى المتلاحقة من جهة أخرى. هنا لا يفيد الانتظار، كما أنه إذا كان من الممكن فك الارتباط مع القضايا الأخرى- ولو مرحلياً- فلماذا الانتظار؟.. وإذا لم تجنِ سوريا سريعاً نتائج انفتاحها وسياساتها الهادئة، فإن الخيارات أمامها ليست قاصرة، ولا قليلة، ولا بد من الاستثمار في جميع الفرص المتاحة والأبواب المفتوحة.
النظرة الروسية الجديدة لسوريا قائمة على الضرورات السياسية والأولويات الفعلية دون انحياز أو تبعية هي ما سعى إليه الشرع ويبدو أن لقاءه مع بوتين حقق الكثير في هذا المجال
.. وعليه فإن زيارة الرئيس الشرع إلى روسيا ولقاءه الرئيس بوتين كان لها بلا شك مساحة ضمن اتصال ترامب – بوتين، خصوصاً وأن مصادر في الكرملين تحدثت عن أن الزيارة تركت أثراً إيجابياً لدى بوتين والمسؤولين الروس. وفي التقدير الروسي فإن زيارة الشرع هي لحظة مهمة لإعادة معايرة دقيقة جداً للعلاقات والمصالح، فروسيا تدرك جيداً أن مرحلة التعاون العسكري التي سادت وطغت بصورة رئيسية خلال ثمانية عقود، مضت، وأن التعاون العسكري دخل مرحلة صياغة جديدة ومختلفة وليست رئيسية على مستوى العلاقات مقابل أن أولويات سوريا الحالية هي للاقتصاد (وطبعاً للتهديدات الأمنية الإسرائيلية حيث سيكون لروسيا دور مهم هنا).
– المسعى السوري
نظرة روسيا لسوريا ما بعد سقوط الأسد هي نظرة مختلفة كلياً، فمن وجهة نظر المحللين الاستراتيجيين فإن روسيا «تسعى إلى نفوذ هادئ طويل الأمد، لا يضع الرهان على أشخاص؛ بل قائم على الحضور داخل مؤسسات الدولة السورية، لا فوقها. وإذا نجح بوتين في تحقيق ذلك، فستكون روسيا شريكاً حقيقيّاً فى استقرار سوريا الجديدة، لا وصيّاً عليها».
هذه النظرة الروسية الجديدة للعلاقات مع سوريا هي ما عمل عليه الرئيس الشرع لتحقيق أعلى مستوى من الفوائد والمصالح لسوريا داخلياً وخارجياً، ويبدو أن زيارته لروسيا صبّت تماماً في هذا المسعى للرئيس الشرع.. وما علينا إلا الانتظار قليلاً لنرى النتائج، وهناك – كما يبدو – مستوى مهم من الإيجابية يدعو إلى التفاؤل.