الحرية: أحمد بوبس:
زيغريد هونكه المستشرقة الألمانية النزيهة، واحدة من المستشرقين الغربيين الذي أنصفوا الحضارة العربية الإسلامية. بل إنها أهم هؤلاء المستشرقين، وقفت وسلاحها قلمها الحر، تتصدى لكل محاولات الإساءة للعرب والإسلام، وانبرت تخطُّ الصفحات التي تُثبت فيها فضل العرب وحضارتهم على الغرب، بل على الإنسانية كلها، لما قدمته من إنجازات علمية، كانت الأساس لنهضة أوروبا الحديثة.
وكان لي شرف الالتقاء بها، وإجراء حوار صحفي معها لجريدة “الثورة”، خلال مشاركتها بندوة (العلم والعمل في بلاد الشام)، والتي أقيمت في البيمارستان النوري بدمشق عام 1983. وفي هذا اللقاء لمست غزارة معارفها عن الحضارة العربية.
ومن هنا بدأ اهتمامي بالإحاطة بها عالمة ومستشرقة ومحبة للعرب وحضارتهم.
ولكن ما المؤثرات التي دفعت زيغريد هونكه للاهتمام بالحضارة العربية وبالإسلام الذي كان وراء تلك النهضة الحضارية الكبيرة؟
أول هذه العوامل النشأة العائلية. فقد كان والدها هاينريش هونكه صاحب دار نشر كبيرة، فنشأت زيغريد بين الكتب التي ساعدتها على تكوين ثقافتها وأفكارها.
وثاني هذه العوامل إقامتها في مدينة طنجة بالمغرب لمدة عامين (1954- 1956).
وخلالها اطلعت عن قرب على الحضارة العربية، والحضارة الأندلسية التي انتقلت بعد سقوط غرناطة إلى دول المغرب العربي، وبشكل خاص دولة المغرب، وخلال إقامتها في المغرب تعلمت اللغة العربية.
العامل الثالث زواجها من المستشرق شولتزا الذي كان يتقن اللغة العربية، ويتعاطف مع الحضارة العربية.
أول كتاب وضعته زيغريد هونكه حمل عنوان (توزيعا الرجل والمرأة)، وحقق انتشاراً محدوداً.
لكن أهم مؤلفاتها وأكثرها شهرة وانتشاراً، كان (شمس العرب تسطع على الغرب) الذي صدر عام 1963، والذي نال شهرة عالمية، وبيع منه أكثر من مليون نسخة، وتُرجم إلى سبع عشرة لغة، منها اللغة العربية.
ويقع الكتاب في /588/ صفحة، ويتألف من سبعة أبواب، أطلقت الكاتبة على كل منها (كتاب).
وبيَّنَ الكتاب تأثير الحضارة العربية في أوروبا، واستعرض إنجازات هذه الحضارة في مختلف فروع العلوم.
وعندما قرأت الكتاب، انتابتني الدهشة من سعة اطلاع الكاتبة على إنجازات الحضارة العربية في مختلف العلوم، وتعرفت على إنجازات جديدة وأسماء علماء عرب، لم أكن قد عرفتهم، رغم قراءاتي الكثيرة في كتب التراث العربي.
الكتاب الثاني لزيغريد هونكه (الله ليس كذلك)، جاء استكمالاً لكتاب (شمس العرب تسطع على الغرب) في الدفاع عن الحضارة العربية.
وفيه تكشف زيف الأحكام المسبقة التي يأخذها الغرب عن الإسلام والحضارة الإسلامية.
ليأتي بعده كتاب (الإبل على بلاط قيصر)، وتتحدث فيه هونكه عن العلاقات التاريخية بين العرب والألمان، وعن تأثيرات الحضارة العربية على الشعب الألماني، كما تعدد الصفات المشتركة بين الشعبين العربي والألماني.
الكتاب الرابع في السياق نفسه (التوجه الأوروبي إلى العرب والإسلام حقيقة قادمة وقدر محتوم)، سعى الكتاب إلى رسم صورة ناصعة للحضارة العربية الإسلامية من وجهة نظر ألمانية.
وتشير فيه إلى القصيدة التي كتبها الشاعر الألماني غوتّه عن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.
وآخر هذ الكتب (العقيدة والمعرفة)، وتتناول فيه الأزمة بين العلم والدين، وتقف عند الصراع بين الكنيسة في أوروبا ورواد الحركة العلمية، بينما تستثني الدين الإسلامي من مثل هذا الصراع الذي حل محله التوافق بين العلم والإيمان.
ففي ظل الإسلام قامت الحضارة العربية التي شعَّ نورها على كل العالم.