سؤال يقلق الفعاليات الإنتاجية والمواطن قبلها.. هل ينجو منتجنا المحلي من إغراق الأسواق بالمنتجات الأجنبية..؟!

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – مركزان الخليل:
الجميع يبحث عن مصير المنتجات المحلية، بين واقع يحمل رافعة جديدة تبحث عن تموضع جديد تسجل فيه خطوات مهمة على صعيد العمل الإنتاجي والتسويق، تحد هويته سلسلة الاتفاقيات الاقتصادية والتنموية التي وقعتها الحكومة مؤخراً، وبين واقع آخر تعيشه صناعتنا الوطنية وقدرتها على استيعاب الصدمة الجديد، وسياسة الانفتاح التي تؤدي إلى إغراق السوق المحلية بمختلف المواد والسلع، منها ما يدخل بصورة قانونية، عبر اتفاقيات التبادل، وأكثرها يدخل بصورة غير نظامية “أي تهريب” وما نراه من منتجات وسلع تغزو أسواقنا المحلية، في المحال التجارية، وأكثرها يفترش الشوارع والأزقة سوقاً له، من خلال بسطات تحمل كل شيء، والقاسم المشترك، سوء عرض، وجودة متدنية، وأسعار “حدث ولا حرج” محققة حالة إغراق جديدة، بل مستمرة لحالة امتدت لسنوات مضت، لكن بصورة مختلفة، الأمر الذي يهدد أسواقنا ومنتجاتنا المحلية “بإغراق الأسواق” وهذا بدوره يحمل الجميع حكومة وجهات خاصة، وحتى الأفراد مسؤولية جديدة لمكافحة هذه الظاهرة، حماية لمنتجنا المحلي من الضياع وسط سياسة تجارية، يتبعها ضعاف النفوس من التجار من جهة، وبين متلاعبين يحملون صفات قانونية وإدارية مهمتهم رعاية ما يحدث، بدليل “البسطات والمحال التجارية” التي تحوي المثير من المواد الاستهلاكية غير المنضبطة، لا من حيث السعر، ولا الجودة أيضاً، وهنا نستطيع القول لا بد من سياسة جديدة تحارب” إغراق أسواقنا، وتحمي مكوناتها”، الأمر الذي يفرض أسئلة كثيرة حول كيفية، تطبيق، هذه الحماية، وما الإجراءات التي تكفل أيضاً حماية منتجاتنا من خطر الإغراق..؟!
والسؤال الأهم حول أسباب غياب منتجات القطاع العام عن الأسواق خلال الفترة الأخيرة؟!

بكر: القطاع العام ضرورة حتمية لمكافحة الإغراق وضابط مهم لإيقاع الأسعار ولا يسمح للشركات الخاصة باحتكار الأسواق والتحكم بكمياتها وأسعارها أيضاً.

أسباب مختلفة

عضو جمعية العلوم الاقتصادية المهندس محمد بكر والخبير في مشكلات القطاع العام، يرى أن صناعة القطاع العام مرت بمراحل مختلفة، منها القوة، وأكثرها حالات ضعف نتيجة بعض السياسات الخاطئة من جهة، وظروف خارجة عن الإدارات وحتى الحكومات المتعاقبة، لكن الفترة الحالية لوحظ غيابها بصورة واضحة، وهذه ليست بالقريبة، هذا التراجع يعود لسنوات مضت، وما ظهر منها، فهو بفعل الحاجة، والحصرية التي كانت تتمتع بها بعض المنتجات، وهذا الأمر يعود لأسباب عديدة في رأي”بكر” في مقدمتها: تدمير الكثير من الشركات وخروج خطوطها الإنتاجية خارج الخدمة، وبعض الشركات تضررت جزئياً، ولكن لم تتمكن من إعادة الشركة إلى العمل بسبب قدم الآلات، وارتفاع تكاليف صيانتها، وعدم جدواها أيضاً.
إلى جانب أسباب أخرى، منها ما يتعلق بالتمويل، حيث إن كلفة الصيانة وتأمين المواد الأولية والتكاليف التشغيلية، كانت غير متوافرة، والموجود تحت تصرف إدارة هذه الشركات، وهناك عدة شركات لم تتوقف خلال الأزمة من 2011 ولغاية التحرير واستمرت بالإنتاج وطرح منتجاتها في الأسواق.

ظروف قسرية

وهنا يرى “بكر” أنه بعد التحرير توقفت كل شركات القطاع العام ومنها الشركات الجيدة، والتي استمرت بالعمل طيلة فترة الأزمة، حيث تم إعطاء العمال إجازات مأجورة وإنهاء تكليف بعض المديرين، بالإضافة إلى ذلك ضياع إدارات هذه الشركات لعدم وجود المرجعية القانونية والإدارية والتمويلية، والجانب المهم يتعلق بعدم وضوح آلية شراء المواد الأولية وآلية البيع، وبذلك اختفت منتجات القطاع العام الصناعي من السوق، بصورة سمحت للجميع رؤية ذلك.

وجهة نظر

بعد تشخيص الأسباب ومعرفة العلل أكد “بكر” محدداً وجهة نظره فيما يحدث، أنه من الضرورة القصوى لحاجة القطاع العام في هذه الظروف، فالقطاع العام ضرورة حتمية لكن يحتاج إلى إعادة هيكلة، من حيث تأمين إدارات كفوءة، وبيئة تشريعية واضحة للشراء، والبيع والتعيين والترفيع وغير ذلك كثير، من تمويل مناسب لشراء خطوط إنتاج جديدة ومتطورة والتخلص من العمالة الزائدة.
لكن هذه لا يلغي دور القطاع العام، بل ما زال يحتفظ بفوائد كثيرة منها على سبيل المثال الالتزام بالمواصفات القياسية أكثر من القطاع الخاص، والالتزام بتسديد الضرائب والرسوم وخاصة الجمارك، كما يعتبر ضابط إيقاع للأسعار، ولا يسمح للشركات الخاصة باحتكار الأسواق والتحكم بالكميات والأسعار، إلى جانب أنه يستطيع القطاع العام تصنيع منتجات بهدف اجتماعي لعدم رغبة القطاع الخاص بإنتاجها لانخفاض ربحيتها.

طباع: تعزيز قوة الإنتاج المحلي من خلال توفير الحوافز المالية والتسهيلات الضريبية من خلال إنشاء صناديق دعم خاصة للصناعات الصغيرة والمتوسطة.

تعزيز قوة الإنتاج

وضمن الإطار ذاته حدد أدهم طباع عضو مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها، خلال حديثه لـ”الحرية” رؤيته لمعالجة إغراق السوق المحلية، وكيفية حماية المنتج الوطني، في ظل حالة الانفتاح الجديدة نحو الأسواق الخارجية، والأهم كيفية الوصول إلى منتج قادر على المنافسة والبقاء في الأسواق بقوة الجودة والسعر المناسب، لا بقوة الحماية، أولى خطوات ذلك، تكمن في تعزيز قوة الإنتاج المحلي، عن طريق دعم الصناعات المحلية، من خلال توفير الحوافز المالية، والتسهيلات الضريبية، وهذا يتم من خلال إنشاء صناديق دعم خاصة للصناعات الصغيرة والمتوسطة.

الابتكار والكفاءة

إلى جانب هذه الخطوة في رأي “طباع” تحسين جودة المنتجات من خلال تحسين جودة المنتجات المحلية، لتنافس المنتجات المستوردة، وذلك من خلال التدريب والتطوير المهني للعاملين في القطاع الصناعي، إضافة إلى تشجيع الابتكار عن طريق دعم البحث والتطوير، وتقديم المنح للمشاريع التي تنطوي على ابتكارات جديدة، على اعتبار أن الابتكار يمكن أن يسهم في تحسين الكفاءة وزيادة التنافسية، مع ضرورة تعزيز الشراكة بين الحكومة، والقطاع الخاص لتوفير دعم أكبر للصناعات المحلية، سواء من ناحية التمويل، أو من ناحية التصنيع والتوزيع.

ترويج وتوعية

وتنشيط ذلك يحتاج بالضرورة إلى إجراءات أخرى مكملة لما سبق، منها حسب “طباع” العمل على تسويق المنتجات محلياً ودولياً، ومن خلال وضع خطط تسويقية، تتضمن المشاركة في المعارض المحلية والدولية، لتعزيز الوعي بالمنتجات المحلية، وحماية السوق المحلي عن طريق وضع قوانين، لمراعاة المنتج المحلي في المشتريات الحكومية، وكذلك فرض رسوم أو قيود على المنتجات المستوردة التي تؤثر سلباً في الصناعات المحلية، دون أن نتجاهل عملية الترويج للمنتجات المحلية، وتنفيذ حملات توعية لتشجيع الاستهلاك المحلي والتأكيد على أهمية دعم الصناعات الوطنية.

حوامل الطاقة

لكن ما ذكرناه خطوات مهمة، ونحتاجها جداً في هذه المرحلة، لكن بالمقابل هناك الأهم باعتباره هو الحامل لكل الخطوات المذكورة، وفي نظر “طباع” ونظر الجميع الموضوع يتعلق بحوامل الطاقة وضرورة توفير حوامل الطاقة بأسعار تعادل أسعار دول الجوار مثلاً الكهربا ء بمصر حوالي ٣ سنتات للكيلو واط الواحد، ولدينا حوالي ٢٣٥٠ ليرة، ما يعادل حوالي ٢٥ سنتاً، وفي تركيا والأردن حوالي ١٠ سنتات وأسعار الفيول والمازوت لدينا أغلى من كل دول الجوار..
ولا يفوتنا إجراء لا يقل أهمية عن ذلك، يكمن في فحص المواد المستوردة، لتبيان مدى مطابقتها للمواصفات القياسية السورية والعالمية، ومثال على ذلك أغلب الأقمشة والألبسة التي تستورد لسوريا، لا تفحص في المنافذ الحدودية لمدى مطابقتها السلامة وصحة الإنسان، كونها ممكن أن تحتوي على مواد كيميائيه مسرطنة، وضارة للإنسان وخصوصاً الألبسة الداخلية والأطفال..
والإجراء الذي يبنى عليه قوام الحماية، يكمن في وجوب وضع رسوم إغراق لمنتجات الدول التي تدفع دعم تصدير، عند القيام بتصدير المنتجات للخارج، مثال على ذلك الصين تدفع لمصدري الأقمشة والألبسة من 5% إلى 15% دعم صادرات وكذلك مصر وتركيا..
وبالتالي الالتزام بما ذكرناه من شأنه أن يكون “إستراتيجية عمل” تساعد في بناء اقتصاد محلي قوي ومستدام، يمكنه مواجهة التحديات الناتجة عن الانفتاح الدولي.

Leave a Comment
آخر الأخبار