ناظم عيد – رئيس التحرير:
نتوجّس -نحن السوريين- من الضحك والفرح المفرط، وإن كانت خصلة غير مستحبّة في موروثنا الشعبي، فقد يكون علينا أن نقلع عنها، وننفض غبار السوداوية التي طالما سكنتنا، ربما ككل هذا الشرق القلق، ولابأس أن نصافح مستقبل هذه البلاد بكثير مع التصالح والثقة، ونطلق العنان للفرح حيث يكون، وللحذر حيث يجب.
مايجري في سوريا اليوم، على صعيد الانفتاح على الآخر وبلورة شراكات استثمارية، هو أشبه بالحلم، لجهة تسارع وتيرة النبوءات والأنباء أولاً ثم الوقائع ثانياً..
وإن كانت حصّة القطاعات الحيوية كالطاقة والنقل البحري والاستثمارات المرتبطة بهما، هي الأكبر حتى الآن، لكن القادم والموعود سيكون أوسع طيفاً.
ماجرى عموماً يرتقي إلى مستوى “الإنجاز”، لأنه ينطوي على مؤشرات إعادة إحياء مباشرة لمقومات وإمكانات وموارد “من ذهب” كانت معطّلة بشكل شبه تام.
على الأرجح يتوافق معنا العارفون بعمق الشأن التنموي على أهمية المنعكس الاستراتيجي لقطاع الطاقة، على كل مسارات التنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية، كما يثمّنون الإنجاز الجديد على مستوى استثمار الجغرافيا السورية والخاصيّة التي إما أن تغمرنا بنعمتها أو ترشقنا بنقمتها، و يبدو أننا التقطنا بداية مسار الخيار الأول، وهذا مدعاة للاطمئنان على الرغم من شحّ المعطيات التي رشحت من هيئة المنافذ البحرية حول تفاصيل دسمة، كان من المهم أن تحظى بتسويق إعلامي أوسع.
فمصطلح الموقع الجغرافي لسوريا طالما كان عبارة عن مجرد فقرة يمرّ عليها الطلاب في مناهجهم المدرسية، أي مصطلح مخصص للحفظ، لا للفهم وطرح التساؤلات الاستطرادية.
اليوم بدأت سوريا باستثمار الجغرافيا فعلاً، وثمة تفاهمات تمت بلورتها مع شركات ودول متعددة، تعد بالارتقاء بسوريا لتكون بالفعل مركز تبادل ومناولة إقليمية.. أو مركزاً لوجستياً كما يحب المتخصصون تسميته، وهو ماكان حلماً مؤجلاً، قرأنا عنه ولم نلمس من تطبيقاته إلا النذر اليسير، وحتى ذلك “اليسير” كان امتيازياً تجري إجراءاته من تحت الطاولات.
لكن.. وعلى الرغم من شغفنا بما يجري، وتوقنا المزمن لامتطاء مركب “الجغرافيا” للوصول إلى مقاصد مشروعة لكل سوري نحو مفازات التنمية والنماء، إلّا أننا لم نستطع – وهذا اعتراف – طرد الهواجس المتعلّقة بكفاءة المفاوض التجاري والاستثماري السوري الرسمي، فقد علّمتنا التجارب أننا دوماً نخلط الوجدانيات بـ”البزنس”، ونستسلم لاعتبارات بروتوكولية على حساب المطلب النفعي “البراغماتي” المشروع.
نتحدث عن تجارب لا مجرد تهيؤات.. ونطمح لأن نكون قد استفدنا من دروس الماضي الكئيب، ونحسن تحصيل ماتستحقه هذه البلاد الغنية بموقعها ومواردها، في كل اتفاقية أو مذكرة تفاهم نبرمها، لأنها ترتب التزامات مديدة، ولنقتنع بأن سوريا الجديدة في موقع قوّة وليس العكس.
هي هواجس قديمة.. حسبنا أن تبددها الوقائع القادمة – والقادم كثير – في بلد يكثّف مساعيه لإعادة بناء وتنظيم واستثمار موارده وقدراته المتهالك منها والمعطّل والمغيّب.