سبب في فشل الكثير من الزيجات.. هل تقود الوحدة إلى اختيارات خاطئة لشريك العمر؟

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- إلهام عثمان:
أسوأ ما قد يعتري أحدنا، هو الشعور بالوحدة، والذي يعد واحداً من أكثر المشاعر الإنسانية عمقاً وتعقيداً، إذ تعبر عن حالة من الانفصال النفسي عن العالم الخارجي، ما ينشئ فراغاً داخلياً قد يدفع الأفراد إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة، فحين يجد الشخص نفسه محاطاً بالوحدة، تتعاظم لديه الحاجة لملء هذا الفراغ، ما يجعل اختيار شريك الحياة يبدو كحل سريع لتجنب الشعور بالانغلاق والفراغ العاطفي، لكن ماذا لو كان الهروب من الوحدة، هو فخ يتربصنا وقد ندفع ثمن الوقوع فيه ما تبقى من وجودنا؟.

البحث عن الأمان
الدكتور في علم الاجتماع عمار الباشا، أستاذ في جامعة خاصة، بين من خلال حديث لصحيفة “الحرية”، أن الوحدة تمثل تحدياً كبيراً يواجه العديد من الأفراد، خاصة في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي شهدتها سوريا، لكن، للأسف تتجلى المشكلة حين يتحول هذا الشعور إلى دافع رئيسي لاختيار شريك الحياة، في ظل البحث عن الأمان والشعور بالقبول، قد يتسرع الأفراد في الدخول في علاقات لا تتناسب مع تطلعاتهم الحقيقية، فتكون النية الطيبة مصحوبة بعواقب وخيمة، حيث يختار البعض شريكاً بناءً على الحاجة إلى الارتباط من دون تقييم ملائم للسمات الشخصية أو القيم المشتركة.

الباشا: قد يتسرع الأفراد في الدخول في علاقات لا تتناسب مع تطلعاتهم الحقيقية، فتكون النية الطيبة مصحوبة بعواقب وخيمة.

من أرض الواقع
وهنا بينت السيدة روان أنها تزوجت تحت ضغط الظروف، ما أدى إلى زواج من غير قناعة، وانتهى زواجها بالطلاق، من جانبها، شعرت سعاد بالوحدة بعد علاقة سابقة، ما دفعها للارتباط بأحمد، لكنها اكتشفت بعد ذلك أن زواجها مضطرب، في حين أضاف الشاب يوسف ذو ٣٨ عاماً، أنه بالرغم من شعوره بالوحدة إلا أن مشروع الزواج مازال يلوح في الأفق.

رغبات آنية
وهنا أوضحت الاختصاصية النفسية رانيا اليوسفي، أن هذه الظاهرة تتجلى بتجارب الأفراد الذين ينغمسون في علاقات سطحية، بينما تتخبط حياتهم في دوامة من المشاعر المتضاربة، هؤلاء الأفراد قد يشعرون بالندم بعد فترة وجيزة، عندما يدركون أن الزواج لم يكن سوى قناعٍ يخفى به الشعور بالوحدة، وأن اختياراتهم كانت مدفوعة برغبات آنية أكثر منها استناداً إلى فهم عميق للشخص الآخر.

المجتمع السوري تأثر بشدة خلال 14 عاماً من الحرب، ما زاد من أهمية البحث عن الأمان العاطفي والاجتماعي.

من جهته بين الباشا، أن المجتمع السوري تأثر بشدة خلال 14 عاماً من الحرب، ما زاد من أهمية البحث عن الأمان العاطفي والاجتماعي.

قرارات متسرعة
كما لفتت اليوسفي إلى أن الوحدة قد تدفع الأفراد لقرارات زواج متسرعة وغير صحية، وشددت على أهمية التعافي الذاتي وتعزيز شبكات الدعم الاجتماعي لتحسين جودة العلاقات، وأن فقدان الأفراد لأسرهم بسبب النزاعات يسهم في تفشي شعور الوحدة، ما يساهم في (زيجات) غير مستقرة. وأكدت أن الارتباط الحقيقي يبدأ بمعرفة الذات لتحسين العلاقات وضمان استدامتها.

اليوسفي:الزواج أحياناً يكون قناعاً يخفى به الشعور بالوحدة، والاختيارات مدفوعة برغبات آنية أكثر منها استناداً إلى فهم عميق للشخص الآخر.

إن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب وعياً أصيلاً بأهمية التعرف على الذات والتعامل مع الوحدة بشكل صحي، هذا ما أكدته اليوسفي حيث ينبغي أن يدرك الأفراد أن الزواج ليس مجرد وسيلة للهروب من الفراغ، بل هو التزام يتطلب التفاهم والرغبة في بناء شراكة قائمة على الاحترام والمودة؛ لذا، يجب العمل على تعزيز العلاقات الإنسانية قبل التفكير في الزواج، ما يتيح فرصة لاختيارات أكثر نضجاً ووضوحاً.

اليوسفي: الارتباط الحقيقي يبدأ بمعرفة الذات لتحسين العلاقات وضمان استدامتها.

معالجة
هنالك طرق فعالة لمعالجة هذه المشكلة، لبناء علاقات صحية ومستدامة، حسب رؤية اليوسفي إذ يجب على الأفراد أن يتعلموا أساليب فعالة للتعايش مع وحدتهم بشكل صحيح، ومن الضروري استثمار الوقت في الأنشطة الاجتماعية، والتواصل مع الآخرين وبناء صداقات جديدة، كما أن ممارسة الرياضة واليوغا يمكن أن تعزز من الشعور بالاستقرار الداخلي وتقلل من مستويات القلق- كما أن تطوير الذات يساعد في تعزيز الثقة بالنفس، وهو أمر بالغ الأهمية أثناء البحث عن شريك الحياة، كما يمكن للعلاج النفسي أن يمثل وسيلة فعالة لفهم العواطف واستكشاف الأسباب الجذرية للشعور بالوحدة- وعند التفكير في اختيار شريك الحياة، يفضل أن تكون الخيارات قائمة على المصداقية ولابد من فهم الميول والقيم المشتركة مع شريك العمر، وهنا شددت على أن يتجاوز الأفراد التفكير في الزواج كوسيلة للهروب من الوحدة، بل ينبغي أن يستند اختيارهم إلى معايير واضحة تشمل التوافق في الأهداف والرغبات من خلال تعزيز الحوار المفتوح من خلال تناول الأفراد مواضيع مهمة، مثل الأهداف والطموحات، في مراحل مبكرة من العلاقة، هذا سيمكنهم من تقييم مدى توافقهم، ما يسهم في بناء شراكة قائمة على التعاون والكثير من الاحترام المتبادل- أما تقدير الذات يعد أحد الأسس الحيوية لاختيار الشريك المناسب، وبالتالي اختيار الشريك الصحيح إذ إن النضج العاطفي والاحترام المتبادل يعتبران ركيزتين أساسيتين لضمان نجاح أي علاقة.

اليوسفي: ينبغي أن يستند اختيارهم إلى معايير واضحة تشمل التوافق في الأهداف والرغبات

وختمت اليوسفي: إن التعامل مع الوحدة واختيار الشريك المناسب يجب أن يكون قائماً على الفهم الجيد للذات، وتعزيز العلاقات الاجتماعية الصحيحة، والاعتماد على القيم والأهداف المشتركة، وبهذا يمكن للأفراد في المجتمع السوري التغلب على تحديات الوحدة وبناء شراكات متينة، ما يسهم في إيجاد مجتمع أكثر تماسكاً واستقراراً.

Leave a Comment
آخر الأخبار