سبعينيي يعيد “الشاخولة” إلى الأضواء في دير الزور

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرّية – عثمان الخلف:
قارب ياسين الكليزي السبعين من العمر، بينما لا تزال “الشاخولة” رفيقة دربه، ولمن لا يعرف الشاخولة آلة نفخية من القصب تشبه الناي، وقد سُميت بهذا الاسم لصوتها الحاد. لها عدة ثقوب تُستخدم لإنتاج درجات السلم الموسيقي، وهي آلة تقليدية مرتبطة بموسيقا وادي الفرات وخلال مشاركته بالأعراس تعرّف على هذه الآلة الموسيقيّة صغيراً، ثم تدرّبَ عليها ليكبر وتكبر معه ويتقن عزفها، فقد كان إحياء حفل عُرسٍ في الريف الديري وحتى مدنها، يُوكل لما كان يُسمى بـ ” الشاعر”، و”الشاعر”هنا صاحب صوتٍ شجي وقدرة على العزف على”شاخولته”، ما بين المواويل التي تكون مديحاً لشخص أو قبيلة، مُترافقة مع العزف، ورغم كل ما طال آلات الموسيقا وحفلات الأعراس من تغييرات، وغلبة المطرب الشعبي، غير أنه لا يزال لالكليزي حضوره المرغوب.

منذ الصغر

كان “ياسين الكليزي” ابن محافظة “ديرالزور”، في سنٍ صغيرة عندما شدته الأعراس في قرية حطلة التي انتقل إليها مع أهله قادماً من ريف محافظة الحسكة، أخذ كنيته التي لا يُعرف إلا بها من عشيرته (الكليزات) وهي أحد أفخاذ قبيلة البقارة، كبرى قبائل الشرق السوري، ولا يُعرف إلا بهذه الكنية، رغم أن كنيته بالبطاقة الشخصيّة هي الحميدي.
وفي الأعراس الشعبيّة تعرف على آلة “الشاخولة “، وهي تُشابه في تركيبتها المزمار، أو “الناي “، بدأ محاولات العزف في سن الرابعة عشرة، بعد أن جمع المال ليشتري “شاخولة “من “(خرجيته) “المدرسيّة التي كان أهله يعطونه إياها.

العازف المُتنقل

كان “الكليزي “حريصاً على حفظ أغاني الأعراس الشعبيّة لبيئة المجتمع الفراتي، من “الموليّا “، و”العايل “وغيرها من أغانٍ تحفظها الذاكرة ، ويُضيف: “حرصت على حفظ الأغاني، سواء منها الطربيّة، أو لغرض الدبكة.
ويتابع قائلاً: “تطورات الحياة وأدواتها طالت الفن وموسيقاه، بات عملنا نادراً، والجيل الجديد يلجأ في الحفلات لمطربين وفرق موسيقيّة، يبقى الكبار هم الحريصون على وجودنا، لذا فنحن مستمرون، كذلك هناك شباب في مجتمعنا لا يحلوا لهم إلا سماع عزف “الشاخولة “، وما يُرافقها من أغانٍ ومواويل، للناس أذواقها محافظات عدة تُشابه دير الزور وعموم الشرق والشمال الشرقي السوري لا يزال لهذه الآلة حضورها فيها، ولا تزال الأعراس لا تُقام إلا بها، يسمونها “المجوز ” ورغم أنني قاربت السبعين من العمر، إلا أنني أعيش متعتي بالعزف والغناء كما لو كنت أعيش بداياتي معها،
ويختم ضاحكاً : “حملي خفيف، لا أحتاج فرقة موسيقيّة، ولا آلات الزمن الراهن ، فقط”شاخولتي” معي ، ولباس عربي من “كلابية “، و “الشماغ والعكال”، هكذا كنت ، وما أزال”.

(الشاخولة ).. بنت الفرات

يرى الباحث في التراث “غسان رمضان ” في حديثه لـ”الحرّية” أنّ العزف على تلك الآلة الموسيقيّة يقتصر على منطقتي الفرات والجزيرة، بمحافظاتها الثلاث، تجدها أيضاً في أرياف حلب أو حماة : “في الغالب من يعزف عليها ، هو أيضاً يؤدي وصلات غنائية، تغلب عليها “المواويل”، فتكون طبقة صوته عاليّة ، وممن أجاد الغناء عليها سابقاً المطرب الراحل محمد الهزاع ، ومن العازفين سليمان الخشم، وآخر اشتهر باسم منسي، أما بالنسبة للفنان ياسين الكليزي فهو لا يزال مواظباً على العزف عليها ، بالتوازي وأدائه الغناء، يمتلك طبقة صوت جميلة، ولديه معرفة بالألوان الفراتيّة، وخامته كما يُقال عذبة، وتحمل (بحة) وشجن الغناء الفراتي.
وأضاف : ” ظلت هذه الآلة وحتى من يعزفها كمهنة خارج دائرة الاهتمام، وكمن يُكرم بعد وفاته من كبار الفنانين، أو الأدباء والشعراء وسواهم، لا يظهر هؤلاء على الإعلام.
فيما يصف العازف في فرقة الفرات الموسيقيّة بسام الجاسم مغنّي وعازفي هذا اللون بآخر أيام الزمن الجميل، حيث البساطة والمحبة، فالناس تجتمع مع حضورهم لتسمع ألوان”العتابا”و “المواويل “، هم من الزمن الذي كان يجمع الفقير والغني، بل وكل طبقات المجتمع ، تعليمياً وثقافياً.. مؤسف أنّ هذه الآلة باتت تختفي، كانت هناك مساعٍ لإدخالها مع الآلات الأخرى بالعزف، ما أعلمه هو أنّ “الكليزي “يكاد يكون العازف الوحيد الذي يُتقنها، إن لم يخب ظني، بل أجزم بأنه لم يبقَ سواه، وهو بارع بهذا الفن، ويمتلك حنجرة جميلة، هذه الآلة تحتاح تدريباً عليها، هذا ولا يزال عازف “الشاخولة” بسنيّه التي قاربت السبعين عاماً، يحملها معه في كل مكان، بها يصنع الفرح والبهجة في ربوع المناطق التي يحلُ بها ، فيما تكثر تسجيلات عزفه في “فيديوهات “على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى باتت ملجأ حنين للمغتربين من أبناء الشرق السوري، عبرها يُفرغون هذا الحنين للفرات، بمياهه، بأشجار الغرب والحور وناسه، وحكايا العجائز.

Leave a Comment
آخر الأخبار