ستصل حصتها إلى 35% من الناتج المحلي.. خبير يقترح استراتيجية وطنية لتعافي الصناعة السورية

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية – سامي عيسى:

في مادة سابقة تحدثنا عن جزء مهم من استراتيجية تعافي الصناعة الوطنية التي وضعها الخبير الاقتصادي الدكتور “فادي عياش” تتضمن سلسلة من الإجراءات لتشكل حالة إنقاذية لمكونات العملية التصنيعية الوطنية القائمة، وتطويرها بما يتماشى مع تطورات الحالة الاقتصادية، ومدة التنفيذ التي حدها الخبير بواقع ثلاث سنوات، وذلك انطلاقاً من النظرة الهامة إلى القطاع الصناعي كركيزة أساسية في تحقيق التنمية وجهود إعادة الإعمار، نظراً للدور الحيوي الذي يلعبه في توفير فرص العمل، ودعم الاقتصاد المحلي، وتوفير بيئة مستقرة وآمنة للمجتمعات، فإن نجاح هذه العملية يعتمد على التزام جميع الأطراف المعنية بتطوير وتعزيز القطاع الصناعي كجزء من تنظيم عملية إعادة البناء الشاملة.

عياش: الصناعة الأكثر قدرة على تجسيد وتعظيم سلاسل القيمة وتحويل المزايا النسبية إلى تنافسية على مستوى الاقتصاد الجزئي والكلي

وهنا يرى الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش أن العودة للاهتمام مجدداً، بإحداث تنمية صناعية شاملة لكل قطاعاتها غاية في الأهمية لاعتبارات عدة أهمها، ما تشكله من عنصر أساسي للاستقرار والتطور الإنساني والاجتماعي، وهي عملية تطور شامل، أو جزئي مستمر، وتتخذ أشكالاً مختلفة تهدف إلى الرقي بالوضع الإنساني إلى الرفاهية والاستقرار والتطور، بما يتوافق مع احتياجاته وإمكانياته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وتعتبر وسيلة الإنسان وغايته.

مفهوم واسع

وبالتالي فالتنمية “بمفهومها” الواسع تعني الجهد الإرادي البشري، الذي يهدف إلى استمرار وتراكم النمو، وزيادته بما يكفي لتحقيق الفائض الرأسمالي، القابل للتوزيع على المجتمع من خلال الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة، والمزايا النسبية بفاعلية عالية، لتحقيق أهداف التنمية بكفاءة واستدامة، بحيث نضمن قدرة الموارد على التجديد الذاتي وضمان حقوق الأجيال القادمة منها.
وفي هذه الحالة يرى “عياش ” القطاع الصناعي، هو القطاع الأكثر قدرة على تجسيد، وتعظيم مفهوم سلاسل القيمة (المضافة والقيمة المضافة الاجتماعية والقيمة المبتكرة) وتحويل المزايا النسبية إلى مزايا تنافسية، على مستوى الاقتصاد الجزئي والكلي، وهذا ما يجعله القطاع الأقدر والأجدر على قيادة التنمية بكل أشكالها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والبيئي، ولذلك يجب أن يكون القطاع الصناعي هو قاطرة النمو وهو رافعة التنمية.
ولتحقيق ذلك لا بد من تضافر جهود قطاع الأعمال الخاص والعام، مع التوجهات الحكومية لبناء استراتيجية تنمية صناعية.

الحروب والنزاعات أدت الى تعطيل سلاسل الإمداد وإغلاق المصانع وتدمير البنية التحتية، كل ذلك يدعو إلى الحاجة الملحة لإعادة الإعمار

متعددة الأهداف

وهذه الاستراتيجية تحمل في طياتها أهدافاً كثيرة، تتعلق بكل اتجاهات العملية الصناعية وتنميتها، وهذه الأهداف تتركز في مجموعة نقاط حددها الباحث الاقتصادي الدكتور “عياش” والتي تندرج ضمن سياسة تنفيذ مدتها ثلاث سنوات، في مقدمتها، تحديد أعلى معدل نمو صناعي ممكن بمعدل 10% – 15% – 20% خلال السنوات الثلاث من الاستراتيجية، ومعدل مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الإجمالي المحلي وزيادته باستمرار وصولاً حتى 35%، إلى جانب تحديد معدل نمو الصادرات الصناعية وزيادة حصتها من إجمالي الصادرات والعمل على زيادتها باستمرار وصولاً إلى 30%، إلى جانب تحقيق الاستدامة من خلال توطين التكنولوجيا والتقنيات المتقدمة المحافظة على البيئة وذات الأثر البيئي الأقل.

شروط ميسرة

والمهم في أهداف الاستراتيجية أيضاً رفع كفاءة تشغيل المدن والمجمعات الصناعية القائمة، وتوجيهها للصناعات المُستهدفة لإحلال الواردات، من خلال عدة آليات، منها تيسير الإجراءات، وتوفير الآليات والأدوات التمويلية اللازمة للمستثمرين بشروط ميسرة، وفتح قنوات التواصل المباشر مع المستثمرين من المجمعات الصناعية، للوقوف على التحديات وسرعة العمل على تذليلها مع الجهات ذات الصلة.
من دون نسيان جانب مهم حدده الباحث في التوسع في الاستثمار وفق مفهوم المناطق وحتى المدن الحرة. لتطبيق نماذج تنموية خاصة يصعب تعميمها، وتشجيع وجذب الاستثمارات لتعميق الصناعة، باستهداف قطاعات صناعية ذات أولوية نمتلك فيها قاعدة تصنيعية، وفرصاً ومزايا تنافسية على المستويين الإقليمي والعالمي، وذلك عبر تقديم حزمة متكاملة من الحوافز والدعم الفني، بما يتلاءم مع احتياجات كل قطاع صناعيّ. وهذا يتطلب:

أولويات تنموية

ولتنفيذ هذا الجانب من قيادة العمل بصورة صحيحة تتجه نحو إجراء مهم يكمن في توطين الصناعة، وتمكين التصنيع المحلي وفق أولويات تنموية قطاعية وبجملة من المحفزات والتسهيلات بما يضمن تحقق المعايير التي حددها “عياش” في نقاط أساسية هي: زيادة التكوين المحلي بما لا يقل عن 40% في الإنتاج النهائي وتطبيق مفاهيم المسؤولية المجتمعية، وتحقيق معدل إحلال بدائل المستوردات، والحماية الذكية للإنتاج المحلي (محددة ومحدودة وذات أولويات تنموية).

التحليل القطاعي

لكن تحقيق هذه الاستراتيجية، وتنفيذ أهدافها خلال المدة الزمنية المحددة بثلاث سنوات، لابد من معرفة الواقع الفعلي للصناعة، حتى نتمكن من إحداث عملية تغيير صحيحة، وهذا بدوره يتطلب عملية التحليل القطاعي التي يقول فيها “عياش”: إن “إعلان ليما” الفقرة الثانية منه تنص على التوجه نحو تنمية صناعية شاملة للجميع ومستدامة“، والذي اعتمد في كانون الأول/ ديسمبر 2013، أهمية التنمية الصناعية المستدامة والشاملة للجميع، كأساس للنمو الاقتصادي المستدام ” التصنيع هو محرك للتنمية، ذلك أن الصناعة تزيد في الإنتاجية، وفي إيجاد فرص العمل وتدر الدخل، ما يساهم في القضاء على الفقر والتوجه إلى تحقيق الأهداف الإنمائية الأخرى، كما يساهم في إتاحة الفرص للإدماج الاجتماعي الشامل، بما في ذلك المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات وتهيئة فرص عمل لائقة للشباب”.

نزاعات مستمرة

وبالعودة الى القطاع الصناعي في سوريا الذي يعتبر أحد أبرز المحاور التي تأثرت بشدة من جراء النزاعات المستمرة منذ أكثر من عقد، لقد تعرضت العديد من المنشآت الصناعية للتدمير أو التدهور، ما أثر بشكل كبير على القدرة الإنتاجية والاقتصادية للبلاد، تعكس الوضعية الحالية للقطاع الصناعي آثار الحرب، حيث اندلعت صراعات متعددة أدت إلى تعطيل سلاسل الإمداد وإغلاق المصانع وتدمير البنية التحتية، هذا السياق يدعو إلى الحاجة الملحة لإعادة الإعمار، حيث إن إحياء الصناعة سيكون ضرورياً لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وهنا تشير التقارير إلى أن العديد من المنشآت الصناعية، كانت قد أغلقت أبوابها، أو تراجعت إنتاجيتها بنسب كبيرة، إذ فقد القطاع فرص العمل التي كانت توفرها لملايين السوريين، بالإضافة إلى ذلك، تعرضت المرافق الحيوية لدمار كبير، ما زاد من تعقيد عملية الانتقال نحو التعافي.
لذلك يرى ” عياش” أنه يجب التركيز على تحديث الصناعة، واستعادة القدرات الإنتاجية، وإشراك الاستثمارات المحلية والدولية، الأمر يتطلب استراتيجيات متكاملة، وشراكات فعالة مع القطاع الخاص..

القطاع الصناعي والتنمية

الحديث عن هذا الجانب مهم جداً حيث يرى “عياش” أن القطاع الصناعي يلعب دوراً محورياً في عملية التنمية وإعادة الإعمار، حيث يُعتبر من العوامل الأساسية التي تساهم في تحفيز النمو الاقتصادي، واستعادة الاستقرار في المجتمعات المتضررة، من خلال إعادة تطوير المنشآت الصناعية، يمكن توفير آلاف فرص العمل، ما يعزز الدخل ويؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة للسكان المحليين.
كما تسهم الصناعات المحلية في تلبية احتياجات السوق، ما يقلل من الاعتماد على الواردات الأجنبية، ويعزز القدرة التنافسية للمنتجات المحلية، ويعزز هذا القطاع من انبعاثات الاتجاهات الاستهلاكية الإيجابية، ويساهم في ايجاد بيئة اقتصادية متوازنة، كما يساعد على تطوير سلاسل الإمداد المحلية، ما يوفر التكاليف ويزيد من فعالية الإنتاج.
وبالتالي أمام كل ذلك لابد من العمل على استعادة الثقة في الصناعات المحلية كونها تعتبر خطوة حاسمة، فالاستثمار في الإمكانيات الصناعية يتطلب دعم السياسات الحكومية والتعاون مع الهيئات الدولية والمحلية، وبذلك، يمكن توجيه الموارد نحو استغلال القدرات الصناعية لتعزيز النمو الاقتصادي وتحفيز الاستثمار.

تحديات اليوم

الخبير الاقتصادي “عياش” يقول: هناك العديد من التحديات التي تقف عائقاً أمام تحقيق الأهداف المنشودة، نذكر منها على سبيل المثال، نقص الموارد المتاحة، حيث يعاني العديد من الصناعيين من شح في المواد الخام اللازمة لعمليات الإنتاج، ما يؤثر على القدرة التنافسية للمنتجات السورية في الأسواق المحلية والعالمية، وارتفاع تكلفة الاستيراد، حيث تؤدي التقلبات في أسعار الصرف والعقوبات الاقتصادية المستمرة إلى تعقيد هذه القضية بشكل أكبر.
من جانب آخر، يشكل الانقطاع في سلاسل الإمداد عاملاً رئيسياً يؤثر سلباً في القطاع الصناعي، لقد أدى عدم الاستقرار الأمني والحصار الاقتصادي إلى صعوبة في الحصول على المكونات الأساسية، والمعدات اللازمة لإعادة التشغيل، حيث تساهم هذه التحديات في تقليص حجم الإنتاج وتخفيض جودة المنتجات النهائية، ما يزيد من صعوبة المنافسة مع الدول الأخرى.

رأي

لذلك تأتي الحاجة إلى استراتيجيات شاملة ومتعددة الأبعاد لدعم الصناعة السورية كأولوية قصوى، حيث يتوجب على الحكومة والمستثمرين والمجتمع المدني التعاون معاً لمعالجة هذه التحديات، وتحفيز النمو المستدام في هذا القطاع الحيوي، من أجل تحقيق عمل نوعي يتماشى مع التطلعات الحكومية القادمة لبناء اقتصاد قوي ومتين قادر على المنافسة والتواجد بقوة مهما كانت طبيعة الظروف.

Leave a Comment
آخر الأخبار