الحرية – عمار الصبح:
ألقى موسم الجفاف، الأسوأ منذ عقود، بظلال كئيبة على واقع زراعة الخضر الصيفية في درعا، في ظل انحسار المياه السطحية وجفاف العديد من الينابيع وانخفاض غزارة الآبار، وبدء تتالي موجات الحر التي باتت شديدة الوطأة وضيفاً ثقيل الظل مع ما تفرضه من تدابير وإجراءات مرهقة.
يتحدث مزارعون عمّا وصفوه بالكارثة الوشيكة التي لم تعد تقتصر تداعياتها على محاصيلهم من الخضر فقط، بل على الوقع الزراعي في المنطقة برمتها. والحديث يدور هنا عن اقتصاد زراعي نما وتطور لعقود من الزمن ويدور في فلكه الآلاف من فرص العمل.
يشرح محمود الرمان، وهو أحد المزارعين في الريف الشمالي للمحافظة في حديثه لصحيفة “الحرية”، كيف قلّص الجفاف غير المسبوق منسوب المياه الجوفية والسطحية بشكل حاد، نتيجة ضعف الهطلات المطرية، فالعديد من الينابيع والآبار لم تعد قادرة، حسب قوله، على تغذية الأراضي الزراعية، إذ خرجت مئات الآبار في الكثير من مناطق المحافظة عن الخدمة، فيما انخفضت غزارة آبار أخرى بشكل كبير، ما اضطر كثيرين إلى زيادة الاعتماد على ما تبقى من الآبار العاملة وبتكاليف مضاعفة في محاولة لإنقاذ محاصيلهم.
ويزداد الأمر صعوبة مع بدء توافد موجات الحر، حيث يشير المزارع إلى أن هذه الموجات تزيد الأمر تعقيداً، مع ما تتطلبه من زيادة في عدد مرات الري لتفادي آثار الحر الزائد وما قد يتسبب به من تلف للمزروعات، ولاسيما للمحصولين الرئيسيين البندورة والبطاطا.
ورغم الوضع المائي المتأزم، والذي من المفترض أن يضغط باتجاه تقليص المساحات المزروعة بالأصناف ذات الاحتياج الكبير من المياه، يصرُّ مزارعو الخضر على التوسع بزراعة محاصيلهم. فوفقاً للأرقام الرسمية، بلغت المساحة المزروعة بمحصول البطاطا الربيعية في درعا خلال الموسم الحالي ١٥٥٧ هكتاراً، متجاوزة الخطة المقررة البالغة ١١٥٠ هكتاراً بنحو ٤٠٧ هكتارات، وبنسبة تنفيذ بلغت ١٣٥ بالمئة، فيما بدأت عمليات زراعة البندورة بعروتها الرئيسية بمساحة تصل إلى ١٣٨٤ هكتاراً.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الزراعي قاسم السعدي أن انخفاض مناسيب المياه الجوفية بفعل الاستنزاف الجائر والحفر العشوائي للآبار الزراعية، بات يهدد بكارثة بيئية باتت ملامحها تلوح في الأفق، حسب وصفه.
ويضيف السعدي: قبل عدة سنوات كان مستوى حفر الآبار للوصول إلى المياه لا يتجاوز في بعض المناطق ٢٠٠ متر فقط، ولكن مع مرور السنوات وعدم تعويض الفاقد المائي، بدأت مناسيب المياه تنخفض، فتعمق الحفر حتى وصل في بعض المناطق إلى ما يقارب ١٠٠٠ متر، مع ما تحتاجه هذه الأعماق من تكاليف باهظة وحفارات تستطيع التعامل مع هذه الارتفاعات.
لافتاً إلى أنه على الرغم من تمرس مزارعي الخضر وانتهاجهم لطرق الري الحديث، تظل أصناف كثيرة من المحاصيل بحاجة إلى كميات كبيرة من المياه، إذ يحتاج الدونم الواحد من البندورة وسطياً إلى ٥٠٠ متر مكعب من المياه في الموسم، وهو رقم كبير في ظل النقص الحاصل بمصادر المياه السطحية والجوفية.
ويرى السعدي أن مؤشر المياه في المحافظة يتجه للخطر، وهذا ما يتطلب وضع خطة طوارىء للتعامل مع المشكلة والتعاطي بحذر مع مسألة التوسع بالزراعات المروية، وإعادة النظر بالخطة الزراعية السنوية على الآبار والتشدد بتطبيقها لحين تعافي مناسيب المياه الجوفية، والاعتماد بشكل رئيسي في الزراعة على الموارد المائية السطحية، بالإضافة إلى تنظيم الزراعات حسب المناطق التي تصلح فيها زراعات معينة ولا تصلح لغيرها.
ويطالب مزارعو الخضر الصيفية الجهات المعنية بالتوسع في عمليات ضخ المياه من بعض السدود في القنيطرة لتشمل عدداً أكبر من السدود في المنطقة، ومنها سدود تسيل وعدوان وسحم الجولان لإنقاذ محاصيلهم، وذلك بعد أن قامت مديرية الموارد المائية في درعا بضخ كميات إسعافية من المياه من بعض سدود محافظة القنيطرة باتجاه سد عابدين في ريف درعا الغربي، بهدف دعم ري المحاصيل الصيفية.
وبالتزامن مع هذه الإجراءات، قامت مديرية الموارد المائية في درعا بإزالة التعديات عن خط الدفع لمحطة ضخ الهرير الأولى بريف درعا الغربي، لضمان وصول مياه الري إلى الشبكات التي تروي مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالمحاصيل والخضراوات، حيث يروي الخط مساحة ألفي هكتار من الأراضي الزراعية صيفاً، ويغذي سدي غربي طفس وعدوان شتاءً.
سدود شبه فارغة وآبار لم تعد كسابق عهدها… شبح الجفاف يلاحق محاصيل الخضر الصيفية في درعا مطالب بزيادة ضخ المياه من سدود القنيطرة لتشمل عدداً أكبر من السدود في درعا

Leave a Comment
Leave a Comment