سكان الحسكة يستهلون العيد بزيارة موتاهم والفقراء والأيتام ومن لا عيد عندهم

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – خليل اقطيني:

مع انبلاج فجر العيد توجه أغلب الحسكاويين إلى المقابر لقراءة الفاتحة على أرواح موتاهم، ومن ثم توجهوا إلى صلاة العيد مشياً على الأقدام، وذهبوا من طريق وعادوا من طريق آخر تيمناً برسول الله (ص)، روى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: كان النبي إِذا كان يوم عيد خالف الطريق.
وبعد العودة من زيارة المقابر والصلاة بدأت العائلة في البيت باستقبال المهنئين من الأهل والجيران والأصدقاء والأقارب، والتمّ شمل العائلة عند كبيرها، الذي لابدّ أن يولم لهم على الغداء وليمة مميزة. مثلما لابد من زيارة الفقراء والمساكين والأيتام ومن لا عيد عندهم بسبب عزاء أو مصاب لمواساتهم. وبعد وليمة الغداء ينفضّ المدعوون كلٌّ إلى بيته، وليواصلوا من هناك معايدة أحبائهم مثلما يستقبلون معايديهم في بيوتهم.

القهوة المرة أولى الضيافات تليها الشاي مع “الكليجة”

وفي العيد يعود الغائبون ويتصالح المتخاصمون وتوصل الأرحام وتتصافى النفوس وتـُنسى الأضغان وتتجدد الروابط الاجتماعية والعائلية.
ولا يحلو العيد إلا بفرح الأطفال بالعيدية والثياب الجديدة، والخروج للهو واللعب في الحدائق والملاهي وركوب الخيل ودخول المطاعم.
أما في الأحياء الشعبية والأرياف فيحمل كلَّ طفل بيده كيساً يضع فيه السكاكر التي يجمعها من البيوت التي يزورها.

أولى الضيافات
الباحث في التراث عايش كليب يبين للحرية أن القهوة المرة العربية مازالت تلازم كل بيت حسكاوي في كل مناسبة ولاسيما الأعياد، وإن كانت أغلبية أهل المدن صاروا يشترونها محمصة من عند بائعي القهوة، ثم يقومون بإعدادها في البيوت، أو حتى جاهزة فإن أغلبية أهل الريف وبعض أهل المدن مازالوا يقومون بتحميص حبوب القهوة المرّة بأنفسهم.
ويجب أن تكون القهوة العربية جاهزة منذ الصباح الباكر. والبعض يجهزها في ليلة العيد (الوقفة) ويتركها جاهزة في المضافة. ومع إطلالة اول ضيف يبدأ تقديم القهوة العربية المرة. ولهذا طقوسه المتوارثة حتى اليوم.

“جاي وكليجة”
ويضيف: وبعد القهوة المرة يـُقدم الشاي، وإذا كان تقديم القهوة للضيوف (خص) عند أهل الحسكة وخاصة في الريف، فإن تقديم الشاي يكون (قص). ويفضل أبناء الحسكة الشاي الذي (دردو بقلبو) أي الذي يوضع السكر بداخله منذ البداية بحيث يُغلى مع الشاي، ليصبح حلواً جداً. والقليل من سكان الحسكة وخاصة من سكان المدن أخذوا يفضلون أن يقدم السكر وحده إلى جانب الشاي فمن يرغب بالسكر تتم إضافته له بالمقدار الذي يريد.
ولابد أن يترافق إبريق الشاي مع طبق (الكليجة)، التي لا يخلو منها بيت حسكاوي في الريف أو المدينة في العيد.

وليمة العيد
ويؤكد كليب أن الفوارق تكاد تكون بسيطة في طقوس العيد بين الريف والمدينة في الحسكة. فمثلاً كما ذكرنا وليمة العيد التي تعد أحد المكونات الأساسية في العيد لدى الحسكاويين سواء في الأرياف أم في المدن، تكون عند كبير العائلة في المدينة. أما في الريف فتكون أولاً عند كبير القوم، الذي يقوم ليلة العيد بذبح عدد من النعاج أو الخراف أو عجل أو بقرة حسب إمكاناته المادية من جهة، وحسب عدد سكان القرية من جهة ثانية. ويوزع اللحم النيء على النساء والأطفال، أما الرجال فيأتون إليه ويتناولون وجبتهم وقت الضحى. حيث تكون وجبة العيد الأولى مبكرة.

سيد الطعام
ويؤكد كليب أن وليمة العيد هي عادة (الثريد) المكون من اللحم المسلوق بالمرق والسمن العربي ويُفَت معه خبز الصاج، ثم يُسكَب اللحم والمرق فوقه ويؤكل باليد، ضمن صوانٍ كبيرة الحجم تسمى (المناسف) التي تسمى محلياً بالجفنة، والتي يتفاخر أهل الولائم بكبر حجمها، لاعتقادهم أنه يعبر عن كرم صاحب الوليمة وثرائه ومستواه الاجتماعي والاقتصادي.
والثريد هو سيد الطعام كما يقال، وهو يكثر في بيوت ميسوري الحال، ومعنى الثريد ما يهشم من الخبز ويبلّ بماء القدر وغيره، وهو أزكى الطعام وأكثره بركة وهو طعام العرب، ونقل عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام). والثريد أنواع منها ثريد لحم الغنم أو الضان أو لحم البقر، وثريد الفروج، وثريد البامياء وثريد الروس أو “الجوقات” أو “القشة” كما يسميها أهل الشام وغيرها.
وسكان الريف والبادية لم يكونوا يستخدمون إلا السمن العربي في طعامهم وولائمهم. كما أنهم يتناولون (الثريد) وغيره من الأكلات باليد.

الشنينة
ويوضح كليب أنه مع وليمة العيد، لا بد من وجود اللِّبن (بكسر اللام) أو (الشنينة). واللبن (بكسر اللام) هو ما يتبقى في وعاء مصنوع من الجلد يوضع فيه الحليب لصنع الزبدة، والذي يسمى ( الشجوة أو الشكوة) بكسر الشين وتسكين الكاف، وهو غير اللـَّبـَن الرائب (بفتح اللام) والذي يسمى في ريف الحسكة “الخاثر”، والذي إذا أضيف إليه الماء يسمى (شنينة أو جريعة).

ثم يجتمع الناس جميعاً وينطلقون باتجاه بيوت القرية أو النزل للمعايدات، وإذا صدف وجودهم وقت الغداء في أحد البيوت فإنهم يتناولون الغداء في ذلك البيت وبعد الغداء ينتهي العيد ويعود الناس إلى حياتهم الطبيعية.

Leave a Comment
آخر الأخبار