الحرية – مركزان الخليل:
يعاني قطاع الثروة الحيوانية اليوم من مشكلة كبيرة في مجال تأمين المادة العلفية ومستلزمات التربية الرئيسية، إلى جانب مشكلة أكبر تكمن في تهريب الثروة الحيوانية الى الخارج وهذا بدوره يهدد الى حد كبير حالة التعافي التي تسعى الحكومة لتحقيقها في هذا القطاع…؟
طاقات علفية متنوعة
الخبير في التربية الزراعية والحيوانية عبد الرحمن قرنفلة يرى في حديثه لـ”الحرية” أن المادة العلفية تعتبر عامل التمكين الأول للثروة الحيوانية، بكل أنواعها وفئاتها وتقليدياً تتكون أعلاف الحيوانات المجترة ( إبل ..جاموس…خيول أبقار..أغنام..ماعز….) من الأعلاف المركزة التي تحتوي على الطاقة أو البروتين بنسبة عالية مثل الحبوب النجيلية كالشعير، والشوفان والذرة الصفراء، والحبوب البقولية مثل البيقية والكرسنة وغيرها ومن الأعلاف المالئة التي تحتوي نسباً مرتفعة من الألياف، مثل أتبان الحبوب، ومخلفات طحنها وتصنيعها، وكذلك الأعلاف الخضراء ونباتات المراعي الطبيعية..
أما أعلاف الدواجن فتتكون بشكل رئيسي، من حبوب الذرة الصفراء، وكسبة فول الصويا، وبعض الإضافات العلفية كالأحماض الأمينية والفيتامينات وغيرها.
نقص في تلبية الاحتياجات
رغم كل ذلك في رأي ” قرنفلة” فإن ثروتنا الحيوانية تعاني من نقص في تلبية احتياجاتها الحقيقية، من العناصر الغذائية، نتيجة وجود فجوة كبيرة بين احتياجات الحيوانات من الأعلاف، وبين ما يتم إنتاجه محلياً منها، حيث تم تقدير حجم الفجوة تلك بحوالي ٤ إلى ٥ ملايين طن من الأعلاف الجافة، ونتيجة هذه الفجوة تعاني حيواناتنا من الجوع، ما يقود إلى انخفاض إنتاجها وضعف مناعتها وتعرضها للأمراض بشكل أكبر.
الحل متاح ورخيص جداً
“قرنفلة” يؤكد عند تحليل هذا الواقع، والبدائل الممكنة تظهر أمامنا ثلاثة خيارات للخروج من عنق الزجاجة والتغلب على هذه الفجوة العلفية :
١ – خفض أعداد الثروة الحيوانية بما يتناسب وحجم الإنتاج المحلي من الأعلاف: وهو خيار منطقي لكنه غير عملي بسبب الحاجة المتزايدة لمنتجات الثروة الحيوانية، التي نستورد كميات كبيرة منها، لذلك تم استبعاد هذا الخيار.
2- استيراد حاجة الثروة الحيوانية للأعلاف من خارج القطر، وهو يبدو خياراً عملياً حيث تتوفر في الأسواق الدولية، كميات كبيرة من الأعلاف، لكن هذا الخيار يستنزف مخزون البلاد من القطع الأجنبي اللازم للاستيراد، ويحتاج مبالغ ضخمة من القطع النادر…وأيضاً تم استبعاد هذا الخيار.
الخيار الواقعي والأفضل
بقي الخيار الثالث والذي يكمن في تحسين استخدام المخلفات الزراعية في تغذية الحيوان: حيث تشير المصادر العلمية الى توفر حوالي ١١ مليون طن سنوياً من المخلفات الزراعية السورية النباتية والحيوانية ( أتبان قمح وشعير،أتبان البقوليات، سيقان وقوالح الذرة، قشرة بذور القطن،عروش الفول السوداني، قشور الفول والبازلاء، مخلفات الصناعات الغذائية، مخلفات صناعة الألبان، فرشة الفروج وزرق الدواجن، مخلفات صناعة الأسماك ….) وبعض هذه المخلفات تستخدم في تغذية الحيوان مباشرة لكنه استخدام غير اقتصادي، نتيجة عدم قدرة الحيوان على الاستفادة منها على هيئتها الخام.. والبعض الآخر يتم حرقه أو رميه ليشكل تلوثاً للبيئة مثل مخلفات عصير العنب، ويمكن من خلال بعض المعاملات الميكانيكية أو الكيميائية، وبعض الإضافات تحويل تلك المخلفات، إلى مواد علفية عالية القيمة الغذائية، سواء من قبل مربي الحيوان في حقولهم، أو عبر مصانع كبيرة، تقوم بتحضير تلك المخلفات، ومعاملتها لرفع قيمتها الغذائية.
المشكلة الأكبر
أما فيما يتعلق بالمشكلة الأخطر والتي تكمن في موضوع التهريب، فهذا الأمر في رأي ” قرنفلة” يحتاج إلى تحليل أسبابه ودوافعه، فالثروة الحيوانية السورية تضم عروقاً وسلالات مرغوبة في دول الجوار، وتستخدم لخلطها مع سلالات الحيوانات في تلك الدول، لتحسين إنتاجيتها، إضافة إلى الطلب الكبير على لحوم الأغنام السورية ( العواس) وحليب ومنتجات ( الماعز الشامي )، وتحقق تلك الحيوانات أسعاراً عالية في أسواق الخليج العربي ولبنان والأردن والعراق، وهذه من العوامل التي تشجع العاملين في تهريب الحيوانات على زيادة وتيرة التهريب.
صعوبات التربية
يضاف إلى ذلك الصعوبات التي يعاني منها مربو الثروة الحيوانية من نقص الأعلاف وارتفاع أسعارها، وكذلك غلاء الأدوية واللقاحات البيطرية وضعف الوصول إلى الأسواق، وانخفاض أسعار مبيع منتجات الحيوان إلى مادون التكلفة أحياناً، ما يلحق خسائر بالمربين وعدم توفر مصادر للتمويل بالقروض المعفاة من الفوائد وبشكل عام ارتفاع تكاليف الإنتاج، إضافة إلى غياب سياسات واضحة لعمليات تصدير الحيوانات أو استيرادها ..
ويرى قرنفلة الحل في مجموعة من الإجراءات على مبدأ إذا “عرف السبب بطل العجب”، وبالتالي فإن معالجة الأسباب التي تشجع التهريب كفيلة بإغلاق هذه النافذة الخطيرة التي تهدد مستقبل الثروة الحيوانية السورية ومستقبل الاقتصاد الوطني..
أهم الحلول وزارة مختصة بالثروة الحيوانية
ويقول ” قرنفلة”: ربما يستغرب البعض ما سبق أن طرحته منذ سنوات وأعيد التأكيد عليه الآن من ضرورة إحداث وزارة مختصة بالثروة الحيوانية، تلك الثروة التي تساهم وفق الإحصاءات الرسمية بـ ٣٥% من إجمالي الناتج الزراعي ولكن تلك الإحصاءات تهمل قيمة المنتجات والخدمات غير النقدية التي توفرها الثروة الحيوانية مثل الأسمدة العضوية والنقل والانتقال ودورها في تحريك وتشغيل قطاعات اقتصادية متعددة، والتي إن تم تحويلها، إلى مقابل نقدي لتجاوزت مساهمة الثروة الحيوانية نسبة الـ ٥٥ الى ٦٠% من اجمالي الناتج الزراعي.
وهذا القطاع مثقل بالكثير من التحديات الفنية والقانونية والإدارية والمالية، ولابد من تحليل الواقع الراهن لكل منها وتوليد الحلول لمعالجتها..
مجموعة من التحديات
ولعل من أبرز التحديات نقص موارد الأعلاف وارتفاع تكاليف مستلزمات الانتاج، وضعف مصادر التمويل، وغياب الاتحادات النوعية للمربين مثل اتحاد مربي الأبقار الحلوب أو اتحاد منتجي الدواجن واتحاد منتجي الأعلاف وغيرها وأيضا ضعف العمل التعاوني في هذا الإطار، وعدم فاعلية الجمعيات التعاونية المتخصصة بالثروة الحيوانية، فضلا عن غياب الأسواق النظامية لبيع وشراء الحيوانات، وضعف قدرة مربي الحيوان على الوصول الى معلومات الأسواق ، وصعوبات الحصول على التراخيص لإقامة منشآت تربية الحيوان وأحيانا الضرائب والرسوم على تلك المنشآت، وعدم وجود سياسات ثابتة وواضحة لدعم قطاعات الثروة الحيوانية، والدعم ليس بالضرورة دعماً مالياً، إنما يمكن أن يكون دعماً على مستوى السياسات وعدم انخراط شركات التأمين في نشاط التأمين على الثروة الحيوانية.