الحرية- إلهام عثمان :
باتت سماعات الأذن جزء من البريستيج، بل رفيق درب دائم يزين آذان اليافعين والكبار والصغار على حدّ سواء، إذ يجدونها جزءاً من عالمهم الخاص الملون بالموسيقى لكن.. خلف هذا الستار المريح، يكمن عالم آخر من المخاطر الخفية، فما بدأ كعادة بسيطة للاستمتاع، قد يتحول إلى تهديد صامت لصحتنا وخاصة الأجيال الناشئة.
ما خفي أعظم
وفقاً لرأي اختصاصي علم النفس الاجتماعي مراد بعلبكي من خلال حديثه لصحيفتنا ” الحرية” فإن الاستخدام المفرط لسماعات الأذن لا يقتصر على إلحاق الضرر المباشر بالإذنين بل يمتد ليشمل تأثيرات سلبية أعمق على صحتنا، سواء الجسدية أو النفسية بل وعلى نسيجنا الاجتماعي، حيث تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو مليار شابٍ حول العالم قد يكونون عرضة لخطر فقدان السمع بسبب ممارسات الاستماع غير الآمنة.
تداعيات خطرة
بدوره حذر اختصاصي أمراض الأذن والأنف والحنجرة الدكتور خالد حبش، من التداعيات الخطيرة للاستخدام المفرط لسماعات الأذن على المدى الطويل.
بعلبكي: نحو مليار شابٍ حول العالم عرضةً لخطر فقدان السمع
فيقول: إنّ الأذن البشرية مصممة لاستقبال الأصوات ضمن نطاق معين من الشدة وعندما نتعرض لأصوات عالية جداً، خاصة عبر سماعات الأذن التي تدخل الصوت مباشرة إلى قناة الأذن فإننا نعرض الخلايا الشعرية الدقيقة في القوقعة، وهي المسؤولة عن تحويل الاهتزازات الصوتية إلى إشارات عصبية للدماغ، مسببة ضرراً لا رجعة فيه.
ومع مرور الوقت والاستخدام المفرط، تبدأ هذه الخلايا الشعرية في التلف التدريجي، ما يؤدي إلى ما يعرف بـ”فقدان السمع الحسي العصبي”، لافتاً إلى أن هذا النوع من الفقدان السمعي، لا يمكن علاجه جراحياً أو دوائياً، ويصبح دائماً.
ويبدأ الأمر بصعوبة في سماع الأصوات الخافتة أو البعيدة، ثم يتطور إلى صعوبة في فهم الكلام، خاصة في البيئات الصاخبة، بالإضافة إلى ذلك، فإن التعرض المستمر للأصوات العالية يمكن أن يسبب أيضاً طنيناً مستمراً في الأذن (Tinnitus)، وهو شعور مزعج بسماع أصوات كالصفير أو الأزيز، ما يؤثر بشكل كبيرٍ على جودة حياة الفرد وقدرته على التركيز والنوم والعمل.
سلاح ذو حدين
ويضيف حبش: إنّ سماعات الأذن تصبح سلاحاً ذو حدين، فمع محاولة حماية الشخص من الضوضاء الخارجية، فإنها تعرضه لخطرٍ أكبر وهو فقدان السمع، لأن الاستماع المستمر لأصوات تتجاوز السعة الآمنة للأذن (90 ديسيبل)، والذي قد يقلل من القدرة السمعية بشكل دائم، ما يعوق فهم ما يقال في محيط الشخص.
حبش: فقدان السمع الحسي العصبي لا يمكن علاجه ويصبح فقداناً دائماً.
أما بالنسبة لسماعات الأذن التي تدخل مباشرةً في قناة الأذن، فهي تشكل حاجزاً أمام مرور الهواء، فتصبح بيئة خصبة لنمو البكتيريا، مسببة التهابات الأذن، وحذر بشدة من تجنب مشاركتها مع الآخرين لمنع انتقال العدوى.
أبعاد اجتماعية
من جهتها تسلط الخبيرة في علم الاجتماع الأسري الدكتورة ميرنا القادري، الضوء على الأبعاد الاجتماعية لهذه الظاهرة المتنامية مؤكدة أن الأمر يتجاوز مجرد الضرر الفردي، قائلة: نحن نشهد تحولاً في أنماط التواصل والتفاعل الاجتماعي، حيث تصبح سماعات الأذن، في كثير من الأحيان، حاجزاً يعوق التواصل الأسري والمجتمعي، فعندما ينغمس الأفراد، وخاصةً الشباب، في عوالمهم الصوتية الخاصة، فإنهم يقللون من فرص التفاعل المباشر مع أفراد أسرهم أو أقرانهم، هذا الانفصال الرقمي قد يؤدي إلى ضعف الروابط الأسرية، وزيادة الشعور بالعزلة الاجتماعية حتى وهم محاطون بالآخرين.
انغماس مفرط
وتضيف القادري: بالنسبة للأطفال، فإن هذا الانغماس المفرط قد يؤثر على تطور مهاراتهم الاجتماعية الأساسية، مثل القدرة على قراءة لغة الجسد، وفهم المشاعر، والتعبير عن الذات بشكلٍ فعال، كما أن الاعتماد المتزايد على هذه الوسائل يقلل من قدرتهم على التعامل مع التحديات الاجتماعية الواقعية، ويضعف من قدرتهم على بناء علاقات صحية مستدامة خارج نطاق العالم الافتراضي.
القادري: الانفصال الرقمي قد يؤدي إلى ضعف الروابط الأسرية وزيادة الشعور بالعزلة الاجتماعية
لافته إلى أن استعمال سماعات الأذن يؤثر سلباً على القدرة على القراءة والفهم والذاكرة، مبينة أن بعض الدراسات تشير بوضوح إلى أن الأطفال الذين يتعرضون لبيئات تعلم صاخبة، سواء بسماعات الأذن أو بغيرها، يسجلون درجات أقل في الاختبارات الموحدة.
العزلة الرقمية
كما تؤكد القادري أن قضاء وقت طويل في الاستماع للموسيقا وإجراء محادثات أو متابعة اللعب و الاستماع عبر تلك السماعات، وأن هذا الانغماس المفرط يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوتر والقلق، ويضعف القدرة على التركيز في حياة الشخص اليومية، ويؤثر على صحته العقلية، وعدم مشاركة الأفكار والمشاعر مع الآخرين بشكل مباشر، والذي يسبب ضعف المهارات الاجتماعية، ويعوق القدرة على بناء علاقات ناجحة.
مخاطر تتجاوز السمع
ولا تتوقف الآثار عند هذا الحد، هذا وفق رأي القادري، فالاستماع المستمر لموسيقى صاخبة يمكن أن يؤثر على صحة القلب، مسبباً تسارعاً في ضرباته ملحقاً ضرراً جسيماً به، ولاسيما أن الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة من السماعات، قد تسبب الصداع، واضطرابات في النوم، وحتى انقطاع في النفس.
وختمت القادري بدعوة صريحة لإعادة النظر في علاقتنا بسماعات الأذن، وللتأكد من أن متعة الاستماع في بعض الأحيان تصبح ثمناً باهظاً لصحتنا ومستقبل أطفالنا، ويجب العمل كمجتمع للحفاظ على نسيجنا الاجتماعي قوياً ومتماسكاً.