الحرية – نهى علي:
يتصدّر زيت الزيتون السوري، قائمة السلع الغذائية التي تتعرض للغش ،لأنه مادة أساسية على مائدة الأسرة السورية، وكميات استهلاكه كبيرة جداً، و حجم الأموال المتداولة في سوق زيت الزيتون تشكل كتلة كبيرة أيضاً، بالتالي تمسي عمليات الغش ذات عائدات هائلة على من أدمنوا التلاعب بهذه المادة، وجعلوا منها “سمّاً بعد أن كانت ترياقاً”، فلزيت الزيتون سلسلة فوائد كثيرة وميزات يفترض أن ينعم بها المستهلك السوري، ومع عمليات الغش أصبحت مادة هدامة وبالغة الأذية للصحة.
غش احترافي
يفصح الدكتور عبد الكريم بركات الخبير المتخصص في المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والقاحلة “أكساد”، عن سلسلة هواجس واقعية مما يجري من غش لمادة الزيت.
د. بركات: زيت النخيل الضارً مادة أساسية لغش زيت الزيتون لاحتوائه على أحماض مشابهة
ويرى أنه نتيجة غلاء أسعار زيت الزيتون بشكل عام وخاصة خلال السنوات الخمس الماضية أصبحت عمليات الغش شائعة بخلطه بأنواع زيوت نباتية أخرى كزيت دوار الشمس وزيت النخيل وغيره من الزيوت النباتية الأخرى، ولكون هذه الزيوت النباتية (زيت النخيل مثلاً) يحتوي أيضاً على أحماض دهنية مثل حمض الأولييك، كما في الزيتون فان ذلك يسهل من عمليات الغش، وخاصة عندما تقتصر بعض التحاليل على تحاليل أولية تعتمد فقط على رقم الحموضة مثلاً، وبالتالي فإنّ عمليات الغش هذه سوف تؤثر على نوعية الزيت السوري، وبالتالي على جودة المنتج وخاصة في حال عمليات التصدير والخضوع لعمليات التحليل الدقيق وضمن مواصفات المجلس الدولي للزيتون.
ويلفت د. بركات في تصريحه ل “الحرية” إلى أن زيت النخيل هو غذاء أساسي في العديد من المأكولات مثله مثل الكثير من الزيوت النباتية ويسهم بشكل كبير في توفير السعرات الحرارية والدهون، كما يعدّه البعض من بين الأطعمة التي تزود الدهون المشبعة التي ترفع مستويات الكوليسترول وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب.
ويمكن القول إن جميع هذه الزيوت هي نباتية الأصل، ولكن الفرق الأساسي والجوهري هو نوع ونسب الأحماض الدهنية الداخلة في تركيبها، والأهم في طبيعة استخلاص الزيت، حيث إن جميع الزيوت النباتية تتعرض أثناء استخلاصها لدرجات حرارة عالية وكذلك يتم استخدام مواد كيميائية خلال مراحل العصر والاستخلاص المختلفة، في حين أن زيت الزيتون يستخلص بطرق ميكانيكية وفيزيائية فقط وبالتالي تأتي مضار الزيوت النباتية غير الزيتون (مثل زيت نخيل، دوار شمس، صويا…) من طرق المعالجة و الاستخلاص التي تتم لهذه الزيوت.
بالتالي يطالب د. بركات بأن تكون هناك مراقبة صارمة وإجراءات حازمة لزيت الزيتون في الأسواق، كي لا يُساء لنوعية الزيت من خلال عمليات الغش.
ميزات
خبير “أكساد” يستطرد ويشير إلى أن زيت الزيتون يعدّ بحكم تركيبه الطبيعي الغني بحمض الأولييك السائل في درجات الحرارة العادية من أهم الزيوت النباتية، وأنه الزيت الوحيد البكر الذي يقال عنه (من الشجر للحجر)، من دون استعمال الحرارة والمواد الكيميائية (الاستخلاص بالطرق الفيزيائية الميكانيكية) التي تستعمل لاستخلاص الزيوت النباتية الأخرى كزيت دوار الشمس وزيت النخيل وزيت القطن وغيره من الزيوت النباتية الأخرى، وقد تزايد استهلاكه من قبل الإنسان إيماناً منه بفوائد الزيت والتي أتى على ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة والتي لا جدال فيها، وتوصية الأطباء وعلماء الأغذية بضرورة تناوله بديلاً عن الزيوت النباتية الأخرى، لاحتوائه على الكوليسترول الحميد وخلوه من الكوليسترول السيئ، وغناه بالفيتامينات والعناصر المغذية.
فوائد جاذبة
و من أهم فوائد زيت الزيتون – وفقاً للدكتور بركات – أنه يسهم في الوقاية من مرض شرايين القلب التاجية، وارتفاع كولسترول الدم، وارتفاع ضغط الدم، وتناول الغذاء الغني بزيت الزيتون ينقص من جرعات أدوية ضغط الدم، ومرض السكر، والبدانة، كما أنه يقي من بعض السرطانات كسرطان القولون، وسرطان الرحم، وسرطان المبيض، وسرطان الجلد القتامي، ولزيت الزيتون أهمية في الوقاية من قرحة المعدة وفي معالجة التهاب المفاصل نظير الرثوي، ويساعد في تطور الجنين وينعم البشرة والوجه، ويستعمل في صناعة زيوت وكريمات الوجه والصابون ، ويقوي الشعر ويعطيه لمعاناً، ويعمل مضاداً للأكسدة لكونه يحتوي على فيتامين E المعروف، كما يحتوي على مركبات البولي فينول، وتعزى الفوائد الصحية لزيت الزيتون إلى غناه بالأحماض الدهنية اللامشبعة الوحيدة، وإلى غناه بمضادات الأكسدة، فوجد الباحثون أن زيت الزيتون البكر يحتوي على كمية جيدة من مركبات البولي فينول Compounds Polyphenolic التي تمنع التأكسد الذاتي للزيت، وتحافظ على ثباته، ومعظم الزيتون السوري هو بكر (زيت العصرة الأولى)، وهو زيت عضوي نتيجة وعي واهتمام المزارعين بهذه الشجرة المباركة من تقديم عمليات الخدمة والممارسات الزراعية السليمة ضمن سلسلة الإنتاج كاملة حتى الحصول على الزيت، وبذلك يكون زيت الزيتون من أفضل أنواع الزيوت المستخدمة للاستهلاك البشري، لكون طرق استخلاص هذا الزيت من دون إضافة مواد كيميائية، طبعاً مع مراعاة عدة نقاط تتعلق بعمليات القطاف وموعده وعمليات النقل والتخزين والعصر.
عناية ورعاية
كما يرى الخبير في “أكساد” أنه للنهوض بهذا القطاع الهام – الزيتون – لابدّ من اتخاذ سياسات وإجراءات متعددة، منها تدقيق أعداد أشجار الزيتون وتوزع الأصناف الجغرافي والبيئي ومواصفاتها الإنتاجية، وتقييم أنواع زيت الزيتون ومواصفاتها الكيميائية والحسية والعوامل المؤثرة في جودتها من خلال: التعريف بزيت الزيتون البكر وأصنافه المختلفة حسب المواصفات الدولية، و توضيح العوامل المؤثرة في جودة زيت الزيتون البكر.
ودراسة التحديات والمعوقات البشرية وتطوير قدراتها من خلال، إعادة تأهيل الوحدات الإرشادية ومراكز البحوث الزراعية، والعمل على إدخال التقنيات الحديثة في زراعة وإنتاج وتصنيع الزيتون.
دراسة واقع المعاصر وإعادة تأهيلها، وتوفير كوادر بشرية مؤهلة ومدربة وزيادة الرقابة على عملها لضبط عمليات التصنيع للوصول إلى جودة زيت الزيتون المطلوبة.
و تشجيع إنشاء شركات مختصة بتسويق زيت الزيتون تعمل وفق المعايير العالمية ، ثم تشجيع القطاع الخاص على الاستفادة من مخلفات المعاصر.
و الاستفادة من المخلفات الثانوية للزيتون، مع الإشارة هنا إلى عدة نقاط مهمة، فصناعة عصر الزيتون تلوث البيئة المحيطة بالمعاصر نتيجة لتراكم منتجاتها الثانوية بشكل عشوائي، لذلك من الضروري أن تهتم البحوث الزراعية بالمنتجات الصلبة والسائلة الناتجة عن المعاصر، ودراسة إمكانية الاستفادة منها، من خلال تجميع مياه عصر الزيتون وتفل الزيتون في أحواض وبرك لحين استخدامها، و تحديد النسب المثلى للكميات الممكن إضافتها إلى التربة من ماء الجفت أو من البيرين من دون آثار سلبية.
محاولات ردع وحماية
هنا نصل إلى الإجراءات الرادعة المفترضة لحماية المستهلك من عمليات غش زيت الزيتون..حماية صحة المستهلك أولاً ثم جيبه ثانياً، فالوقائع تبدو خطيرة بالفعل.
عبد الرزاق حبزة أمين سرّ جمعية حماية المستهلك يرى، أن زيت الزيتون من أكثر الزيوت المعرضة للغش وأن عمليات الغش والمزج تتجاوز 50 بالمئة، و يصعب كشفها لأن النكهات الكيميائية متعددة، كما تعدد الألوان والصبغات يعيق عمليات السبر والفحص المخبري، وبالتالي امتلاك التجار أدوات غش متجددة وتسويق الزيت عبر صفحات الفيسبوك ونقص خبرة المستهلكين تجعلهم عرضة لتسوق زيت زيتون مغشوش بمختلف أنواع الزيوت النباتية وعلى رأسها زيت النخيل.
متابعة
ويوضح حبزة أن مديرية حماية المستهلك تتابع بشكل دائم عمليات غش زيت الزيتون من خلال حضور المؤتمرات، مع منظمة الصحة العالمية التي كانت تشرح باستفاضة أضرار الزيوت المهدرجة.
و يضيف: غالباً ما يُسوق عبر الصفحات هو زيت زيتون مغشوش بنسبة تتجاوز ال 50 بالمئة ولكن بأسعار مرتفعة على اعتبار أنه زيت صافي بكر.
حبزة: جمع الزيت المستخدم في القلي وإعادة تدويره ليكون مادة أساسية للغش وفي ذلك نتائج كارثية على المستهلك
كما يشير أمين سر “حماية المستهلك” إلى أن زيت النخيل هو المكون الأساسي في عمليات غش زيت الزيتون، ويستعمل في عمليات القلي بدلاً من زيت دوار الشمس لأن درجة انصهاره تتطاير أقل ولونه غامق.
وإن استخدام زيت النخيل لمرات عديدة قد يسبب أضراراً على الصحة بشكل عام، و قد انتشر استخدمه مؤخراً لانه أقل سعراً من زيت الزيتون، ويباع بدون عبوات (فلت) وهذا الخطر بحد ذاته، وقد يعمد التجار لجمعه من الأسواق فيتم تكريره وتصفيته من الشوائب ليُضاف أو يتم غش زيت الزيتون به، فيما بعد وبذلك يتحول إلى غش مضاعف من الزيت النباتي المجمع الأسواق وتصفيته وإضافته إلى زيت الزيتون .
ويضيف حبزة أن مديرية حماية المستهلك تتابع بشكل دوري موضوع الغش بزيت الزيتون من خلال أخد عينات من الزيت المنتشر في الأسواق ولكن لا تتمكن من فحص الزيت الذي يتم تسويقة عن طريق صفحات الفيسبوك الذي حذر منه واعتبره أكبر مصدر للمنتجات المزيفة، ويجب على المواطن الابتعاد عن تلك الصفحات، مع الإشارة إلى أن أغلب الشكاوي التي وردت إلى الجمعية تعود للمواطنين تسوقوا واشتروا إلكترونياً زيت زيتون واكتشفوا أنهم وقعوا ضحية لعمليات الغش.
كما حذر حبزة من العبوات لأنها لا تحمل سجل تجاري ولا تحمل أي عنوان أو مكان ، فمن الضروري أن تحمل عبوات زيت الزيتون بطاقة بيان يحدد فيها الأسيد ومواصفاته وسنة إنتاجة.. بينما زيت النخيل يباع فلت ومن المفروض مصادرته من الأسواق.
يرى حبزة أنه يتوجب على المواطنين تسوق زيت الزيتون من مصادر موثوقة وأشخاص معروفين، ومؤخراً بعد دخول أنواع مختلفة إلى الأسواق يجب أخد عينات منها حتى لو كان كشف عمليات الغش صعباً.
و يختم أمين سر جمعية حماية المستهلك بأن عمليات الغش على زيت الزيتون متنوعة، بعد إنتاجه عن طريق جمعه ونوعية الزيتون وموعد قطافه واستخراجه وعصره وتخزينه، جميعها عوامل تؤثر على جودته وطعمه ولونه وكثافته.