سوريا الثقافية من فضاءات المقاهي.. مقهى الروضة من الثقافة الشعبية إلى راع للتيارات الفكرية

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية- ميسون شباني: 

هي لحظة تستوقفك عند المرور أمام مقهى الروضة، نظرة عابرة تتفحص فيها وجوه الجالسين ، شرائح متنوعة من المكونات السورية وبفئات عمرية مختلفة، فضاء المقهى المفتوح مملوء بالحكايا وهو بذاكرة الكثير من السوريين كان ملتقى للمثقفين أمثال: ممدوح عدوان، محمد الماغوط، مظفر النواب، سعدي يوسف ، والاديب أدونيس الذي كان يعرج إلى الروضة كلما جاء دمشق، و لاننسى مظفر النواب الذي واظب على ارتياد المقهى، إضافة لحضور الكثير من الفنانين إليه.

ويعود تاريخ المقهى لعام 1937، حيث أقيم على أنقاض سينما قديمة، ويبدو في شكله الحالي كبقايا لبيت شامي عتيق.

إسماعيل: عاصمة ناعمة وبرلمان للثقافة السورية

عاصمة ثقافية

حول المقهى وأهميته يقول الكاتب الصحفي سامر محمد اسماعيل لصحيفة الحرية بأنه لا يمكن الحديث عن الحياة السياسية والثقافية في سورية إلا ويحضر المقهى كعاصمة لهما. أجل إنه العاصمة الناعمة الذي أرهبته الأنظمة، وكانت تضعه دائماً تحت أعين العسس والمخبرين. مثله مثل مقاهي: الكمال والهافانا والبرازيل والشرق الأوسط والحجاز والنوفرة والسياحي العائلي وسواها من المقاهي الدمشقية التي كانت على الدوام برلمانات واضحة.

و لا ريب أن يقع مقهى الروضة الدمشقي مثلاً على بعد أمتار من مبنى البرلمان السوري، وبين برلمانين، على مدى سنوات سنشهد ثقل هذا المقهى في الحياة العامة. لا زلت أتذكر بحنين نادي الذاكرة الذي أطلقته الدكتورة حنان قصاب حسن من مقهى الروضة في احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية. ذلك النادي الذي استقطب شخصيات اجتماعية وسياسية وثقافية عديدة. هناك كانت الكراسي تتزاحم حول رواة الشعر والتراث والمسرح والسينما. وهناك أيضاً كان يحضر الفنانون وتدور نقاشاتهم على وقع أحجار النرد.

إن المقهى بهذا المعنى هو رمية النرد الأمضى في المياه السورية الراكدة. لازلت أذكر بحنين طاولة الأديب الراحل عادل أبو شنب وطاولة مظفر النواب في مقهى الهافانا. أذكر طاولة جورج عشي مثلما أذكر وأواظب على طاولة خليل صويلح ويعرب العيسى ومحمد ملص وسبهان آدم. لقد كرست المقاهي نمطاً من منصات بعيدة من منصات السياسة لكنها كانت تصب في صلبها. في أتون ذلك لا يمكن أن تقوم المدينة من دون مقاهيها. من دون روادها العتاولة. وكي لا يتحول المقهى إلى مجرد احتفاء عابر .

وليمة للحوار

ويضيف اسماعيل: أقول إن المقهى اليوم يعيد اختبار دوره بعد سقوط النظام البائد، ولا ريب أن نشاهد احتفالات في مقاه عديدة لمثقفين وفنانين عادوا بعد غياب ليكون المقهى هو محطتهم الأولى. هكذا يتخلص المقهى السوري من كونه مرسحاً لمشاهدة مباريات كرة القدم فقط. على جمال هذا النشاط الاجتماعي الرياضي. لكنه أيضاً أي المقهى هو طاولات متجاورة. طاولات أشبه بمراكب تطفو بين دخان السجائر و”فقفقة” مياه النراجيل. حيث يحضر اليسار مثلما يحضر اليمين. الجميع هنا مدعوون إلى وليمة الحوار على أجزاء ومراحل.. كل طاولة تبني موقفها من دون أن تتناحر مع طاولة أخرى. وكل حوار ينتهي اليوم مع دفع الحساب يبدأ غداً على طاولة مجاورة. إنها قدرة مدينة مثل دمشق على تصدير قيمها المدنية. الناشرون والرسامون والناشطون والمسرحيون والسينمائيون والمفكرون والنحاتون والموسيقييون كلهم ، وفق طاولته، يرمي بنرده. المهم لا أحد يخرج كما يدخل إلى سوق عكاظ. قد يقول قائل كلام المقاهي عبارة عن ثرثرة وشغل من ليس له شغل. أبداً. حاجتنا إلى “اللعي” ليست مجانية. مثلها مثل حاجتنا إلى النميمة مع كؤوس الشاي وفناجين القهوة. هناك لا مساحة تشبه مساحة أخرى. كله يبدأ من طاولة مقهى. العرض المسرحي والفيلم السينمائي والترجمة والرسم وكتابة الرواية. كلها تبدأ من هذا الزحام المقصود في مقهى.

قوة غامضة

ويستكمل إسماعيل حديثه عن رواد المقهى الدمشقي والسوري عموماً بأنهم كانوا حجر الأساس في كل تغيير. ليس بالمعنى المباشر، بل من تلك القوة الغامضة التي يكتسبها المرء بعد جلسة عابرة أو منتظمة إلى طاولة في مقهى. هناك تتبادل قناعات (الفيس بوك) والجلوس خلف شاشة لتتحول إلى مناكفة مع الذات مع الآخر مع العالم مع قيم المدينة الحقيقية. يعرف الشاعر الشاب أنه في بداية الطريق، ويعرف الصحفي المبتدئ أنه  يجب أن يعمل على أدواته ومعارفه ويزيد خبراته، أما من يظن أنه جاء لشرب القهوة وتدخين السجائر واستعراض نفسه كموديل ثقافي أو سياسي فسيدرك أنه واهم. وأن المقهى فعلاً أكاديمية موازية.

قوشحة: مرآة لما يجري في شوراع وزواريب هذه الحياة

مكان متفرد

ولفت الكاتب والناقد السينمائي نضال قوشحة إلى أن المقهى هو من أقدم المقاهي الدمشقية ويؤكد بأن عمر الروضة مايقارب مئة عام ،وأن وجوده الإستراتيجي بين شارع العابد والشهداء وجوار البرلمان السوري جعل منه مكاناً متفردا لفعاليات كثيرة..

وكثير من الأدباء والفنانين السوريين والعرب كنا نراهم في هذا المكان مثل فراس السواح، سعدون الجابر، مظفر النواب، جمال سليمان، حاتم علي ،عباس النوري ..وغيرهم.. وعشرات الندوات التي كانت تعقد فيه مع شوقي بغدادي ،خيري الذهبي ،عادل أبو شنب ويمكن تسميته بعاصمة دمشق ولاشك.. وخلال امتداد.السنوات الطويلة جعل من هذا المكان يتمتع بأثر مهم من هذه الناحية.

حوار وتلاق

ويضيف قوشحة بأنه بعد سقوط النظام تداعى أصحاب المقهى إلى الاحتفال فيه بشكل شعبي عفوي وكان الاحتفال فيه موجود على شكل اجتماع للنخب الفكرية من كل الأطياف والحديث عن الراهن السوري وتطور الموضوع الى إقامة جلسات نقاش مبرمجة بأسماء بأعينها مثل د .رضا الشعار وما يقدم حالياً هو حالة مهمة من حيث وجود حوار وتلاقي أفكار معظمها شباب الذين هم أكثر ناس معنيين بالحوار لأنهم مستقبل سورية والذي نتمنى جميعاً أن يكون باحسن حال.

حراك حيوي

ويشدد قوشحة بأن رواد مقهى الروضة لم يتغيروا لأن المقهى شعبي جمع واستقطب أعداداً كبيرة من كل الطيف.. وللمقاهي دور مهم في حالات الإبداع فمثلاً الاستاذ صميم الشريف كان يكتب معظم أعماله في (مقهى الكمال) ومحمد الماغوط له علاقة شهيرة مع (مقهى أبو شفيق وفندق الشام) وشوقي بغدادي كثيراً ماتحدث عن (مقهى الهافانا) وكان مقابله (مقهى البرازيل) وكثير من المبدعين وحنا مينا فندق الشام.

ويستكمل قوشحة بأن للمقاهي علاقة بالإبداعات والحركة الإبداعية ومن يتقصى هذا الموضوع يعرف ان قيمة المقهى في الإبداع السوري ومسألة وجود المثقفين فيه كونهم يرغبون بالاحتكاك مع الطبقة الشعبية او نصف الشعبية وكان مقهى الروضة يؤمن هذه الحالة .

ولفت قوشحة بأن مايجري في مقهى الروضة يعكس حجم الحراك وتدفق الحيوية فيه وهما موازين لما يحدث في الشارع ،ومرآة لما يجري في المجتمع الأعم الذي هو خارج مقهى الروضة ومن هذه الجلسات الموجودة في مقهى الروضة تستطيع أن تجري حواراً هو عينة لما يجري خارج المقهى في زواريب الحياة السياسية والاجتماعية في سورية.

إدارة الجلسات

ويشير قوشحة بأن المقهى يمكن أن يكون مركزاً ثقافياً لتبادل الأفكار وقادر أن ياتي بشخوص تتبادل الأفكار وفق نظام إدارة الجلسات وهي تفعل هذا الشيء من تجربة أن يكون مقهى الروضة مركزاً ثقافياً وفي موضوع إدارة هذه الجلسات وضع برمجة فكرة حتى تكون في أحسن حالاتها. ولمست من بعض الجمهور تململ من بعض الأشخاص الذين يكرهون بعض الشعارات لاستيراد المعنى وعدم استثمار الوقت الأكثر تميزاً وفائدة إضافة الى الكسل في استحضار الأسماء المهمة في بعض التخصصات المعنية والطامة الكبرى هو وجود من يتمنظر لدى الآخرين في بعض المساحات .

فضاء ثقافي

ويأتي تشكيل الفضاء الثقافي من خلال النقاشات في مقهى الروضة حيث ستفعل بكل جهود المعنيين لهذا الأمر عبر وضع جهود معينة أو برمجة محدودة والمشي عليها خطوة بخطوة.. وسوريا اليوم تولد من جديد وهي مرحلة مهمة تفرز الكثير من المركبات والأخطاء التي شارك فيها الجميع من دون استثناء ولكن بنسب مختلفة وأرى أن الجميع معني باستبدال هذه الحالات وبالقيم  التي كانت موجودة مسبقاً إنما بقيم جديدة ونظيفة وأخلاقية ومعاصرة  كي نضمن الفضاء التربوي والأخلاقي لأنها ستكون الحوامل الفكرية والمجتمعية لبلدنا سورية .

Leave a Comment
آخر الأخبار