سوريا الجديدة.. حكاية ولادة لا نهاية كما يراها عضو اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – علاء الدين إسماعيل:

الثامن من كانون الأول، يومٌ لم يأتِ على تقويم سوريا كغيره من الأيام، إنه تاريخٌ محفورٌ في ذاكرة السوريين، ليس كنهايةٍ فحسب، بل “ولادة جديدة، لا نهاية قديمة”، هكذا يصفه الدكتور نوار نجمة، عضو اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، بكلماته العميقة التي تحمل في طياتها رؤيةً لمستقبلٍ مختلف، ذلك اليوم، لم يكن مجرد سقوط نظامٍ بائد، بل كان فاتحة مخاضٍ عسيرٍ لصناعة دولةٍ حديثة، دولةٍ تمتلك القدرة على تجاوز ثقافة الاستبداد التي استوطنت أرواح السوريين طوال ستة عقود.
“النظام سقط.. لكن ثقافته لم تسقط بعد، وهذا هو جوهر المعركة القادمة.” بهذه الكلمات، يرسم نجمة خارطة طريقٍ لمرحلةٍ جديدة، حيث تتجاوز الثورة أبعادها العسكرية لتتحول إلى معركةٍ فكريةٍ وأخلاقية.

بين الثورة والفكر رواية لم تنتهِ فصولها..

بلغةٍ واثقة، يؤكد نجمة أن الثورة لم تُختتم بنصرها العسكري، بل بدأت مرحلة الثورة الفكرية والأخلاقية “نعم، تخلصنا من النظام، لكن أمامنا أعباء ثقيلة لبناء الدولة وتفكيك العقلية التي حكمتنا بالحديد والنار” يرى نجمة أن الشعب السوري، رغم الجراح الغائرة، قدّم خلال الأشهر الماضية برهاناً حقيقياً على قدرته على التعايش وتجاوز موروث الانقسام. إنه مشهدٌ يثبت أن النهضة الاجتماعية بدأت من القاعدة الشعبية نفسها، لتتجاوز التوقعات وتؤكد على أصالة الروح السورية.

الدكتور نوار نجمة: وضعنا جدولاً زمنياً ينتهي مع نهاية آب المقبل مع احتمال تمديد قصير فالحكومة بحاجة ملحة لسلطة تشريعية تقرّ القوانين الجديدة

 

مجلس الشعب حيث تنتقل الثورة إلى صلب القوانين

من بين كل الملفات الساخنة، يضع نجمة تشكيل مجلس الشعب الجديد على رأس قائمة الأولويات، معتبراً إياه مفتاحاً للمرحلة القادمة. “مجلس الشعب سابقاً كان شكلاً بلا روح، أما الآن فهو بوابة الثورة التشريعية التي ستغير وجه سوريا” ويكشف عن أن العمل جارٍ على قدمٍ وساق لإصدار نظامٍ انتخابي مؤقت خلال أيام، يعقبه تشكيل لجانٍ فرعية على مستوى المحافظات بعد ذلك، ستُنتخب الهيئات الناخبة، ليُصار بعدها إلى الانتخابات العامة.
“وضعنا جدولاً زمنياً ينتهي مع نهاية آب المقبل، مع احتمال تمديد قصير، فالحكومة بحاجة ملحة لسلطة تشريعية تقرّ القوانين الجديدة” بهذه الكلمات، يؤكد نجمة على الضرورة الملحة لإنشاء هذه السلطة التشريعية، لتبدأ سوريا رحلة بناء مؤسساتها الجديدة.

السلم الأهلي… معركة أعمق من السلاح

لا يخفي نجمة أن العدالة الانتقالية هي “المعركة الأخطر” بعد الحرب، لأنها تتعلق بروح المجتمع ونسيجه “لا يمكن لدولة طبيعية أن تنمو دون سلم أهلي، ودون عدالة انتقالية تعيد الحقوق وتغلق باب الانتقام” ويشير إلى أن هيئة العدالة الانتقالية ستباشر قريباً عملها، وسط قناعةٍ راسخة بأن الشعب السوري لن يقبل بترحيل هذا الملف، كونه الحجر الأساس لأي نهضة مستقبلية، ومن دونه لن تستطيع سوريا أن تلملم جراحها وتتقدم نحو الأفق الواعد.

هيئة العدالة الانتقالية ستباشر عملها قريباً وسط قناعةٍ راسخة بأن الشعب السوري لن يقبل بترحيل هذا الملف

قصصٌ من عمق الثورة

حين سُئل عن زيارة اللجنة العليا للانتخابات لمحافظة السويداء، جاء رده شفافاً وصادقاً: “منذ اليوم الأول كانت السويداء على رأس برنامجنا، لكن التحدي الأمني منعنا، نحن ملتزمون بمشاركة أهل السويداء، كما أهل الرقة والحسكة، في صياغة الاستحقاق التشريعي” ويضيف إن التواصل مع شخصياتٍ وطنية بارزة من السويداء لم ينقطع، حتى وإن حالت الظروف دون الزيارة الميدانية.
أما عن زيارته الأولى لإدلب، فيروي نجمة مشهداً مؤثراً: “أكثر ما هزّني كان وعي الناس في المخيمات، لم يقولوا متى سنخرج من هذه الخيام، بل قالوا: ما المطلوب منا؟ نحن مستمرون” ويصف المشهد هناك بأنه “لحظة صدق مع الثورة، وامتحان للضمير الوطني”، مؤكداً أن الحديث عن بناء سوريا لا معنى له ما لم ينتهِ ملف المخيمات ويعود المهجرون إلى بيوتهم، لتعود إليهم كرامتهم وأمنهم.

استثمارٌ بلا بديل

في ختام حديثه، أطلق نجمة رسائل عميقة ترسم ملامح رؤيته لمستقبل سوريا “لن يكون هناك سلام إذا لم يكن الانتماء الوطني هو خط الدفاع الأول، الطائفية والمناطقية مكانها الماضي، أما المستقبل فهو للتعليم وبناء الجيل الجديد” يرى نجمة أن التعليم ليس أولوية ثانوية، بل هو معركة الوعي الكبرى، لأنه وحده القادر على إنقاذ الأجيال القادمة من إعادة إنتاج الاستبداد، إنه استثمارٌ في العقول والنفوس، لا يمكن الاستغناء عنه.

ما وراء الكلام… قراءة في حديث نوار نجمة

حين تُنصت لحديث نجمة، تشعر أن الثورة لم تكن مجرد سقوط نظام، بل إعادة اكتشاف للذات السورية الأصيلة، إنه يرى أن كل حجرٍ في مجلس الشعب القادم، وكل نصٍ في الدستور، وكل مدرسةٍ تُبنى، هي جزء من معركة تحرير العقول من الظلام الذي فرضه الاستبداد، المرحلة الانتقالية، كما وصفها، ليست انتقال سلطة، بل انتقال وعيٍ عميق. العدالة الانتقالية، السلم الأهلي، إنهاء المخيمات، وبناء تعليم جديد، ليست ملفات منفصلة، بل هي عقدٌ واحدٌ مترابط لبناء سوريا الجديدة.

Leave a Comment
آخر الأخبار