سوريا الجديدة واستعادة الاقتصاد.. ما هو المطلوب غربياً لرفع العقوبات؟

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:
ما تزال سوريا بقيادتها الجديدة تنفرد باحتضان دولي، يمكن وصفه بغير المسبوق، وإن كان البعض يُجادل بكون نتائجه تخضع لمعادلة «ما نريد وما يريدون» وقد لا تفضي إلى شيء، أي إلى النتائج الاستراتيجية المرجوة، وعلى رأسها رفع العقوبات، فأكثر ما تحتاجه سوريا بقيادتها الجديدة هو استعادة الاقتصاد، وإذا ما أخذنا بالاعتبار تغير «معادلة السلاح» في المنطقة، فإن المهمة تبدو أصعب، وفق ذلك البعض.
لا أحد ينكر حجم ومستوى «ما يريدون»، ولا أحد ينكر المنعطف التاريخي الذي تمر به سوريا والذي يتطلب الكثير جداً من الدبلوماسية الحذرة والمتيقظة ويؤثر- تالياً- على حجم ومستوى تحصيل «ما نريد»..
بالتوازي هناك – على المستوى الدولي- اجماع واضح على أن القيادة الجديدة تجيد لعبة التوازنات في معادلة «ما نريد وما يريدون» وتصدّر من الرسائل (والسياسات) ما يكفي لتحقيق نوع من العدالة والتعادل (المنافع والمصالح المشتركة) في هذه المعادلة، ويبدو أن الخارج يقرأ جيداً هذه الرسائل، وإن كان ما يزال في حالة استيضاح – من جهة- للوصول إلى معرفة كافية بشأن التوجهات النهائية لسورية الجديدة.. وفي حالة انتظار أو لنقل تريث لترجمة الرسائل عملياً، من جهة أخرى. ولذلك نرى الوفود الدولية توالي القدوم إلى دمشق، وآخرها وفد إيطالي اليوم الجمعة.
الانطباع الذي تعود به هذه الوفود، وتتحدث عنه في تصريحاتها، أن القيادة السورية الجديدة تمتلك رؤى ومساراً واضحاً في الداخل والخارج. يتحدثون عن القائد أحمد الشرع ويرون أنه نجح حتى الآن في الاستحواذ على تركيز المجتمع الدولي، وتوجيهه باتجاه «ما نريد».. ولأن استعادة الاقتصاد أولوية فمن الطبيعي أن تكون هذه المسألة محور الزيارات والاتصالات، وهذا ما يقودنا تالياً إلى مسألة العقوبات وضرورة إلغائها باعتبارها الرافعة الاقتصادية الأهم للبناء والإعمار.
تفاوض القيادة الجديدة من موقع الفرص الهائلة التي تمثلها سوريا، ومن موقع السعي لتجيير كل فرصة – ما أمكن- للمصلحة الوطنية العليا. في الإعلام الغربي يرون في القائد الشرع مفاوضاً ذكياً وبليغاً يُجيد «العرض والطلب» يتحدث عن العقوبات الدولية المفروضة على سورية، ويطلب إلغاءها لأن موجبات فرضها زالت مع زوال النظام، وبالتالي لا يصح ابقائها، في الوقت الذي يتحدث فيه المجتمع الدولي عن الانفتاح على القيادة الجديدة ومساندتها لتمكين السوريين من استعادة حياتهم وأمانهم الاقتصادي.
والسؤال: ما هو المطلوب تحديداً من القيادة السورية الجديدة لرفع العقوبات، بشقيها الأميركي والأوروبي؟
الإجابة تستدعي- ربما- المزيد من الانتظار رغم أن مسار رفع العقوبات فتحته الدول الأوروبية نفسها، وهي ترى أن من مصلحتها، اقتصادياً واجتماعياً، رفعها.
في الاقتصاد لا يمكن تحييد سوريا في سلسلة الخرائط الاقتصادية المتوقعة للمنطقة في المرحلة المقبلة. كل شيء مرتبط بما يقدمه الأميركي والأوروبي على قاعدة الحاجة المتبادلة والمصالح المشتركة لـ«ما نريد وما يريدون» وهذا ما تركز عليه القيادة الجديدة، وما يقود حتماً وضرورة إلى أن يتخذ الغرب قراراً برفع العقوبات.
يوم الخميس الماضي، استضافت العاصمة الإيطالية روما اجتماع عمل مشترك، أميركي أوروبي، لبحث هذه المسألة. وعقب الاجتماع قالت كايا كالاس مسؤولة ملف العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي: إن التكتل الأوروبي قد يخفف تدريجاً العقوبات على سوريا.
غداة الاجتماع حلَّ وفد إيطالي برئاسة وزير الخارجية أنطونيو تاياني، في دمشق، ملتقياً القيادة الجديدة.
تاياني- في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية أسعد الشيباني – أكد أن بلاده جاهزة لتعزيز التعاون الاقتصادي مع سوريا وبناء شراكات استراتيجية، وأنها ستقوم بدورها فيما يخص رفع العقوبات، مُعرباً عن تطلع بلاده لأن تكون جسراً بين سوريا والاتحاد الأوروبي، ورحب الشيباني بدعوة تاياني لرفع العقوبات مؤكداً أنها «تشكل عائقاً أمام تعافي البلاد».
.. أما في المسألة الاجتماعية، فإن الغرب، خصوصاً أوروبا، يركز على ملفين: الأول ملف الترتيبات الداخلية، والثاني ملف النزوح واللجوء، ولا شك هنا أن سوريا المستقرة والآمنة اقتصادياً وسياسياً تصب تماماً في تيسير هذين الملفين، حيث إن تحقيق هدف الاستقرار والأمن الاقتصادي يفتح الطريق أمام عودة النازحين واللاجئين، وفي هذا منفعة لسوريا الجديدة لأن من بين هؤلاء خيرة أبناء سوريا (العقول المهاجرة والصناعيين والمستثمرين) وما لهم من دور في عملية البناء والإعمار..
بالتوازي فإن أوروبا ستتمكن إلى حد بعيد من تسوية ملف اللاجئين، وهي التي استضافت عشرات الآلاف منهم في سنوات الحرب التي امتدت على 14 عاماً، وستتفادى أيضاً موجات نزوح جديدة، فإذا ما استقرت سوريا وبدأت عجلة الاقتصاد في الدوران فهذا سيوفر فرصاً هائلة على صعيد الاستثمارات واستقطاب رؤوس الأموال وبما يدفع اللاجئين السوريين

للعودة، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية يعزز حالة الأمان الاقتصادي التي ستعزز بدورها حالة الأمان الاجتماعي والاطمئنان إلى أن المستقبل سيكون أفضل.
إذاً هي عملية باتجاهين، وبالعموم يمكن القول إنه لم يسبق أن التقت المصالح بهذا المستوى، في أي من محطات التاريخ الحديث، وهذا ما يشكل دافعاً ومنطلقاً إذا ما أراد الغرب التعاون والمساندة.. والتقارب، بما يجعل تفاؤل السوريين حقيقة واقعة وبما يجعل سوريا دولة موحدة ومستقرة اقتصادياً وسياسياً.

Leave a Comment
آخر الأخبار