الحرية- إلهام عثمان:
داخل الحدود السورية، حيث تتلاقى جذور الياسمين الدمشقي مع عنب السويداء وليمون الساحل وقطن الشمال السوري، تقف البلاد اليوم على مفترق طرقٍ حاسم، هذا المفترق الذي يسعى بعض المستفيدين، مدعومين بقوى خارجيةٍ تحرك خيوط اللعبة من وراء الستار الأسود، إلى تحويله إلى مسارٍ للانقسام، حيث يلعبون على وتر ضعف النفوس وانقيادها الولائي والطائفي عند البعض، دون إدراكٍ لحجم الكارثة المتمثلة في زرع بذور الفتنة.
عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، تُبثّ هذه الفكرة بكل قواهم، لتتكشف أمامنا معادلةٌ خطيرةٌ يتجاهلها الكثيرون: السعي لتفتيت نسيج المجتمع السوري لجعله أضعف وأسهل، هذه المساعي، التي قد تجني بعض الدول الكبرى مكاسبٍ آنيةٍ من خلالها، تُهدد الاستقرار الإقليمي والدولي، وتُعيد إلى الأذهان مخاطر تحويل سوريا إلى بؤرةٍ للتطرف.
التقسيم.. فوضى مُهددة
تُجيب الباحثة الاجتماعية ومديرة معهد متوسط للاقتصاد الأسري رنا رنجبال ومن خلال حديث خاص مع صحيفتنا “الحرية”، على تساؤلٍ جوهريٍ حول مصير التقسيم في سوريا، مؤكدةً أن التقسيم يساوي الفوضى، والدول الكبرى تدرك خطورة هذه المعادلة، فبينما قد تجني بعض الدول المهيمنة مكاسب آنية، إلا أنها تُدرك أن التقسيم يُعزز وجود أطرافٍ متطرفةٍ تسعى لأهدافٍ مختلفة، ما يُشكل تهديداً للمنطقة والاستقرار العالمي، وبالتالي، فإن الحل الأمثل لضمان استقرار المنطقة يكمن في دولةٍ واحدةٍ تسيطر على كامل الأراضي السورية بحكمٍ مركزيٍ، وهو ما تخشاه أمريكا والدول الغربية.
جسرٌ نحو الوفاق الوطني
في المقابل، تُشدد رنجبال على أن التعددية هدفها تحقيق وفاقٍ وطنيٍ يُعزز الاستقرار ويحد من الانزلاق إلى صراعاتٍ جديدة، وتُشير إلى أن الحكومة السورية، وفقاً لمخرجات الحوار الوطني، تسعى إلى تعزيز قيم التشاركية التي تصون كرامات جميع مكونات المجتمع، لكن، تُعرب رنجبال عن أسفها لـ «الأحداث الأخيرة والتصعيد من قبل أطرافٍ ممولةٍ كان لها دورٌ كبيرٌ في إبطاء عجلة العمل الحكومي الإصلاحي، والغرض منه زرع البغضاء بين مكونات المجتمع السوري لغاياتٍ معروفة».
الفتن المُحترفة..
تُحذر رنجبال من أن البعض من السوريين قد انساقوا وراء الفتن التي تهدف إلى تفتيت وتقسيم المجتمع السوري واستنزافه سياسياً وأمنياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً، وتُشير إلى أن الوعود المعسولة بالانفصال أو اللامركزية تُغري البعض، ليتمكن المتآمرون من الخارج من التحكم بمصير البلاد، وضمان بقائها مفككةً وضعيفةً وسهلة الانقياد، وتُؤكد أن زراعة الفتن تتم باحترافيةٍ عاليةٍ مبنيةٍ على أسسٍ تخزينيةٍ بمساعدة بعض السوريين المأجورين، وفي ظل استمرار الحرب، تدعو أبناء سوريا الشرفاء إلى الوعي وإدراك أهدافها وغاياتها التخريبية.
درعُ الاستقرار
وتُؤكد رنجبال أن أهمية اللحمة الوطنية تكمن في تعزيز جملةً من القيم المهمة في النفوس، والتي من شأنها الحفاظ على مكتسبات الوطن، فهذه اللحمة الوطنية هي الضامن الأول لاستقرار الوطن، وتعزيز دعائم الدولة، وبالتالي هي الضامن لحقوق المواطن السوري وحمايته.
مسؤوليةٌ في زمن الفتن
وهنا، نسلط الضوء على دور العقلاء والمشايخ والوجهاء في توجيه أتباعهم، خاصةً إذا كانوا مُسيرين من الخارج لزرع الفتنة والتقسيم، ونتساءل عن مدى تأثيرهم على من يتبعهم، وكيف ينعكس ذلك عليهم، وما هي النتيجة المتوقعة؟ وفي هذا الإطار تشدد رنجبال على أن اللحمة الوطنية هي سبيل النجاة الوحيد، وأن أي انزلاق نحو الطائفية أو التقسيم سيؤدي إلى نتائج وخيمة.
نصائحٌ للسلم الأهلي
وفي ختام حديثها، تُقدم رنجبال نصائحٍ حيويةٍ لتحقيق السلم الأهلي، مؤكدةً أن ذلك لن يتحقق إلا بإنهاء الصراعات ووأد الفتن، والدفع باتجاه التعايش السلمي والتركيز على الحوار ونبذ لغة العنف والكراهية والتحريض، وتستشهد بالآية الكريمة بقوله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير»، وهنا، تدعو رنجبال جميع مكونات المجتمع السوري إلى التقارب والتعايش المشترك، ونبذ المشاحنات والخلافات التي تؤدي إلى الكراهية والبغضاء، حفاظاً على النسيج المجتمعي والوطني.