الحرية – مها سلطان
رغم أننا كسوريين كنا متفائلين إلى درجة كبيرة بإمكانية إلغاء عقوبات قانون قيصر، إلا الإعلان عن النجاح في تحقيق ذلك له وقع خاص، إنه رهان سوريا الجديدة على الثقة والقدرة، رهان على العمل بمسؤولية وجد وإخلاص.. وصبر، والنجاح في إدارة الملفات والمسارات (والفرص القائمة) باتجاه الهدف النهائي.
إلغاء قانون قيصر يأتي متزامناً مع إنجاز مجلس شعب جديد ومع الاستعدادات القائمة لإصدار عملة جديدة ما يعني أهمية اقتصادية/ سياسية مضاعفة للمسار التشريعي/ المالي الجديد
ولأن إلغاء قانون قيصر هو محطة فارقة في تاريخ سوريا، فإننا كسوريين نسجل هذا النجاح في المراتب المتقدمة لما تحقق منذ بداية التحرير في 8 كانون الأول الماضي، خصوصاً وأن إلغاء قانون قيصر يتجاوز في مفاعيله الاقتصادية والسياسية الداخل السوري نحو الإقليم، والمستوى الدولي إذا ما أخذنا بالاعتبار تموضع سوريا الحالي في علاقاتها الإقليمية والدولية.
تدعيم العملة الجديدة
ولا ننسى هنا أن هذا النجاح يأتي مع استعداد سوريا لإصدار عملة جديدة وحذف ثلاثة أصفار منها، ما يعني أن إلغاء قانون قيصر سيكون له أهمية اقتصادية مضاعفة دعماً للعملة الجديدة والمسار المالي الجديد المرتبط بها. ويمكن القول إن دخول العملة الجديدة حيز التداول سيأتي متزامناً تقريباً مع دخول إلغاء عقوبات قيصر حيز التنفيذ بعد التوقيع عليها من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب (بعد تصويت مجلس النواب عليها كمحطة أخيرة ونهائية) وذلك قبل نهاية العام الحالي.
كذلك يأتي هذا النجاح تدعيماً للمسار السياسي الذي تجاوز محطة تاريخية أخرى عبر إنجاز مجلس شعب جديد سيكون له دور أساسي على مستوى تحقيق دولة القانون والمؤسسات.
إذاً مع نهاية هذا العام، من المتوقع أن تطوي سوريا آخر وأشد العقوبات المفروضة عليها، لينطلق مسار اقتصادي جديد نراه كسوريين بمنزلة تبدل الريح حين يسبق هديرها انهمار المطر وما يحمله من خير وبشارة لمواسم عطاء يتنفس معها السوريون انفراجاً معيشياً واجتماعياً.
الأهم في إلغاء قيصر هو استبعاد «تعديل غراهام» الذي يعاكس بصورة كبيرة وخطيرة ما تتطلع إليه سوريا من إلغاء كامل لقيصر مع كل مفاعيله وتداعياته
المهم والأهم
الأهم في مسار إلغاء قانون قيصر أنه يرتكز على أمرين أساسيين:
– الأول متعلق بالمادة التي أدرجت في الموازنة التي أقرها مجلس الشيوخ اليوم الجمعة (10 تشرين الأول 2025) وتنص على إلغاء قانون قيصر دون قيد أو شرط مع نهاية العام الحالي، وهذا الأمر يعد تحولاً مهماً في الجهود المبذولة لإنهاء آثار القانون الذي فرض قيوداً اقتصادية قاسية جداً على سوريا.
– الأمر الثاني متعلق بذلك التحول (آنف الذكر) حيث تم استبعاد ما يسمى «تعديل غراهام» الذي يُعاكس بصورة كبيرة وخطيرة ما تتطلع إليه سوريا من إلغاء كامل لقانون قيصر مع كل مفاعيله وتداعياته، أي ما اشترطه «تعديل غراهام» لناحية إبقاء الباب مفتوحاً لعودة العقوبات تلقائياً في حال ما سماه عدم التزام سوريا بجملة شروط أو أهداف يجب تحقيقها خلال 12 شهراً متتالية، بعد إلغاء قيصر.
التطور المهم جداً الذي حدث هنا هو إلغاء هذا التعديل، لتكون تلك الأهداف في وضعية المطلوبة ولكن «غير ملزمة». وتأتي الأهمية هنا من باب أن تعديل غراهام كان «يمثل إفشالاً لمحاولات إبقاء قانون قيصر بشكل دائم كسيف مسلط على رقاب المستثمرين الراغبين بدخول سوريا والمساهمة في إعادة إعمارها وتنشيط اقتصادها» وفق المجلس السوري-الأميركي (مقره واشنطن) الذي يقود عملياً بالتعاون والتنسيق مع القيادة السورية مسار إلغاء قيصر.
وكان المجلس أكد في منشور له عبر منصة «إكس» اليوم أن إلغاء قانون قيصر في مجلس الشيوخ- دون قيد أو شرط – هو نصر دراماتيكي في المعركة الطويلة التي خاضها المجلس لإلغاء هذا القانون. وقال: إن النصر الذي تحقق اليوم يعد خطوة كبيرة، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن العمل لا يزال مستمراً لضمان وصول الإلغاء إلى خط النهاية واعتماده رسمياً.
سوريا خالية من العقوبات
إذاً، يمكن القول إنه مع بداية العام المقبل، ستتنفس سوريا اقتصادياً بعد عقود من العقوبات، لتبدأ عملية النهوض والبناء المرتبطة بشكل أساسي بفتح قنوات التمويل والاستثمار الدولي في ظل الحاجة إلى مئات المليارات لتجاوز الأزمات القائمة والانطلاق بعملية بناء الاقتصاد، هذا الانفتاح في التمويل والاستثمار يحتاج بصورة عملية إلى بيئة موثوقة خالية من العقوبات ومن الشروط الدولية وعلى رأسها الأميركية، باعتبارها الأقسى والأكثر تأثيراً، وهذا ما يحققه النجاح في إلغاء عقوبات قانون قيصر.
وهذا سينعكس بدوره على التحويلات المصرفية مع البنوك العالمية، بما يسهل عمليات الاستيراد والتصدير وتنشيط الموانئ، وتحريك قطاع التكنولوجيا والاتصالات، وحتى دعم القطاعات الزراعية والصناعة الغذائية وتعزيز الانفتاح على الأسواق الخارجية.
وإذا كان الحديث اقتصادياً بالدرجة الأولى عندما يتعلق الأمر بإلغاء قانون قيصر، إلا أن الالغاء يحمل أيضاً بعداً نفسياً (وسياسياً) ونحن هنا نتحدث بصورة أساسية عن عودة الثقة بسوريا مع حضورها المتواصل والإيجابي في المحافل الدولية، سواء عبر المشاركة في مؤتمرات اقتصادية عالمية، أو عبر الانفتاح على مؤسسات مالية دولية كصندوق النقد الدولي، على سبيل المثال.
تطورات المنطقة تتجه نحو تعزيز خيارات سوريا ودورها المحوري باعتبارها تحتل نقطة الوصل الجغرافي الأهم في أي خريطة اقتصادية مستقبلية
انعكاسات إقليمية
كما هو معروف فإن أي تطورات في سوريا ستنعكس حكماً على الجوار، سواء كانت اقتصادية أو سياسية (أو ميدانية)، صحيح أنه تأثير لا يكون فورياً وبصورة مباشرة إلا أنه يتدرج ويتعمق مع الوقت، وهذا ينسحب على إلغاء قانون قيصر، وتندرج التداعيات في إطار الفوائد والمكاسب والتسابق لحيازة القسم الأكبر منها.
عموماً، ستستفيد دول الجوار من إلغاء عقوبات قيصر على مسارين رئيسيين:
– الأول يتمثل في دخولها ساحة الاستثمار السورية مستفيدة من القرب الجغرافي ومعرفتها بمتطلبات السوق المحلية، إلى جانب القوانين الاستثمارية الجديدة المساعدة.
– الثاني يتجلى في انعكاس أي استقرار اقتصادي سوري على اقتصادات المنطقة، سواء من خلال استثمارات القطاع الخاص للدول الأخرى في سوريا أو عبر العقود الحكومية مع الدولة السورية.
إلى جانب تحسين ظروف النقل البري والجوي والبحري عبر سوريا بعد سنوات من التعطيل وارتفاع التكاليف بسبب غياب الأمن والعمليات العسكرية والرسوم غير الرسمية، وهذا سيكون له أثر مباشر على المنطقة بأسرها.
لا يخفى أن دول الجوار تتطلع لهذا الاستثمارات، بل إن قائمة الاستثمارات جاهزة وتنتظر انطلاق شارة البدء، وسوريا بدورها في الموقع ذاته تتطلع لاستثمارات عملية وازنة تحقق قفزات نوعية وسريعة للاقتصاد والتنمية.
الأمر نفسه ينطبق على استثمارات وشراكات دولية تتوازى مع ما تحققه سوريا من استقرار سياسي وانفتاح إقليمي دولي، ويبدو أن تطورات المنطقة تتجه نحو تعزيز خيارات سوريا ودورها المحوري باعتبارها تحتل نقطة الوصل الجغرافي الأهم في أي خريطة اقتصادية مستقبلية للمنطقة.. ومن هنا ينطلق ويتسع تفاؤل السوريين، لناحية الثقة بالقيادة السياسية وإدارتها المشهود لها في تخطي العقبات والأزمات.. ولناحية أن المستقبل يبدو مضموناً رغم كل ما تعيشه سوريا حالياً من مخاض العملية الانتقالية.