سوريا.. «تفاهم مع المستقبل»

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

ناظم عيد – رئيس التحرير

إن كانت مشروعات البنية التحتية أساس التنمية وقاعدتها اللازمة والضرورية.. فإن ثمةَ ماهو لازمٌ وضروري أيضاً على مستوى ما تجوز تسميته “البنية الفوقية” للبلاد، والتي يبدو الإعلام – كقطاع – صاحب الحصّة الأوفر منها كتوصيف نظنّه الأكثر دقّة وإنصافاً، لمنظومة حيّة ديناميكية مؤثّرة تتضافر فيها المهارات المعرفية مع التقانة الذكية، استطاعت تحويل هذا العالم إلى “قرية صغيرة” فعلاً لا مجرد قولٍ.

وإن كان ما تمَّ إنجازه حتى الآن على مستوى قطاعات البنية التحتية وتلبية الاستحقاقات الملحّة في سياق مساعي بناء سوريا الجديدة، يدعو للاسترخاء والاطمئنان و يبدد الهواجس التي تزاحمت مع بدايات التحرير.. فإن ما تمَّ إطلاقه اليوم في مضمار التأسيس الحقيقي لبيئة عمل إعلامي سوريةٍ راسخة، يبدو غيرَ مسبوق بما ينطوي عليه و يفترضه من نتائج ستتكفل، بترميم ماطال وصفه بأنه الخاصرة الأضعف في المشهد السوري العام.

المتغير الذي نبني عليه رؤيتنا هو توقيع مذكرة التفاهم بين وزارة الإعلام السورية وشركة المها الدولية للإنتاج الفني، لإطلاق مشروع إستراتيجي يحمل اسم بوابة دمشق، كأول مشروع متكامل لمدينة إنتاج إعلامي وسينمائي وسياحي في سوريا.

وقد اختصر وزير الإعلام الحدث بما قلّ ودلّ: “نحرص على أن يكون الإعلام السوري شريكاً في التنمية و معبّراً عن سوريا الجديدة”..

لدى سوريا كوادرها الإعلامية الاحترافية التي “تشرّدت” في كل أصقاع الدنيا، واستطاعت بمهاراتها- حيث كانت- صياغة علامة فارقة فكرية ومهنية عندما أُتيحت لها البيئة والمساحة والأدوات.. ومن شأن حدث اليوم أن يعيد توطين “النبض السوري الحقيقي” و لمّ الشمل واستعادة الكوادر المبعدة.. أو على الأقل الاحتفاظ بالموجود وطي صفحة الهجرة المؤرقة التي تشغل الحيز الأكبر من أذهان متوالية الأجيال الإعلامية، التي تتراكم في أروقة مؤسسات “الوظيفة الصماء” خضوعاً لإملاءات لقمة العيش والبقاء القسري في “نادي من زادهم خبزاً ليس إلّا”.

خمسة آلاف فرصة عمل دائمة وتسعة آلاف أخرى موسمية.. رقمان بدلالات مهنية واقتصادية ومن ثم اجتماعية بالغة الأهمية.. إن كان لخبراء التنمية التقاطها بمفرداتهم الكثيرة.. سيكون للمهتمين بالشأن الإعلامي مساحاتٌ أوسع في قراءتهم للمشهد الواعد المفترض.

نتحدّث عن الإعلام كعنوان انطوت عليه مذكرة التفاهم اليوم.. لكن ثمة امتدادات إلى فضاء الإنتاج الدرامي والسينمائي.. وسلسلة المهن الملحقة، وهي كثيرة، ستؤسس بالفعل لمشهد سوري مختلف بدأت تتشكل خيوطه اليوم و سيتبلور تباعاً خلال مدة أقصاها خمس سنوات.. إنها المصافحة الدافئة الأولى مع المستقبل للإعلام والإعلاميين في سوريا..

وعندما “يُقضى الأمر” ويتصالح الإعلام مع بيئته سيكون فعلاً شريكاً في التنمية.. بل واجهتها ومنصة التسويق النشطة لها..

Leave a Comment
آخر الأخبار