طرطوس- مها يوسف:
لطالما كان المجتمع السوري عبر تنوعه وغنى مكوناته نسيجاً واحداً مميزاً بين الدول، فكان التعايش بين أبناء المجتمع يقوم على الإلفة والمودة فيعيشون في أمن وسلام ضمن بيئة يسودها التفاهم والوئام بعيداً عن الحروب والعنف، وإذا وجد الاختلاف يبقى من الظواهر الطبيعية ويكون سبيلاً للتواد والتراحم بين أطيافه، فالتعايش السلمي واحترام الجميع ضرورة من ضرورات الحياة وصيانته عبر الاحترام المتبادل والعمل على بناء الوطن بالمعنى الحضاري والإنساني.
أساس التقدم
تهامة المعلم دكتوراة بالتربية وعلم النفس رأت أن الأمن والسلم الأهلي هما أوكسجين الحياة، وهما من أعظم النعم للإنسان، ولا يعرف قيمتهما إلا من فقدهما، كما هو الحال اليوم في الواقع السوري.
وأوضحت المعلم أن مفهوم السلم الأهلي هو حماية الإنسان أولاً قبل أن ينتمي إلى أي مذهب أو طائفة، وهو مسؤولية اجتماعية بوصفه ينبع من مسؤولية الفرد تجاه نفسه أولاً وعائلته ومن ثم المحيطين به، مضيفةً أن للثقافة والوعي والأخلاق دوراً مركزياً في الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي أو النيل منه.
حيث تشمل جميع النواحي بالحياة وعلى كافة الأصعدة، منوهة أن الاستقرار الأمني ضروري لحفظ توازن السلم الأهلي اجتماعياً، اقتصادياً وعقائدياً، فالأمن مطلب أساسي للانسان ولكل مواطن في المجتمع.
واكدت المعلم أنه يتوجب على كل فرد في واقعنا اليوم أن يدرك أهمية السلم الأهلي وضرورة التعايش الإنساني والتعاون بين مختلف أفراد المجتمع لنبذ العنف أولاً، والتعصب ثانياً، والتطرف بالتفكير والابتعاد عن الشعارات الطائفية لنحافظ على نسيج مجتمعي في مجتمع مؤمن بأفراده ويسعى معهم للوصول إلى أعلى درجات الأمن والسلم الأهلي، لأنهما الداعمان الأساسيان لكل تقدم وتطور في الحياة، وأخيراً وليس آخراً، لا ننكر أن الأوضاع اليوم تعاني من بعض العبثية والعشوائية التي رافقت حياتنا بكل مفاصلها.
وشددت الدكتورة تهامة على أن الشعب السوري بأطيافه كافة يؤكد على العيش المشترك بأمن وأمان، وتقوية مفهوم وأبعاد دور الدولة وجهازها الأمني، وعلى ضرورة منحها الثقة المطلقة، وإيجاد الأساليب الصحيحة والبناءة لتفادي الأخطاء، ومحاسبة أي طرف يمس الآخر بالأذى باختلاف نوعه، وضرورة تقوية علاقات أفراد المجتمع بالدولة، وذلك عبر إرساء التشريعات الأساسية من أجل النهوض بدولة صحيحة هادفة وداعمة لمكوناتها للوصول إلى درجات الأمن والسلام.
ثوابت
المدربة الدولية بالتنمية البشرية والاستشارية النفسية الدكتورة ولاء لحلح أوضحت أن استقرار المجتمعات يكون من خلال عدة ثوابت، أهمها التعايش السلمي والوحدة الوطنية والمحبة والإخاء ونبذ ثقافة العنف وإلغاء الآخر، فإن تفاقمت هذه التصرفات في أيّ مجتمع سينعكس ذلك على تطوره وازدهاره ونموه، كما أن لثقافة المحبة والتسامح والسلم الأهلي تكريس لمفاهيم تنعكس بداخل المجتمع وفي خارجه.
ولفتت لحلح إلى أن الإنسان عندما يكون خارج بلده أو مجتمعه يكون صورة عن الثقافة التي نشأ عليها، قائلة: أذكرُ تماماً قبل عدة سنوات أنني حضرت معرضاً فنياً تجتمع فيه مختلف الأطياف والأعراق، كانت أياماً جميلة واكتسبت من خلالها معرفة العديد من الثقافات المجتمعية والعادات والتقاليد وتعلمت منهم وتعلموا مني.
وأوضحت لحلح أن هذا الأمر عندما يكون داخل البلد نفسه بين محافظاته ومدنه وقُراه ينعكس تلقائياً خارج البلاد، ولذلك نرى المواطن السوري محبوب في الخارج وثري ثقافياً وفنياً وأخلاقياً وتربوياً بتعاملاته مع الناس .
وختمت حديثها: البلد التي فيها أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ وفيها خُطت أول أبجدية في العالم لا يمكن أن تكون إلا أنموذجاً يحتذى به في كل بقاع العالم.
التلاحم الوطني
الباحث الاجتماعي الدكتور سمير هادي قال: إن السلم الأهلي والتلاحم الوطني الاجتماعي من أهم ركائز تطور المجتمع ونموه وتحضره، لأنهما يستندان على النظرة الإنسانية والاخلاقية للإنسان الآخر فقط لا غير .. فالمجتمعات تبنى على معرفة الحقوق والواجبات والتقيد بهما فكلما أدرك الفرد حدود واجباته وحقوقه كلما كان التعايش بين أفراد المجتمع أرقى وأسمى .
وقال الدكتور سمير: أعيش في منطقة شعبية غنية بجميع أطياف المجتمع ومكوناته وأعراقه حتى البناء الذي أقطن فيه يكاد يكون لوحة فنية متجانسة تشمل أغلب ألوان المجتمع السوري, وتربينا على أن نزور المريض ونبارك لأهالي الناجحين من أبنائنا ونفرح لخطوبة أو زواج أحد من سكان هذا البناء، وكذلك (السكبة) في شهر رمضان وباقي أيام السنة.. في الحقيقة لا أشعر إلا وانني مع عائلتي وأهلي لأن الألفة الاجتماعية حاضرة بيننا وهذا مثال من أمثلة كثيرة تبنى عليها المجتمعات المتحضرة بالتعايش والتكافل والتعاضد والإخاء والمحبة.
وأكد أن سوريا تُمثل هذا الدور منذ آلاف السنين بمكوناتها وأطيافها على مرّ التاريخ. ولفت الدكتور هادي إلى أن الحروب قد تؤثر في بعض الأحيان ولفترة وجيزة على هذا التعايش، ولكن التاريخ والتجارب أثبتوا بأن السوريين إخوة وبأنهم طيبو الخلق والمنبت، وتربوا على الأصل الطيب والأخلاق الحميدة .
ودعا في ختام حديثه إلى التمسك بمحبتنا لبعضنا البعض والتمسك بسوريا الواحدة الموحدة لأن بالمحبة خلاصنا وقوتنا، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) .. وعن سيدنا عيسى عليه السلام قال: ( اعملوا كل شيء بمحبة ).