الحرّية- هبا علي أحمد:
تشكل مسألة جذب الاستثمارات الخارجية أكبر التحدّيات التي تمر بها سوريا، ولا سيما أن هناك العديد من العوامل لا زالت تحول دون ذلك من حيث عدم توفر حوامل الطاقة وتذبذب سعر الصرف وعدم استتباب الأمن، وبالتالي عدم تحقيق الأمن الاقتصادي الذي وبمجرد توفير أدواته من طاقة وإصلاحات قضائية وتسهيلات إدارية يُمكن القول إن البيئة الخصبة للاستثمار توفرت، كما يرى باحثون، بينما يرى آخرون أن البيئة العالمية السياسية والاقتصادية أساساً ليست مهيأة للاستثمار نتيجة العديد من التناقضات والإرهاصات التي من شأنها، إذ استمرت على هذا الحال أن تؤدي إلى أزمات اقتصادية شهدها العالم في عقود ماضية، ولكن إذا حصرنا الأمر في سوريا نرى أن البيئة الاستثمارية في سوريا بيئة خصبة جداً نظراً لطول سنوات الحرب وبالتالي فالفرصة الاستثمارية في الاقتصاد السوري مضاعفة.
لا بدّ من الاعتماد على الاستثمارات الخارجية التي تكون قائمة على رجال الأعمال السوريين والاستفادة من تجاربهم الناجحة في قطاع الأعمال والبناء والاستثمار
حول موضوع الاستثمار وتوفير عوامله، أشار الباحث الاقتصادي الدكتور عمار يوسف في تصريح لصحيفة «الحرّية» إلى أهمية الاستثمارات الخارجية نظراً لعدم توافر العوامل الداخلية لموضوع الاستثمارات وإعادة البناء وإعادة الإعمار نتيجة الفقر الهائل الذي نشهده راهناً، وعدم وجود رؤوس الأموال التي تساعد بإعادة الإعمار في هذه الظروف. من هنا يجب أن يكون الاعتماد على جانبين، الأول الاستثمارات الخارجية التي تكون قائمة على رجال الأعمال السوريين أو المستثمرين في بلاد الاغتراب والاستفادة من تجاربهم الكبيرة في هذا السياق كما في الإمارات ومصر والجزائر، حيث أثبت رجال الأعمال السوريون أينما كانوا نجاحهم خاصة بقطاع الأعمال والبناء والاستثمار.
والجانب الثاني الاستثمارات الخارجية الأجنبية غير المرتبطة برجال الأعمال السوريين، وهذا الجانب يُعوّل عليه خاصة في المجال التقني والفني والاستثمارات بمجال الطاقة.
– حوامل الطاقة والأمن
وعند الحديث عن استثمارات فمن البدهي أن يترافق ذلك مع البحث عن عوامل جاذبة سواء كان رأسمال عربي- سوري أو رأسمال أجنبي، وتأتي في مقدمة عوامل الجذب تحقيق الأمان الاقتصادي كعامل غاية في الأهمية بالنسبة للتاجر أو المستثمر الخارجي، حسب يوسف، الذي يرى أن المستثمر يريد أمان وضمان للمال الذي يدخل فيه إلى سوريا، سواء من خلال استثماره أو من خلال إخراجه بعد إضافة الأرباح العائدة له خارج البلد، فالأمان الاقتصادي «عباءة كبيرة» تندرج ضمنها أمور عدة، مثل تأمين حوامل الطاقة وثباتها واستقرارها وهذا موضوع مهم بالنسبة للمستثمر الخارجي ولأي عملية استثمار، ثبات سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملة الأجنبية.
تحقيق الأمان الاقتصادي يأتي في مقدمة العوامل الجاذبة للاستثمار سواء كان رأسمال عربي- سوري أو رأسمال أجنبي
وتابع يوسف: من العوامل الجاذبة للاستثمار الاستقرار الأمني من حيث ضمان الطرقات، المنشآت ضمن بيئة الاستثمار الحالية في سوريا، إضافة إلى ناحية مهمة جداً وهي إيجاد بيئة قضائية وإدارية، بمعنى، آلية قضائية أو آلية لحل المنازعات الناشئة بين المستثمرين فيما بينهم، وبينهم وبين الحكومة أو غيرهم من الأفراد، أضف إلى ذلك تسهيل مطلق للمعاملات الإدارية التي تتطلبها المرحلة القادمة من حيث الشفافية بالقوانين أي البيئة القانونية التي تجذب الاستثمارات، إلى جانب البيئة الضريبية بما يخص موضوع الضرائب، موضوع الرسوم ولاسيما تقديم تسهيلات وإعفاءات للمستثمرين.
– المطلوب من المستثمرين
وإذا كان كل ما سبق ذكره هو ضمن الإجراءات والخطوات التي يجب على الحكومة القيام بها، يُطرح السؤال التالي:
البيئة الاستثمارية في سوريا بيئة خصبة جداً نظراً لطول سنوات الحرب وبالتالي فالفرصة الاستثمارية في الاقتصاد السوري مضاعفة
ما المطلوب من المستثمرين لإنعاش الاقتصاد السوري؟
يرى الخبير أن انتعاش السوق السورية يصب في مصلحة المستثمر أساساً حتى يتمكن من استرداد أمواله التي أنفقها بالاستثمار، وعملياً فالمطلوب منهم يكون تحصيل حاصل، بمعنى ما يُطلب من المستثمر يعود بالفائدة عليه، لأن الاستثمار يعني تأمين فرص عمل، تسهيلات، رواتب، تأمين تدفق للمواد الأولية، تأمين تسهيلات لخروج ودخول المال داخل وخارج سوريا، وهنا عاد يوسف ليشير إلى رأي المال السوري، بمعنى من يعود ليساهم في بناء بلده يُمكن أن يغض الطرف عن الكثير من الأمور و يعمل بالحد الأدنى من الأرباح.
– مخاض سياسي واقتصادي
يختلف الأستاذ في كلية الاقتصاد الدكتور عابد فضلية في الرؤية حول الاستثمار، حيث تتجاوز سوريا لتصل إلى دول الإقليم والعالم والمرحلة السياسية والاقتصادية التي تسير في ركبها الدول والتي قد تصل إلى ركود تضخمي ومن ثم الدخول في مرحلة الكساد، فالفترة الحالية حسب رؤيته ليست محفزة أو جاذبة للاستثمار، لا في سوريا، ولا في أي من دول الجوار، ولا حتى في دول الإقليم الشرق أوسطي، فالعالم كله دون استثناء يمرّ بمخاض سياسي واقتصادي معقد، حيث إن سيرورة النظام الرأسمالي الذي يجرّ معظم الدول العالم بذيوله يمرّ بمرحلة ركود تضخمي تسبق مرحلة كساد قاسية، ستليها خلال السنوات القليلة القادمة، تقودها وترافقها حالة من الإرهاصات السياسية المعقدة المتناقضة، تؤثر وتتأثر بها، سلباً تارة، وتناقضات في أحيان أخرى ستجر العالم إلى ظروف ووقائع تسبق عادة الأزمات الكبرى كما حدث عدة مرات في التاريخ منذ 1870 مروراً بأزمة 1900 وليس انتهاءً بأزمة عام 1929 التي سبقت ومهدت للحرب العالمية الثانية.
من العوامل الجاذبة للاستثمار الاستقرار الأمني وإيجاد بيئة قضائية وإدارية مع تسهيل مطلق للمعاملات الإدارية التي تتطلبها المرحلة القادمة من حيث الشفافية بالقوانين
أما نحن في سوريا وفي دول جوارنا وإقليمنا الجغرافي جزء ضعيف لا يتجزأ من هذا العالم الذي يؤثر بنا ولا تؤثر به، أضف إلى ذلك حسب الدكتور فضلية أن سوريا تمرّ اليوم بمرحلة انتقالية صعبة سبقها مرحلة مخاضات سلبية استمرت لعقود، وذلك على المستويين السياسي والاقتصادي، من هنا فالتريث سيد الخيارات بالنسبة للمستثمرين، وبكل الأحوال فإن الحراك الاقتصادي السوري (ولا نقول الانتعاش) يبدأ وينتهي بالمشاريع الاستثمارية في قطاعي الزراعة النباتية والحيوانية والصناعة التحويلية اللذين يضمان بقية القطاعات، مع التنويه إلى أن البيئة الاستثمارية في سوريا هي بيئة خصبة جداً نظراً لطول سنوات الصراع والحرب منذ عام 2011، وبالتالي فالفرصة الاستثمارية في الاقتصاد السوري هي أضعاف الفرص المتاحة في أي مكان في العالم، ولاسيما مع القيادة السياسية الجديدة التي تضع نصب أعينها تطوير الاقتصاد والمجتمع كأولوية راسخة.