سوريا وتحولات سعر الصرف.. هل بدأ مسار التعافي الحقيقي أم مرحلة مؤقتة؟

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- مجد عبيسي:

نحن أمام عدة معطيات حول الاقتصاد الحالي.. الدولار خسر ثلث قيمته “ظاهرياً” أمام الليرة السورية منذ يوم النصر.
السوق الحر هو الحاكم “حسب البيان الرسمي”.. أي إن التنافس هو سيد التسعير، تم السماح بالتسعير بكلا العملتين وعدم تجريم التعامل بالدولار
كل هذه مفرزات تغير الوضع الاقتصادي في المرحلة الراهنة..
ولكن من المفرزات أيضاً أن الأسعار لم تنخفض مع انخفاض سعر الصرف، وأهمها الأدوية والعقارات ومعظم المستلزمات اليومية..
والأجور ما زالت متدنية في جميع القطاعات الحكومية والخاصة ولا تتناسب مع واقع السوق.
أي إن المواطن ما زال يعيش أزمة اقتصادية.. ماذا حصل؟

عوامل قد تفسر عدم انخفاض الأسعار:

هناك عدة عوامل قد تفسر عدم انخفاض الأسعار في سوريا بشكل مباشر مع انخفاض سعر صرف الدولار، منها مشكلة العرض والطلب.
فقد يبقى العرض محدوداً، أو هناك احتكارات تسيطر على السوق، ما يمنع انخفاض الأسعار رغم تراجع قيمة العملة.
أيضاً بعض التجار يحتفظون بالمخزون بأسعار قديمة أو يرفضون خفض الأسعار خوفاً من خسائر.
كما أن ارتفاع التكاليف الثابتة كالكهرباء، والمواد، والأجور قد لا تتغير بسرعة، ما يضطر التجار لرفع الأسعار بدلاً من خفضها.. وذلك في ظل عدم دعم القطاع الكهربائي الصناعي ومستلزمات الإنتاج الزراعي ودعم الصادرات بشكل فعال من الحكومة بعد.

خزام: عندما ينخفض سعر صرف الدولار ولا تنخفض الأسعار بعملة الليرة السورية فهذا يعني بأن الأسعار قد ارتفعت

هذا وإن سياسة السوق تؤثر بشكل كبير، فبعض التجار يفضلون الحفاظ على هوامش ربح عالية أو يتجنبون التغيرات المفاجئة، لأن كل انخفاض سريع للدولار سوف يلحق به ارتفاع بنفس السرعة خلال فترة قصيرة، وأخيراً الاحتياجات الاستيرادية.. فاستيراد المواد الأساسية يعتمد على الدولار، وإذا انخفض سعره، قد لا تتغير الأسعار مباشرة بسبب التكاليف الثابتة أو وجود مخزون سابق.
ولكن السؤال هنا هل ارتفعت قيمة العملة حقيقة؟

حقيقة انخفاض سعر الصرف

خلال الفترة السابقة حدثت تقلبات بسعر الصرف لم تكن بسيطة، فمع بداية العام كان الدولار بـ١٣ ألف ليرة سورية، ومع بداية شهر شباط هبط إلى 8400 ليرة.. وفي ٥ أيار وصل إلى 12500 ليرة، واليوم نحو 9000 ليرة للدولار الواحد ولا ثبات واضحاً..
لا يمكن أن نعتبر هذه التقلبات بسيطة، والمواطن يدفع الفرق من مدخراته، وتأثير المركزي غير كبير..
نقول: هذا الانخفاض ليس حقيقياً طالما بأنه ليس انخفاضاً بطيئاً ناتجاً عن زيادة الإنتاج القابل للتصدير والبديل عن المستوردات والإنتاج الكافي لتلبية الطلب الداخلي.
ويبدو أنه فقط لسحب الكتل الدولارية المخزنة خارج السوق وخارج البنوك والتي تقدر بالمليارات.
نعم سياسة التسعير المزدوج ناجعة، ونرى أنها قد تستوعب سحب المخزونات من دون تكبد خسائر ناجمة عن توتر سعر الصرف.
ولكن لحسم أمر سعر الصرف يتوجب إنشاء منصة لبيع وشراء الدولار من قبل المصرف المركزي لمعرفة سعر الدولار الحقيقي عند البيع والشراء.

رأي خبير

يقول الخبير الاقتصادي جورج خزام: عندما ينخفض سعر صرف الدولار ولا تنخفض الأسعار بعملة الليرة السورية فهذا يعني بأن الأسعار قد ارتفعت
فإذا كان سعر صرف الدولار 10,000 ليرة وكان سعر سلعة 90,000 ليرة فهذا يعني بأن سعرها 9 $، إذا انخفض سعر صرف الدولار إلى 9,000 ليرة ولم ينخفض السعر بالليرة فهذا يعني بأن سعرها ارتفع إلى 10$ بالرغم من ثبات السعر بالليرة السورية 90,000 ليرة.
ويضيف خزام في تصريح لـ”الحرية: إن دولرة الأسعار تعني التسعير بالدولار والدفع والقبض بالليرة السورية أو بالدولار.. إن التسعير بالدولار هو لمصلحة المستهلك حتى تنخفض الأسعار بنفس نسبة انخفاض الدولار، وحتى لا ترتفع أعلى من نسبة ارتفاع الدولار.
وأكد أن دولرة التكاليف بالنسبة للتاجر والصناعي تعني حصر التكاليف بالدولار بدقة ومعه وضع أسعار للبيع بالدولار لا تؤدي للوقوع بالخسائر مع التقلب السريع بسعر الدولار.
مشيراً أن دولرة التكاليف والأسعار هو ضرورة تفرضها الحالة التي يمر بها الاقتصاد بالتقلب السريع بسعر صرف الدولار.. وهذا فيه حماية لمصلحة المنتج والتاجر والمستهلك..
ويقول خبراء: إن القيمة الحقيقية للدولار الواحد تتراوح بين 17 – 20 ألف ليرة سورية، ولكن هذا السعر لم يصرح به المصرف المركزي.. والحل الوحيد لوضوح سعر الصرف هو الخروج من عنق الزجاجة والوقوف بعد سنوات الشلل الاقتصادي نحو دوران عجلة المعامل وتصدير المنتج الوطني.
لا نعتبر ما يحدث فوضى ممنهجة كما كان في “اللا نظام” السابق، ولكن هي مرحلة خروج من مستنقع أوحلته السياسات المدمرة للاقتصاد الوطني خدمة لمطامع أصحاب النفوذ.
نعم الاستيراد اليوم يستنزف القطع، والتهريب يقتله، والتطور باتجاه قطاعات الخدمات لا يبني اقتصاداً صحياً، ولكن الحل الوحيد الذي تعمل الحكومة حالياً عليه هو دعم الإنتاج ودعم المستثمرين والشركات الصناعية والمعامل والقطاع الزراعي على وجه الخصوص..

ما علينا إلا الصبر قليلاً.. فالآن للصبر معنى.

عندها نلمس نتائج هذا التيار الاقتصادي الجديد، وتنخفض الأسعار بشكل فعلي ويرتفع دخل الفرد.. أو هذا ما نأمل.

Leave a Comment
آخر الأخبار