سوريا ودعت شهراً ذهبياً وتستقبل آخر.. حل عقدة «الأجانب» وزيارة مرتقبة للرئيس الشرع إلى واشنطن.. المنطقة نحو تحالفات نهائية سياسياً واقتصادياً

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

دخل شهر أيار الماضي دائرة التصنيف الذهبي بالنسبة للسوريين لما حمله من تطورات فارقة قلبت المشهد الداخلي 180 درجة (كما نقول في عاميتنا) ومعه العربي/الإقليمي. كان أيار شهراً ذهبياً بامتياز، ويبدو أن هذا الشهر (حزيران) سيكون على نمطه، وربما الأشهر القادمة ستكون كذلك أيضاً، حيث تستكمل سوريا الجديدة (القيادة والرئيس أحمد الشرع) المضي قدماً وبنجاح في مسارين، الأول كسر العزلة الدولية والتي باتت في مراحلها الأخيرة، والثاني يتمثل في تجيير النجاح في المسار الأول لمصلحة التنمية وإعادة الإعمار.

بدأ حزيران الحالي بزيارة الرئيس الشرع لدولة الكويت، مستكملاً محطات استعادة العلاقات السورية العربية، ووضعها على سكتها الصحيحة. ومع هذه الزيارة استمرت الأخبار الجيدة وعلى أكثر من مستوى، داخلي ودولي.

في اليومين الماضيين برز خبران رئيسيان تقاسما هرم اهتمامات السوريين، الأول متعلق بما يسمى المقاتلين الأجانب، والثاني الزيارة المرتقبة للرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية وإلقائه كلمة أمام الأمم المتحدة، وهي الأولى لرئيس سوري منذ 60 عاماً.

– المقاتلون الأجانب

حتى ساعات قليلة ما قبل انتشار خبر «التفاهم» مع إدارة ترامب حول المقاتلين الأجانب، كان يُوصف هذا الموضوع بأنه عقدة العقد، ومعضلة المعضلات، والشرط الأميركي التعجيزي، والتحدي الأخطر، والورطة التي لن تنجو منها سوريا، ولا الرئيس الشرع… وغير ذلك من التوصيفات التي كانت تلعب على ما يسمى بأخطر الأزمات الداخلية.

عقدة المقاتلين الأجانب وجدت طريقها للحل بأسرع مما كان متوقعاً وضمن الحل المنطقي وهو أن يكونوا جزءاً من الجيش فكيف تم «التفاهم» وما هو سر قبول ترامب بما عرضه الرئيس الشرع؟ 

هذه المعضلة وجدت طريقها للحل بأسرع وأسهل مما كان متوقعاً، وضمن الحل المنطقي، وهو أن يكونوا جزءاً من جيش سوريا الجديد، فكيف تم «التفاهم» وما هو السر الذي دفع إدارة ترامب إلى القبول بما عرضه الرئيس الشرع حول المقاتلين الأجانب، ليتبعه لاحقاً توسيع قرار الانسحاب وإغلاق عدة قواعد أميركية في سوريا، من ضمنها القواعد الكبيرة؟

نصف الجواب قدمه المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك، الذي قال في تصريحات أمس (حول ملامح السياسة الأميركية المستقبلية في سوريا) إن واشنطن بصدد تغيير كامل السياسات تجاه سوريا، فهي لن تكون كما كانت عليه خلال الأعوان الـ100 الماضية، فقد كانت سياسات فاشلة، أو غير ناحجة وفق تعبير باراك الذي أضاف أيضاً بأن واشنطن بدأت تقليص وجودها العسكري في سوريا، وتعمل على إغلاق جميع القواعد، وأنها ستحتفظ بقاعدة واحدة فقط.

إذا ما تحققت زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن ومشاركته في اجتماعات الأمم المتحدة فإن سوريا تكون بذلك كسرت بصورة نهائية العزلة الدولية التي عانت منها لعقود طويلة وجرت عليها كل ويلات العقوبات والحصار

وكان القوات الأميركية قد نفذت انسحاباً مفاجئاً في اليومين الماضيين من قاعدتين رئيسيتين في ريف دير الزور الشرقي ضمن مناطق سيطرة «قسد» حيث شوهدت أرتال أمريكية تضم عربات مصفحة ومعدات لوجستية تغادر مواقعها في حقل العمر النفطي ومعمل كونيكو للغاز، وسط تحليق مكثف لطيران «التحالف الدولي».

– «قسد» والدعم الأميركي

وكان باراك تتطرق لهذه المسألة أيضاً، ولما يُقال حول تسليم إحدى القواعد لقوات «قسد» مشيراً إلى أن قسد حليفة بالنسبة لواشنطن والدعم الأميركي المقدم لها هو دعم لحليف وهذا أمر مهم جداً.

لكنه بالمقابل أوضح بأنه هذا الدعم سيكون موجهاً نحو دمج قسد في جيش سوريا الجديد قائلاً: «يجب أن تكون توقعات الجميع واقعية» مشيراً إلى أهمية العمل على إدماج وحدات حماية الشعب (YPG) ضمن البنية العسكرية الجديدة في سوريا.

وفيما يخص المقاتلين الأجانب أكد باراك أن الولايات المتحدة وافقت على خطة طرحتها القيادة السورية الجديدة للسماح لآلاف المقاتلين السابقين من المعارضة بالانضمام للجيش الوطني، شريطة أن يحدث ذلك بشفافية. وقال: «أعتقد أن هناك تفاهماً وشفافية، ومن الأفضل إبقاء المقاتلين، وكثير منهم مخلصون جداً للإدارة السورية الجديدة، ضمن مشروع الدولة بدلاً من إقصائهم».

النصف الثاني من الجواب قدمته وسائل إعلامية نقلاً عن مسؤولين سوريين في وزارة الدفاع أكدوا أن «الشرع ودائرته المقربة أكدوا مراراً خلال لقاءاتهم مع مسؤولين غربيين أن ضم المقاتلين الأجانب إلى الجيش أقل خطورة على الأمن من التخلي عنهم، ما قد يدفعهم إلى فلك تنظيمي «القاعدة» أو «داعش» الإهابيين، وأضافوا أن الخطة.

ترامب يسعى لإطلاق عملية شاملة في المنطقة ستكون سوريا جزءاً رئيسياً فيها ما يعني أن المنطقة ستكون أمام تغييرات جوهرية في خريطة التحالفات والعلاقات بين دولها

المتعلقة بالمقاتلين الأجانب «تنص على انضمام نحو 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الإيغور، إلى وحدة مشكلة حديثاً، وهي الفرقة 84 من الجيش السوري، والتي ستضم سوريين أيضاً».

هذه نقطة تحسب للقيادة السورية وللرئيس الشرع الذي تمكن من الوصول إلى هذا التفاهم رغم التعقيد الشديد الذي ينطوي عليه هذا الملف والذي كان ضمن المطالب الأميركية الرئيسية.

– الزيارة الأميركية

بانتظار التأكيد الرسمي، نشرت الكثير من الوسائل الإعلامية خبر زيارة الرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة، ومشاركته في الاجتماعات الدورية للأمم المتحدة المقررة في أيلول المقبل، والتي تتضمن أيضاً إلقائه كلمة هي الأولى لرئيس سوري منذ 60 عاماً.

هذا الخبر طغى على ما عداه، لتنطلق التحليلات في إثره، تأكيداً على أنه بهذه الزيارة والمشاركة تكون سوريا قد كسرت بصورة نهائية طوق العزلة الدولية المحكم الذي عانت منه لعقود طويلة، وجر عليها كل ويلات العقوبات والحصار.

ماذا في الدلالات والمآلات ؟

– هما حدثان تاريخيان بامتياز يفتحان الباب أمام مرحلة جديدة في العلاقات السورية الأميركية من جهة، ومن جهة ثانية في العلاقات السورية الأممية/الدولية، خصوصاً أنهما يأتيان في سياق تحولات إقليمية دولية مهمة، وفي ظل تقارب أميركي سوري غير مسبوق توّج بلقاء تاريخي بين الرئيس الشرع والرئيس ترامب في العاصمة السعودية الرياض في 13 أيار الماضي أعقبه رفع العقوبات الأميركية عن سوريا (تلاها رفع العقوبات الأوروبية).

– من المتوقع أن تفتح زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن آفاقاً واسعة للتعاون الاقتصادي، وأن تشهد المرحلة المقبلة تدفقاً للاستثمارات الأميركية في مشاريع إعادة الإعمار وعودة الشركات الأميركية للعمل في السوق السورية.

– سيكون لكلمة الرئيس الشرع أبعاداً سياسية عميقة، سواء برمزيتها كونها تأتي بعد انقطاع استمر 6 عقود، ولكونها تعكس عودة سوريا إلى المشهد الدولي، هذا عدا عن تأكيد التحول في الموقف الأميركي تجاه سوريا.

– حسب المحللين فإن ترامب يسعى لإطلاق عملية شاملة في المنطقة، ستكون سوريا جزءاً رئيسياً فيها، وهو ما سيتم تناوله في اللقاء المرتقب بينه وبين الرئيس الشرع، وإذا ما تم ذلك فهذا يعني أننا أمام تغييرات جوهرية في خريطة التحالفات والعلاقات بين دول المنطقة.

.. وعليه فإن الزيارة المرتقبة ستعزز مكانة سوريا ودورها المهم في المنطقة، وهي في الوقت نفسه ستسلط الضوء على تداعيات ذلك على حلفاء النظام السابق، روسيا وإيران. إذا إن هذه التداعيات حتمية، فيما تشير معظم التوقعات إلى أن كليهما سيكونان- في نهاية المطاف- خارج معادلات المنطقة، إلا إذا استجد شيء ما على صعيد مساري التفاوض، الأميركي الإيراني من جهة، والروسي الأوكراني (الأميركي) من جهة ثانية.

– تعد الزيارة- إلى حد كبير- استكمالاً للجهود السعودية التي قادت عملية التقارب السوري الأميركي (وعودة العلاقات السورية العربية) حيث ترى السعودية أن هذين المسارين يسهمان في تعزيز استقرار الإقليم، ويعيدان التوازن إلى المنطقة، ويفتحان الباب أمام حلول سياسية للأزمات المتعددة والمتفاقمة التي تعاني منها دول المنطقة.

Leave a Comment
آخر الأخبار