الحرية – أمين الدريوسي:
شهدت سوريا أمس حدثاً اقتصادياً مهماً عندما أعلن وزير المالية محمد يسر برنية إعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية، ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها مؤشر على بدء مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي، ومؤشر على إشراقة جديدة في عالم الاقتصاد الوطني، كما أنها تعكس تحولاً إيجابياً بعد فترة طويلة من التوقف والتحديات الاقتصادية.
لقد شهدت سوريا فترة من الركود في الأسواق المالية نتيجة لتحولات اقتصادية وسياسية متلاحقة، وفي ظل السعي لإعادة ثقة المستثمرين وتنشيط النشاط الاقتصادي، تم استئناف عمل سوق دمشق للأوراق المالية. وتأتي هذه العودة لتشكل علامة فارقة في جهود الإصلاح المالي والاقتصادي، إذ تُعد القاعدة الأساسية التي يستند إليها دعم المشروعات التنموية وجذب رؤوس الأموال المحلية والدولية.
ومن أبرز الجوانب المتعلقة بأهمية عودة السوق المالية:
أولاً- تعتبر محركاً للنمو الاقتصادي: فالسوق منصة رئيسية لتمويل الشركات والمشروعات الكبرى، ويسهم في ضخ الاستثمارات في قطاعات عدة مثل البنية التحتية والصناعة والخدمات، وإن تعزيز نشاط السوق يعكس تحسناً في المناخ الاستثماري وإظهار قدرة الاقتصاد السوري على مواجهة التحديات المتجددة.
ثانياً- تعزيز الشفافية والحوكمة: ومع إعادة التشغيل تأتي الفرصة لإرساء نظام مالي أكثر شفافية من خلال تطبيق معايير الإفصاح المالي والحوكمة الرشيدة، وهذا يسهم في استقطاب المستثمرين الذين يبحثون عن بيئة استثمارية مستقرة وآمنة، ما ينعكس إيجابياً على سمعة الاقتصاد الوطني في المحافل الإقليمية والعالمية.
ثالثاً- دعم جهود إعادة الإعمار وتنمية القطاع الخاص: إلى جانب دور السوق المالي، فأنها تشكل أداة استراتيجية لإعادة تأهيل الاقتصاد الوطني، من خلال تمويل مشروعات البنية التحتية وتنمية القطاع الخاص، ومن المتوقع أن يُحدث ذلك تأثيراً اقتصادياً مضاعفاً يدعم استقرار الحياة المعيشية ويزيد من فرص العمل وتنويع مصادر الدخل.
ما التحديات والآفاق المستقبلية التي يمكن أن تواجهها؟
رغم حماس المشاركين والسعي المتواصل لتفعيل السوق، تواجه العملية بعض التحديات التي تستدعي اتخاذ إجراءات تنظيمية حديثة، منها:
- أيام التداول المحدودة وحجم المعاملات: يُلاحظ أن الفترة الأولى من العودة قد تشهد تداولات محدودة، ما يستدعي تعزيز آليات التشجيع على التداول والابتكار لزيادة السيولة المالية.
- ضرورة الإصلاحات التشريعية والتنظيمية: يجب تحسين الإطار القانوني لمكافحة الأنشطة غير القانونية مثل غسل الأموال، وضمان سلامة المعاملات المالية عبر تطوير البنى التحتية الرقمية للسوق.
وعلى المدى المتوسط والبعيد، يُتوقع أن يؤدي استمرار هذه الإصلاحات إلى توسع قاعدة المستثمرين وتنويع الأدوات المالية، ما يرفع من فاعلية السوق كمنصة تمويل رئيسية للنمو الاقتصادي الوطني.
إن عودة سوق الأوراق المالية في سوريا ليس مجرد إجراء فني لإعادة فتح باب التداول، بل هو رسالة أمل لبداية فصل جديد من النشاط الاقتصادي والمالي، وتكمن أهميته في كونه عاملاً محفزاً لاستقطاب الاستثمارات وتوفير بيئة مناسبة لتمويل المشروعات الكبرى، كما يُعزز ثقة المجتمع الدولي في قدرة الاقتصاد السوري على التجدد والتطور.
كما أن هذه الخطوة تفتح آفاقاً واسعة لدراسة مقارنات بين أداء هذا السوق والأسواق الإقليمية الأخرى، وتحليل العوامل التي ستسهم في استدامة النمو المالي، كما يُمكن من خلال هذه التجربة تحديد الدروس المستفادة وصياغة سياسات اقتصادية تنموية تستجيب للتحديات وتحفز الإبداع والابتكار.