من رماد التنور إلى شعلة الأمل.. سيدة من ريف اللاذقية تصنع خبز الحياة

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية- نهلة أبوتك:

تحيي أم دريد، السبعينية القادمة من قرية عين البيضا في ريف اللاذقية، مهنة التراث السوري بيديها المجعدتين ووجهها الذي لفحته نار التنور على مدار عشرات السنين. لم تكن صانعة خبز فقط، بل كانت وما زالت صانعة أمل.. امرأة استطاعت من حفنة طحين ورائحة حطب أن تبني مستقبلاً لعائلتها وأحفادها، وتنعش شارعاً بأكمله في صلنفة.

حكاية تنور بدأ بالحب وكبر بالكفاح

في بيتٍ بسيط على أطراف قرية عين البيضا، بدأت القصة. أم دريد، إلى جانب زوجها الراحل، قررت أن تفتح باب رزق من قلب الأرض، بصنع تنور طيني تقليدي. لم يكن المشروع آنذاك أكثر من محاولة لتأمين لقمة العيش، لكن مع مرور السنوات، تحوّل إلى مشروع متكامل، أصبح يُعرف محلياً باسم “تنور أم دريد”.

حتى الشارع المجاور لمكان عملها، والذي كان يُعرف بكورنيش عين البيضا، بات يُشار إليه اليوم بين الأهالي والزوار باسم كورنيش أم دريد.

في لقاء أجرته صحيفتنا الحرية داخل الزاوية التي ما زال يتصاعد منها دخان التنور، قالت أم دريد بابتسامة دافئة:

“بدأت بهالعمل من شي٤٠ سنة، كنت أشتغل أنا و زوجي الله يرحمه، نخبز ونبيع للناس. ما كنا نملك شي، بس التنور صار بيتنا ورزقنا.”

وعن استمرارها رغم فقدان زوجها، قالت بلغتها الجميلة: “عندما توفي أبو دريد، حسّيت النار بردت، بس وقفت وقلت: ما رح طفيها.. أولادي كبروا، وهنن صاروا يكملوا معي، وهيك التنور صار إلو ولاد وأحفاد”.

وسألناها عن سرّ الطعم الذي لا يشبه أي خبز آخر، فأجابت: السر؟ هو الحطب، والعجين المعجون بالنية الطيبة، و”شغل الإيد.. هاد الخبز مو بس طعام.. هو بركة”.

في نهاية اللقاء، أضافت بكلمات تلامس القلب: “أنا ما درست، بس التنور علّمني كيف أصنع مستقبل لأولادي. اليوم صار عندي مشروع واسم، وأنا راضية… وهاد الرضا أهم من كل شي”.

التراث ليس ماضياً فقط… بل استثمار في المستقبل

من خلال هذه المهنة التراثية، استطاعت أم دريد أن تبني ليس فقط مصدر دخل، بل مشروعاً عائلياً متكاملاً. تحوّلت مهنة كانت تُعدّ قديمة إلى وسيلة لإعالة الأسرة، وتوفير فرص عمل لأبناء القرية، وتأمين مستقبل أحفادها.

نجحت في أن تجعل من قصة الخبز قصة كفاح، ومن التنور شعلة لم تنطفئ رغم كل الصعوبات، لتثبت أنّ التراث يمكن أن يكون أساساً لبناء مستقبل مزدهر، إذا ما اقترن بالإرادة والعمل.
أم دريد… سيدة تستحق أن تُروى قصتها، لم تنتظر دعماً من جهة، بل أوجدت فرصتها بنفسها. واليوم، تقف كرمز حيّ لكل امرأة ريفية، ولكل من يظن أن الحِرف اليدوية قد انتهى زمانها.

من مهنة التنور، أسّست أم دريد مشروعاً تراثياً، ومعه أسّست مستقبلاً مشرقاً لعائلتها وأحفادها، وكتبت اسمها في ذاكرة اللاذقية وقلوب أهلها.

Leave a Comment
آخر الأخبار