«سي إن إن»: القمة الروسية – الأمريكية.. على ترامب أن يقتدي بريغان

مدة القراءة 10 دقيقة/دقائق

ترجمة وتحرير- لمى سليمان:
شكل خبر القمة المزمع عقدها بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير مفاجأة كبيرة لدى العالم متأملاً أن تكون هناك جهود جارية لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، وبعد أن لعبت القمة الرئاسية ورقتها الحاسمة، فإن النتيجة الوحيدة المهمة ستكون وقف إطلاق النار الكامل والشامل الذي طالب به الرئيس ترامب منذ فترة طويلة والذي قبلته أوكرانيا قبل خمسة أشهر، وإلا، ستفشل القمة، وسيصبح السلام صعب المنال في المستقبل المنظور.
وجاء في تقرير نشرته «سي إن إن»: إن وقف إطلاق النار في أوكرانيا لن يكون نتيجة لاجتماع استعراضي يُمكّن بوتين من التملص من العقوبات وكسب الوقت، بدلاً من ذلك، على ترامب دراسة الرئيس رونالد ريغان في ريكيافيك.
ويعتبر الروس الجالسون على الجانب الآخر من الطاولة في المفاوضات أنفسهم «دببة في رقصة» وكما يقول المثل: «إذا اخترت الرقص مع دب، فإن الدب يحدد متى وكيف تنتهي الرقصة، إلا إذا كنت دباً أكبر حجماً».
وعلى هذا فإن بوتين سيصل إلى ألاسكا معتقداً أنه يستطيع التلاعب بترامب، قد تكون الولايات المتحدة الدولة الأقوى بكثير، لكن روسيا هي القوة في أوكرانيا، وبوتين ملتزم بهدفه هناك وهو إخضاع البلاد بأكملها، ويعتقد أن التزامه بهذه الأهداف يفوق التزام ترامب بدعم أوكرانيا لكبح جماحها.
لذا، من المرجح أن يسعى بوتين إلى إقناع ترامب بأن أهداف روسيا معقولة، وأنها ملتزمة بالحل السلمي، حتى لو كان الحل السلمي الذي يسعى إليه بوتين يتطلب إخضاع أوكرانيا بالكامل. وقد يسعى بعد ذلك إلى إقناع ترامب بدعم عملية دبلوماسية مطولة – دون وقف الحرب.
لذلك وحسب الموقع، لا ينبغي لترامب أن ينخدع بهذا، وهو كان ثابتاً منذ البداية في سياسته التي تدعو إلى وقف إطلاق نار غير مشروط لمدة 30 يوماً، يمكن خلالها بدء مفاوضات لإنهاء الحرب. انضمت أوكرانيا إلى هذا الوقف في آذار، وبعد ذلك أعلن وزير الخارجية روبيو أن «المعاملة بالمثل من جانب روسيا هي مفتاح تحقيق السلام». ومنذ ذلك الحين، صعّدت روسيا من حدة الحرب، حيث تضاعفت هجماتها على أوكرانيا منذ تولي ترامب منصبه.
لكن بإمكان ترامب الآن أن يطالب بوتين بوقف إطلاق النار من موقع قوة.
وتابع التقرير: الشهر الماضي، أعلن ترامب عن سياسة جديدة تجاه أوكرانيا، حيث سيؤدي عدم قبول روسيا بوقف إطلاق النار إلى فرض عقوبات اقتصادية متزايدة وشديدة على كل من روسيا وأي مشترٍ لمنتجات الطاقة الروسية، وقد نفذ حتى الآن هذه السياسة بفرض رسوم جمركية على الهند، ثاني أكبر مشترٍ لتلك المنتجات بعد الصين، كما أكد استمرار الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا من خلال أنظمة يدفع ثمنها ويسلمها حلفاء «ناتو»، وقاد قمة ناجحة للحلف، اتفق فيها الحلفاء على زيادة إنفاقهم الدفاعي بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يفوق ما تنفقه الولايات المتحدة على الدفاع.
هذا الدعم الجديد لأوكرانيا يعني أن استمرار روسيا في الحرب سيؤدي إلى خسائرها المستمرة وضغوطها الاقتصادية.
وحسب التقرير فإن ترامب يصل إلى موقع قوي عالمياً، والقوة هي الأمر الذي يعرفه بوتين ويفهمه ويحترمه، ولا بد من أنه لاحظ الضربات الجوية الأمريكية على إيران، والتي تُعدّ استعراضاً للقوة العسكرية من قواعد داخل الولايات المتحدة، كإنجازٍ مُبهرٍ لا يمكن للجيش الروسي أن يطمح لمضاهاته، بالإضافة إلى كونها دليلاً على قدرة ترامب على تحمل المخاطر واستعداده لاستخدام قوته عند الحاجة.
في الأسبوع الماضي فقط، عندما حذّر الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف ترامب من أن إنذاره النهائي لروسيا بشأن أوكرانيا يُمثّل «خطوة نحو الحرب» مع الولايات المتحدة، ردّ ترامب بالإعلان عن نشر غواصتين نوويتين باتجاه روسيا.
باختصار، يصل رئيس الولايات المتحدة إلى هذه القمة في وضع أقوى بكثير من موقف الرئيس الروسي، وينبغي أن تعكس استراتيجية التفاوض هذه المعادلة، إنها فرصة للمطالبة بالمبادئ والتمسك بها، فهي السبيل الوحيد للسلام، يجب على بوتين أن يوافق على وقف الحرب التي بدأها، وإلا فسيغادر ألاسكا خالي الوفاض.
في ظل هذه الخلفية، كما يشير التقرير، ينبغي على ترامب أن يستلهم من صورة ريغان المعلقة خلف مكتب ريزولوت، فعندما التقى ريغان برئيس الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف في عاصمة أيسلندا في تشرين الأول 1986، لمناقشة خفض التصعيد بين قوى الحرب الباردة، وللمرة الأولى، إمكانية إبرام اتفاقية شاملة للحد من الأسلحة النووية، وكما يفعل الروس عادةً، وصل غورباتشوف مُجهزاً جيداً بمقترحات جديدة، ومواقف احتياطية، ووصفات استباقية لتقليص ترسانة موسكو النووية.

أراد ريغان حينها التوصل إلى اتفاق أيضاً وعلى مدار يومين من المحادثات، اتفق الجانبان على معايير لما كان من الممكن أن يكون نتيجة تاريخية، ومع ذلك، وصل ريغان أيضاً بمبادئ ثابتة لن يتزحزح عنها. كان من بينها نظام الدفاع الصاروخي الناشئ المعروف آنذاك باسم «حرب النجوم»، والذي أدركت موسكو أنها لن تضاهيه أبداً، واعتبرته تهديداً لقدراتها العسكرية وقدرتها الرادعة على صواريخها.
عندما طالب غورباتشوف، كجزء من صفقة، بأن تتخلى الولايات المتحدة عن جهود تطوير ونشر مثل هذا النظام، رفض ريغان الاقتراح رفضاً قاطعاً، وصلت المحادثات إلى طريق مسدود، وغادر الزعيمان القمة بوجهين متجهمين وخائبي الأمل.
وورد أنه عندما سأل غورباتشوف ريغان قبل تلك الصورة العابسة عما كان يمكن فعله لتحقيق السلام، أجابه ريغان: «كان ينبغي أن تقول نعم». واعتُبرت حينها قمة ريكيافيك آنذاك فشلاً دبلوماسياً ذريعاً.
لكن رفض ريغان التراجع، حتى مع خطر تفاقم توترات الحرب الباردة، وفشل القمة قبل شهر من انتخابات التجديد النصفي، هيأ في النهاية شروط السلام. وبعد عام واحد، وقّعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أول معاهدة للقضاء على فئة من الأسلحة النووية، في عام ١٩٩١، عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، وبينما كانت واشنطن لا تزال تسعى إلى ابتكارات في مجال الدفاع الصاروخي، وقّعت الولايات المتحدة وروسيا معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية الشاملة (ستارت ١).
ويشير المؤرخون اليوم إلى ريكيافيك كنقطة تحول في الحرب الباردة، وينسبون الفضل إلى موقف ريغان المبدئي من غورباتشوف كأساس للسلام.
وبالنسبة لما سيحصل في ألاسكا، سيسعى بوتين للتأثير على ترامب بوعودٍ بالتعاون في قضايا عالمية أخرى، من إيران إلى الصين، إلى التجارة والوصول إلى الأسواق والمعادن، إلى التعاون المدني النووي، ومكافحة الإرهاب. وبينما يُفترض أن تتناول القمة أوكرانيا، سيسعى الروس إلى تشتيت انتباه الجانب الأمريكي ببنودٍ مختلفة على جدول الأعمال، سعياً لتصوير قوتين عظميين تتعاونان في الشؤون العالمية.
إذاً ينبغي على الجانب الأمريكي أيضاً إبقاء التركيز على أوكرانيا فقط، وتوضيح أن التعاون في قضايا أخرى ممكن – بعد حل مشكلة أوكرانيا.
أما فيما يتعلق بأوكرانيا، من المرجح أن يقدم الروس مقترحات مفصلة مع خرائط، أو أن يقترحوا تبادلات جديدة للأسرى، أو ربما وقف إطلاق نار محلي ومحدود. سيقول بوتين إنه مستعد لسلام دائم، ويشيد بترامب باعتباره الزعيم الوحيد القادر على تحقيقه.
لكن ما يهدف إليه بوتين هو تأجيل فرض أي عقوبات جديدة، ومواصلة الحرب، وإعادة تحميل ترامب مسؤولية السلام على زيلينسكي.
إذا كان ترامب يهدف إلى عقد قمة تُعزز قضية السلام في أوكرانيا، فعليه أن يستلهم نهج ريغان ويلتزم بمبدئه المعلن: وقف إطلاق نار كامل لمدة 30 يوماً. وإلا، فلا ينبغي إجراء أي نقاش إضافي، لاسيما بشأن التنازلات الإقليمية الجديدة التي يُقال إن روسيا تطالب بها من أوكرانيا. أي شيء أقل من وقف روسيا للحرب – مع إجراء المزيد من المفاوضات لإنهائها تماماً خلال وقف إطلاق النار- سيكون فاشلاً، ولتوفير الظروف اللازمة للسلام في أوكرانيا، يجب على الرئيس أن يكون مستعداً للانسحاب.
سبب أخير ومهم، حسب التقرير، لتجنب الانجرار إلى مناقشات مفصلة حول خرائط وتعديلات على خط التماس بين القوات الروسية والأوكرانية هو عدم مشاركة الأوكرانيين في هذه القمة. هناك مقولة شهيرة في الدبلوماسية: «إن لم تكن على الطاولة، فأنت على قائمة الطعام». وسيرغب بوتين في أن يرى العالم صوره جالساً مع ترامب على الأراضي الأمريكية، حاملاً خرائط في يديه لرسم الحدود المستقبلية في دولة أوروبية غزاها. إن كان هناك خطر دائم في هذه القمة، فهو تلك الصورة التي يطمح إليها بوتين، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تسمح بها تحت أي ظرف من الظروف.
مع وجود وقف إطلاق نار، ستكون الطاولة جاهزة لهذه المفاوضات المفصلة التي ستحتاج أوكرانيا إلى أن تكون مشاركة كاملة فيها، هذا التسلسل لا يمكن عكسه.
وكما أشار الأمين العام لحلف «ناتو»، مارك روته، يوم الأحد: «لقد رأينا الرئيس ترامب يضغط بشدة على روسيا»، وستكون قمة ألاسكا «اختباراً لبوتين، ومدى جديته في إنهاء هذه الحرب المروعة». بعد سبعة أشهر من رئاسة ترامب، ورغم التقلبات، ثبتت صحة التوقعات بتخليه عن كييف، بل إن ترامب شدد سياسته تجاه موسكو، مع تعزيز دعمه للأوكرانيين. هناك خطر من أن تتراجع ألاسكا عن هذا التوجه السياسي الجديد، وتخفف الضغط عن بوتين لإنهاء الحرب.
لكن هذه النتيجة ليست حتمية، فمن خلال تمسكها بموقف حازم بشأن وقف إطلاق النار، وهي السياسة التي أعلنها ترامب منذ بداية رئاسته، يُمكن لهذه القمة أن تُطلق عمليةً تُفضي في النهاية إلى حلٍّ عادلٍ للحرب، والنتيجة ثنائية: هل سيكون هناك وقف إطلاق نار بعد ألاسكا أم لا؟ كل ما عدا ذلك ثانويٌّ ومُشتتٌ للانتباه.

Leave a Comment
آخر الأخبار