شاب من ذوي الهمم يتحدى الصعاب ويؤسس مشروعه من شجرة الخرنوب

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – سناء عبد الرحمن:

في أعالي جبال القدموس، حيث الطبيعة قاسية والطرقات وعرة، يطل مشهد غير مألوف لرجل أنهكه المرض، لكنه لم يعرف الاستسلام.

تحدي المرض..

هناك يعيش حسن صالح، رجل أُصيب بالشلل منذ أكثر من عشر سنوات، ففقد عمله ومصدر رزقه، غير أنّه وجد في شجرة الخرنوب الحراجية طوق نجاة، فحول ضعف الجسد إلى قوة إنتاج، وأطلق مشروعاً منزلياً لصناعة دبس الخرنوب الطبيعي، المعروف بالعسل الأسود.
قصة حسن ليست مجرد تجربة فردية، بل مثال حي على قدرة الإنسان على تحدي الظروف، وعلى فرص اقتصادية كامنة في شجرة تكاد تكون مهملة رغم قيمتها العالية محلياً وعالمياً.

البدايات

يروي صالح قصته قائلاً: بعد إصابتي بالشلل لم يعد لي عمل، ولم أجد سبيلاً لإعالة أطفالي، ولم يكن أمامي إلا البيئة المحيطة، فوجدت في الخرنوب فرصة.
بدأت بإمكانات متواضعة جداً، اشتريت الثمار بالدين من المزارعين، وجهزتها في البيت، وصنعت منها الدبس.
كانت الانطلاقة صعبة، لا مال ولا وضع صحياً يساعد على الحركة ولا دعم، لكن عزيمته صنعت الفرق، فتحولت محاولاته البسيطة إلى مصدر رزق أساسي لعائلته.

صناعة الدبس

يشرح حسن خطوات الصناعة بدقة، وهي أشبه بعمل مخبري، لا كمزارع بسيط في قرى جبلية، بداية نعمل على غسل القرون وتجفيفها تحت الشمس.
ومن ثم تكسيرها إلى قطع صغيرة وتخزينها في أوانٍ محكمة لمدة لا تقل عن 60 يوماً، ثم
نقع المجروش في الماء من 12 إلى 20 ساعة.
و بعدها يتم تصفية السائل الأحمر الناتج وغليه على نار الحطب ساعات طويلة واحياناً تصل ليومين كاملين مع التحريك المستمر حتى لا يحترق المزيج.
العمل مرهق جداً ويحتاج جهداً متواصلاً وأنا أعاني من الشلل، ومع ذلك أتابع كل المراحل مستخدماً أدوات بسيطة لا تتعدى القدور والمصافي اليدوية.
والنتيجة سائل لزج كثيف يشبه العسل الطبيعي، يُعبأ ساخناً في أوانٍ زجاجية معقمة لضمان سلامته.

فوائد  الخرنوب..

وشرح حسن عن فوائد شجرة الخرنوب، فهي  كنز اقتصادي، استخداماته كثيرة  فبذوره  مطلوبة خارجياً  لاستخراج مادة السيليكون، و دبسه ذو قيمة غذائية عالية، حتى القشور تستخدم كسماد عضوي، بهذا يصبح الخرنوب مورداً صناعياً وغذائياً واسع الاستخدام، إذا ما أُحسن استثماره.

معوقات العمل

يقول حسن: وراء كل جرة دبس أبيعها  قصة تعب وحرمان، ابتداءً من شراء الخرنوب أحياناً بالدين، والحطب، بالإضافة إلى صعوبة النقل، وقضاء ساعات طويلة في العمل رغم إعاقته.
إضافة لعدم امتلاكه طاحونة ولا فرازة ولا أي آلة تساعده، كل شيء يتم يدوياً، ومع ضعف التسويق والذي يعتبر في مقدمة الصعوبات، أصبح بيع المنتج تحدياً إضافياً.

الإرادة تصنع المستحيل..

قصة حسن تتجاوز حدود المأساة الشخصية لتصبح شهادة على صلابة الإنسان، من جسد مشلول وموارد شبه معدومة، صنع مشروعاً بسيطاً يطعم أطفاله ويمنحهم أملاً بالمستقبل،
والخرنوب بالنسبة له ولغيره ليس مجرد شجرة، بل غذاء ودواء وصناعة يمكن أن تنهض بقرى كاملة إذا جرى استثمارها بوعي ودعم.
ربما يكون حسن اليوم مثالًا فردياً، لكن قصته تقول: إن الإرادة قادرة على تحويل ثمار برية مهملة إلى ذهب أسود.
وإن التنمية الحقيقية تبدأ من أبسط القرى، حين تلتقي عزيمة الأفراد مع دعم المجتمع.

Leave a Comment
آخر الأخبار