الحرية – يسرى المصري:
كشبكة العنكبوت التي تحيك الفتن وتشعل الحرائق تتحين إسرائيل لحظة الفوضى لتوسيع نفوذها تحت عباءة الدفاع عن “الأقليات ساعية لتعزيز سياسة إنشاء أذرع موالية لها عبر محاولة توسيع نفوذها ومشروعها الاستعماري وصولاً إلى الفرات فالنيل فالخليج مروراً بلبنان والأردن وفلسطين وما خفي أعظم والطعم الذي يتجرعه من لا بصر أو بصيرة له هو التحريض ونشر خطاب الكراهية . بحيث تتحول الحقائق المعقدة بسرعة إلى روايات عن “إبادة جماعية” أو تحت عناوين تدخلات “إنسانية” بكل بساطة ..ورغم وجود الأخطاء والانتهاكات إلا أن الحكومة أعلنت وعبر تشكيل لجنة لتقصي الحقائق عن تجريم ومحاسبة من يقوم بها من كل الأطراف .
ويبدو أن المسألة تتجاوز الأفعال إلى نمط تفكير يتحدث به الإسرائيليون اليوم بصراحة متزايدة؛ فقد صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي، بعد يوم واحد فقط من التحرير.. “فكرة وجود سوريا موحّدة وذات سيادة ليست واقعية”.
أما المحاضر العسكري الإسرائيلي رامي سيماني، فقد ذهب أبعد من ذلك قائلًا: “سوريا دولة مصطنعة… يجب على إسرائيل أن تعمل على اختفائها. وستحلّ مكانها خمسة كانتونات”.
ولم يعد الأمر سراً فقد تم الكشف عن أن بعض الفصائل الخارجة عن القانون التقت في /شباط 2025 مسؤولين أميركيين، وعرضت عليهم خطة للتمرد المسلح على حكومة الرئيس أحمد الشرع بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وفلول النظام وجماعات مسلحة بالجنوب .
وتتالت المواقف المعادية للسوريين ، ووجّهت تلك الأذرع نداءات للتدخل إلى قادة أجانب، من بينهم دونالد ترامب، وبنيامين نتنياهو نفسه، المتهم بارتكاب جرائم حرب. في تصعيد سياسي يطرح أسئلة كثيرة عن تاريخ واصطفافات تلك الأصوات الناشذة عن صوت السوريين .
هذه الإستراتيجية الصهيونية أسهمت في ترسيخ وجود إسرائيل في بداياتها، فإنها لم تكن يوماً ذات طابع دفاعي، بل كانت مشروعاً توسعيا بكل وضوح، وقد قال بن غوريون ذلك بصراحة: “هدفنا هو تحطيم لبنان وشرق الأردن وسوريا… ثم نقصف ونتقدّم ونأخذ بور سعيد والإسكندرية وسيناء”، وأضاف: “علينا أن نُنشئ دولة ديناميكية تتجه نحو التوسّع”، ثم تابع: “لا وجود لترتيب نهائي… لا فيما يخص النظام، ولا الحدود، ولا الاتفاقيات الدولية”.
وفي تصريح أكثر مباشرة، قال: “حدود الطموحات الصهيونية هي شأن داخلي يخص الشعب اليهودي، ولا يمكن لأي عامل خارجي أن يحدّ منها”. لم تكن تلك مجرّد أقوال عابرة، بل مبادئ تأسيسية لا تزال تُحرّك السياسات الإسرائيلية حتى اليوم.
وكان اللافت التصريحات الأخيرة للمبعوث الأميركي إلى سوريا حيث أوضح صراحة أن إسرائيل تفضل سوريا مجزأة على دولة مركزية قوية تسيطر على البلاد
مضيفاً .. أعتقد أن جميع الأقليات في سوريا ذكية بما يكفي للرغبة في الاتحاد بنظام مركزي .. ومنوهاً بموقف البيت الأبيض أنه ليس لدينا موقف من احتمال إبرام اتفاقية دفاع بين سوريا وتركيا .
ولفت في رسالة واضحة أن العنف في بعض المناطق لن يعرقل محادثات دمشق ..وتستمر الحكومة بالاتفاق مع كل الأطراف ومشاركتهم لتحقيق السلم الأهلي ضمن سوريا موحدة لكل السوريين ..
وحسب محللين فإن ما يحدث في سوريا ينسجم تماماً مع السياق الفوضوي للتوترات الإقليمية
وحسب محللين ..لم تكن الضربة الجوية الإسرائيلية الأخيرة على دمشق حادثاً معزولاً، بل كانت تنفيذاً واضحاً لعقيدة متكاملة. حيث شنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات استهدفت وزارة الدفاع السورية، ومقرات عسكرية، ومحيط القصر الرئاسي، وهذا ليس على الخطوط الأمامية أو في مناطق حدودية، بل في قلب العاصمة السورية، وفي أكثر مواقعها سيادية ورمزية.
الذريعة جاءت ضعيفة ولم تكن تستهدف حماية أقليات هم عرب سوريون يشكّلون جزءاً أصيلاً من النسيج الوطني السوري – بل تهدف إلى تكريس عقيدة إسرائيلية قديمة تقوم على تفتيت المنطقة،
لم يكن اختيار الهدف في الضربة الإسرائيلية الأخيرة قراراً استراتيجياً، بل كان رمزياً بامتياز؛ فليست ساحة الأمويين مجرّد تقاطع في العاصمة؛ بل إنها قلب دمشق النابض، ورمزٌ للفخر السوري والكرامة العربية، ويتوسّطها سيف دمشق الشهير، وفي هذه الساحة بالذات، احتفل السوريون قبل ثمانية أشهر فقط بانتهاء ديكتاتورية دامت ستة عقود.
في هذا الموقع الرمزي، وفي وضح النهار، نفّذت “إسرائيل” غارتها، مدركة تماماً أن الساحة محاطة بقنوات تلفزيونية عربية ودولية، وأن الصور ستُبثّ على مدار الساعة عبر الأقمار الصناعية ومنصّات التواصل الاجتماعي.
وحسب آراء ومفكرين وكتاب ..كانت الضربة عرضاً مدروساً، يهدف إلى إحداث صدمة للسوريين وترهيب الشعوب العربية؛ فالضربة لم تكن فقط خرقاً للقانون وافتقاراً للأخلاق، بل كانت خطوة جديدة في إطار عقيدة إستراتيجية طويلة الأمد، ترمي إلى فرض الهيمنة الإسرائيلية على منطقة عانت على مدار عقد ونصف العقد من الحرب، ما جعلها متهالكة، ضعيفة، وممزّقة.
منطلق هذه العقيدة كان بسيطاً وشرساً في آن ويعتمد على تعزيز الانقسامات الداخلية في الدول العربية من خلال استغلال الأقليات العرقية والدينية.
ويتساءلون لماذا سوريا لأن بلاد الشام ليست مجرد حدود جغرافية، بل ذاكرة مشتركة للعرب ، وقبل كل شيء، لأن “إسرائيل” تحتل أرضاً سورية.
منذ العقد الماضي تعمل إسرائيل على بناء علاقات مع مكوّنات على أسس إثنية ودينية ، تمهيداً لاستخدامها كأوراق ضغط في مشروع تفكيك قادم.
الرسالة الضمنية واضحة: “إسرائيل” توفّر العنف والعربدة في هذه المنطقة ، وعلى الجيران والعرب والإقليم أن يدفعوا الجزية.