الحرية- باديا الونوس :
في ظل التحديات البيئية والمناخية التي تواجه قطاع الزراعة في سوريا، تبرز الحاجة الملحة لإعادة النظر في أساليب الإكثار الزراعي، خصوصاً في زراعة اللوزيات. فقد شهد هذا القطاع الحيوي تراجعاً ملحوظاً نتيجة عوامل متعددة مثل التغيرات المناخية، محدودية الموارد المائية، وتدمير البنية التحتية الزراعية.
ووفق المهندسة وفاء قعيم معاون مدير إدارة بحوث البستنة في وزارة الزراعة يُعتبر اختيار تقنية الإكثار هو الحل الأمثل في إدارة زراعة اللوزيات بشكل متكامل، إذ تسهم هذه الخطوة في تحسين الإنتاجية وضمان استدامتها على المدى الطويل. ، ما يفتح الباب أمام اعتماد حلول مبتكرة مثل زراعة الأنسجة والتطوير الوراثي لتعزيز قدرة القطاع الزراعي على التكيف مع المتغيرات الراهنة.
ما هي أهمية اللوزيات في سوريا؟
تشير الدكتورة وفاء قعيم، معاون مدير إدارة بحوث البستنة ورئيس قسم بحوث اللوزيات في الهيئة العامة للبحوث الزراعية، إلى أن أشجار اللوز والمشمش والكرز والخوخ تعد من المحاصيل ذات القيمة الاقتصادية والغذائية العالية، إذ تلعب دوراً أساسياً في تعزيز الأمن الغذائي وتوفير دخل مستدام للمزارعين. وتزداد الحاجة إلى أصناف ذات جودة عالية وقادرة على التكيف مع التغيرات المناخية.
41 مليون شجرة
وفقاً لإحصائيات منظمة الفاو لعام 2023، تبلغ المساحة المزروعة باللوزيات في سوريا حوالي 125 ألف هكتار، ويقدر عدد الأشجار بـ 41 مليون شجرة، منتجة نحو 300 ألف طن.
ومع ذلك، تواجه هذه الأشجار تحديات بيئية تهدد استدامة إنتاجها، لاسيما بسبب التقلبات المناخية التي أدت لانخفاض مستويات المياه وزيادة ملوحة التربة.
الطرق التقليدية في إكثار اللوزيات وتحدياتها
تعتمد المشاتل السورية على الإكثار التقليدي بالبذور والتطعيم. إلا أن العديد من النباتات الناتجة عن الإكثار بالبذور تعاني من عدم التجانس الوراثي، وهو ما يعرقل الإنتاج التجاري الموحد. رغم أن التطعيم يحافظ على الصفات المميزة للأصناف، إلا أن نجاحه يعتمد على مهارة العمال والظروف البيئية المناسبة للاندماج.
إضافة إلى ذلك، ووفق المهندسة قعيم تعاني هذه الطرق من بطء في التكاثر وارتفاع احتمالية انتقال الأمراض، ما يجعلها أقل فاعلية في مواجهة التغيرات المناخية، ونقص التنوع الوراثي، وتدهور الموارد الطبيعية مثل خصوبة التربة والمياه.
زراعة الأنسجة والتكاثر الدقيق
عن التقنيات الحديثة المعتمدة لإكثار اللوزيات تؤكد معاون مدير إدارة البستنة م. قعيم أنه تعد زراعة الأنسجة أحد أبرز التقنيات المتقدمة التي أحدثت تحولاً كبيراً في إكثار الأشجار المثمرة، بما في ذلك اللوزيات، تعتمد هذه التقنية على أخذ خزعات صغيرة من النباتات الأم وزراعتها في أوساط مغذية معقمة تحت ظروف محكمة من حيث الإضاءة والحرارة والرطوبة.
وأضافت: تتيح زراعة الأنسجة إنتاج كميات كبيرة من الغراس المتجانسة الخالية من الأمراض، ما يعزز من جودة البساتين ويسرّع من دخولها في مرحلة الإنتاج. كما تساهم التقنية في إكثار أصناف نادرة أو حساسة يصعب تكاثرها بالطرق التقليدية، وتدعم حفظ الموارد الوراثية ضمن بنوك جينية حية، وهو أمر حيوي في ظل فقدان التنوع البيولوجي.
تعتمد في أوروبا
تشير التقارير إلى أن أكثر من 30 مليون غرسة فاكهة تُنتج سنوياً في أوروبا عبر هذه التقنية، مع زيادة نسبة إكثار اللوزيات عبر زراعة الأنسجة من 4% إلى 18% في 2024، بفضل تطور وسائل التحفيز الهرموني والتضاعف السريع في الأوساط المغذية.
نحو غراس أكثر تحملاً للتغيرات المناخية
تؤكد المهندسة قعيم أن إنتاج غراس قادرة على تحمل الظروف البيئية القاسية مثل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وملوحة التربة يتطلب الاعتماد على أبحاث التكنولوجيا الحيوية المتقدمة.
إذ يركز التحسين الوراثي على تطوير الأصول النباتية بحيث تتمتع بقدرة أفضل على امتصاص الماء والعناصر الغذائية حتى في الظروف الصعبة.
كذلك، يتم تعديل المتطلبات الوراثية لفترة البرودة اللازمة لتفتح البراعم، ما يحمي المحصول من تقلبات المناخ التي تهدد إنتاجية الأزهار.
خطط استراتيجية للتكيف
بهدف ضمان إنتاج غراس ذات جودة عالية ومستدامة، تؤكد المهندسة قعيم أهمية تطبيق مجموعة من الخطط البعيدة المدى المتكاملة، منها:
– نشر مختبرات متخصصة في زراعة الأنسجة النباتية على المستوى الوطني، لتكون مركزاً موثوقاً لإنتاج الغراس الصحية.
– تعزيز برامج التربية الوراثية لإنتاج أصول وأصناف مقاومة لتحديات المناخ.
– تشجيع استخدام الغراس الموثوقة في خطط زراعة اللوزيات.
– دمج التقنيات الحديثة مع ممارسات الزراعة الذكية مناخياً، مثل الري بالتنقيط، التسميد الموجه، والحماية البيئية.