الحرية ـ منال الشرع:
تُعد التربية بمفهومها العام عملية منظمة ومشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع، تهدف إلى تنشئة الطفل وتوجيهه نفسياً واجتماعياً وتربوياً، والهدف الأسمى هو بناء شخصية متوازنة ومستقلة، قادرة على اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية، بعيداً عن مخاطر الدلال الزائد أو الحماية المفرطة التي قد تنتج شخصية اتكالية غير فاعلة في المجتمع.
الحوار هو الأفضل لكنه مرهون بعمر الطفل
وفي تصريح خاص لصحيفة «الحرية»، وجهنا سؤالاً للدكتور حسام الشحاذة، الباحث في القضايا النفسية والتربوية والاجتماعية، حول دور شراكة الوالدين في بناء شخصية الطفل، وأيهما أفضل لمستقبله: التنشئة القائمة على التلقين أم على الحوار؟.
أوضح د. الشحاذة أنه «من المنطقي القول إن التنشئة الأسرية القائمة على الحوار والنقاش هي الأفضل، لكن الأمر يتوقف على عمر الطفل ومستوى نمو قدراته العقلية والمعرفية ومستوى الوعي لديه». مضيفاً: «فليس من المعقول ممارسة التنشئة الحوارية مع طفل بعمر الثانية أو الثالثة، ففي هذه المرحلة يكون أسلوبا التلقين والنمذجة السلوكية هما الأفضل والأجدى، خاصة إذا ارتبطا بمعززات مادية أو معنوية تشجع الطفل على ممارسة السلوك الصحيح».
في المقابل، بيّن د. الشحاذة أن «أسلوب الحوار والمناقشة يكون مجدياً مع الأطفال الأكبر سناً واليافعين والمراهقين حتى سن المراهقة المتأخرة»، مشيراً إلى أن هذا الأسلوب يمنحهم الفرصة الكافية لفهم القضايا من مختلف جوانبها، ويتيح لهم المشاركة في صنع القرار الأسري، ما يقودهم تدريجياً نحو شخصية متوازنة قادرة على اتخاذ القرار، وشدد على أهمية تشجيعهم على تطبيق هذه الاستراتيجية مع أقرانهم ومعلميهم في المدرسة.

شراكة الوالدين.. حجر الزاوية في بناء شخصية الأبناء
وتابع د. الشحاذة حديثه مؤكداً أهمية الشراكة بين الأبوين، قائلاً: «للأب وللأم دور متماثل في تكوين شخصية الطفل ليصل إلى مرحلتي المراهقة والرشد بشخصية متوازنة ومستقلة وقادرة على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية». وحذّر من التناقض في الأساليب التربوية، فلا يجوز أن تطبق الأم أسلوب الحوار بينما يمارس الأب أسلوب الزجر أو الدلال المفرط.
واستطرد قائلاً: «إن شراكة الوالدين في تربية الأبناء وتنشئتهم بأسلوب إيجابي ومتفق عليه تساهم في تحصين شخصية الأبناء من الضياع، وعدم تشتتهم، والمحافظة على تماسك الأسرة». متسائلاً: «كيف لهؤلاء الأطفال الصغار أن يكونوا أسوياء نفسياً وسلوكياً واجتماعياً في ظل هذا التناقض الأسري؟».
واختتم تصريحه بتأكيد أن أي طفل، بغض النظر عن مرحلته العمرية، يحتاج إلى اتفاق والديه على أساليب التنشئة، خاصة عند مواجهة مشكلات سلوكية مثل رفاق السوء أو التسرب الدراسي، والتي تتطلب تكامل الجهود الأسرية وإقصاء أي خلافات زوجية من أجل مصلحة الأبناء.